إذا كان للربيع العربي فضل، ففضله أنه جعلنا نفهم أن السياسة ليست هي فن الممكن و لكنها بالأحرى فن المستحيل. و إذا كانت لحكومة بنكيران فضل ففضلها أنها جعلتنا نفهم أن السياسة هي فن التشويق و التأثير و الإيحاء و أن البرلمان مسرح كبير. فلا أحد يستطيع أن ينكر أن السياسة مع بنكيران أصبحت مليئة بالفرجة و المتعة و البرامج السياسية أصبحت تحظى بنسبة مشاهدة عالية. و مع دخول شباط و لشكر إلى الخشبة الفرجة أضحت أحلى: فمن سيدخل إلى الحكومة و من سيخرج منها، من سيكتسح الانتخابات الجماعية و من سينكمش، هل سنعثر على التماسيح و ستتم هزيمتها أم ستبتلع وحش السياسة، و من سيسيطر على البلاد الإنس أم العفاريت؟ و هل سينتصر بنكيران الهمام على أعداء الحكومة و المعارضة؟ و هل حزب الأصالة و المعاصرة خرج من الباب ليدخل من النافذة أم خرج من النافذة ليدخل من الباب بعد أن يطرد الأحزاب التاريخية من الباب و يتركها فقط تطل من النافذة؟ الكل يشارك بكل جوارحه في "المسلسل الديمقراطي" ، والذي لم نعد نتذكر حتى متى بدأت أولى حلقاته، سواء بالتأليف أو الإخراج أو التمثيل أو النقد أو المشاهدة و إن كنا ندعو الله ألا ينافس المسلسل الديمقراطي المغربي أطول مسلسل تلفازي في العالم و الذي دام 72 عاما .... و يبدو أن الجميع متأثر بهذا المسلسل، فالمجتمعات العربية و أحزاب تاريخية عريقة وقعت لها رجة تنظيمية باسم الديمقراطية، و يبدو أن الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة أصبحت موضة الموسم و هدفا لذاته و مظهرا من المظاهر، فالمحتال يريد أن يكون ديمقراطيا في احتياله و الطاغي يسعى أن يكون ديمقراطيا في طغيانه و الخائن لوطنه يريد أن يكون ديمقراطيا في خيانته و السفاح يسعى أن يبيد الشعوب ديمقراطيا... فالديمقراطية بين الأمس و اليوم يمكن اختزالها في كون السياسيين بالأمس كان لديهم جمهور و لكن لم يكن لهم الحق في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، أما اليوم فأصبح لديهم الحق في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع و لكن لم يعد لهم جمهور، أصبحوا يحتكمون فقط على بضع أصوات هي كل رصيدهم السياسي و لكي يستمروا سياسيا عليهم أن يقدموا تنازلات عدة لهذه الأصوات التي مهما بلغ رصيدها فإنها لن تمثل شيئا بالنسبة للشعب المغربي... فهل يمكن أن نتصور مثلا أن تفقد كرة القدم شعبيتها و أن يأتي زمن تلعب فيه مباراة نهاية كأس العالم مثلا بدون حضور الجمهور؟ و بماذا سيشعر اللاعبون وهم يلعبون هذه المقابلة؟ بعض الأنشطة الإنسانية الخلاقة تحتاج إلى تشجيع و مشاركة الجمهور لأن هدفها الجوهري هو التفاعل مع مختلف عناصر المجتمع هذا التفاعل الذي بفضله تتطور الشعوب و المجتمعات و تتقبل أن تفكر بطرق جديدة و مختلفة . فهل الفايسبوك كان سينجح بدون فايسبوكيين؟ و هل الفن له معنى بدون تفاعل الناس معه؟ و ماذا تعني الديمقراطية بدون ديمقراطيين؟ فالسياسة إذا لم تتفاعل معها الجماهير لا يمكن أن تكون لها أدنى قيمة، و لكن عقلنا ما زال غير قادر أن يستوعب السياسة بمستوياتها المتعددة و المعقدة، فما زلنا نربط السياسة بالأشخاص و هكذا إذا كان الشخص سيئ السمعة فهو حتما سياسي سيئ و فاسد من وجهة نظرنا. بيد أن معظم الفنانين و العظماء ممن استطاعوا أن يؤثروا في المجتمعات كانوا سيئي الطباع و لا يمكن وصفهم بالخصال الحميدة المتفق عليها على الإطلاق... عندما كنت طفلة كنت أكره الفنان المصري المليجي لأنه كان دائما يمثل دور الشرير، اليوم أدرك كم كنت مغفلة و قاسية لأنني كنت أكره ممثلا فقط لأنه كان يجيد أداء دوره بإتقان شديد. ففي السياسة لا يوجد سياسي شرير و سياسي خير يوجد فقط السياسي. فكم من سياسي يستخدم الخير وسيلة للحصول على أمر هو شر وكم من سياسي يستخدم الشر للحصول على أمر هو خير و كلاهما في نهاية المطاف يتلاعبان بالخير و الشر.