الإفراج عن 10 آلاف صفحة من سجلات اغتيال روبرت كينيدي عام 1968    اعترافات قضائية خطيرة.. هشام جيراندو "مسخوط الوالدين" وعائلته تتبرأ من جرائمه    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت بالمملكة    هل يفوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا؟ .. الذكاء الاصطناعي يجيب    بالأرقام.. وزير الفلاحة يفند مزاعم "المعارضة" بشأن استنزاف الفلاحة السقوية للثروة المائية    "كان" الفتيان.. كوت ديفوار ثالثا    القنصل العام الفرنسي يزور مركز التقاء الشباب بحي القصبة بطنجة ويؤكد استعداده لدعم التعاون الثقافي والاجتماعي    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تتحرك لإغلاق ملف الصحراء وإعادة العلاقات بين المغرب والجزائر    مغربية الصحراء تكتسب زخما دوليا غير مسبوق    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    المغرب يسير نحو طفرة عسكرية نوعية عبر اقتناء دبابات K2 الكورية    يتسع ل5000 طالب.. أشغال بناء المركب الجامعي بالحسيمة تصل مراحلها النهائية    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    هل يقود مغربي سفينة "الملكي"؟ أنس لغراري الرجل الخفي الذي قد يرأس ريال مدريد سنة 2029    مدرب شباب قسنطينة يشكر المغاربة على حسن الاستقبال قبل مواجهة بركان    الناصري ينفي التهم الموجهة إليه في قضية "إسكوبار الصحراء" ويكشف تفاصيل عن لطيفة رأفت وتاجر المخدرات "المالي"    احوال الطقس .. امطار وثلوج مرتقبة بمنطقة الريف    عمر مورو: مشاريع البنيات التحتية لكأس إفريقيا 2025 تسير بوتيرة متقدمة بمدن الشمال    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    عمر هلال: العودة إلى الصحراء المغربية مشروطة بالإحصاء الإسباني لعام 1974    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    حين تصبح معلوماتك سلعة .. من يحمي المغاربة من تسريبات البيانات؟    مقتل صحراويين في مخيمات تندوف : ائتلاف حقوقي يطالب بتحقيق دولي ضد الجيش الجزائري    شرطة البيضاء توقف مواطنا نرويجيا    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    ناصر بوريطة يواصل جولة دبلوماسية ناجحة لتعزيز دعم أوروبا لمغربية الصحراء    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    بيان توضيحي لولاية أمن أكادير بشأن ادعاءات واهية لمنظمة    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مليكة أوفقير بين السجينة و الغريبة
نشر في هسبريس يوم 12 - 06 - 2008

تخلت مليكة أوفقير (الصورة)عن بلاغة الكلمة ودلالالتها الظاهرة والباطنة، تماماً كما تخلت عن توطيد الإحساس بالفقد الكبير، وذلك عندما كتبت تكملة سيرتها الذاتية "الغريبة" نهاية 2006.
فعلا، كما سطرت المؤلفة على غلاف "الغريبة" الأخير، أن "السجينة" كانت "شهادة مؤثرة عن الألم والظلم وأيضاً عن البقاء، عن القمع وجشع السلطة، وكذلك عن الصبر والرغبة في النسيان، عن السجن والسجّان، وعن الحرية ومحاولة الصفح"!
في "السجينة" تروى مليكة أوفقير - ابنة الجنرال الذي قاد محاولة انقلابية ضد ملك المغرب وفشلت في أغسطس1972 ؛ حيث أُعدمَ والدها بخمسة رصاصات اخترقت جسده، وتم سجن عائلته : فاطمة زوجته وأطفالها الستة (منهم مليكة) في سجون بالصحراء لمدة خمسة عشر عاماً ! ليقضوا بعدها خمسة أعوام في الإقامة الجبرية في مراكش، حتى حصلوا على إذن الحرية عام1991 وغادروا المغرب.
في "الغريبة" تبدو لغة التحول من بؤس الأسر وفظاعة السجانين والمحاولات اليائسة للهروب عبر شق نفق بالأيدي الناعمة الرطبة، وتبدو أيضاً مشاهد الطعام البائس الذي يرمى لهم ووساخة المكان وضراوة البراغيث التي تهاجم الأجساد، وتراقص الفئران حول رؤوسهم، وهجير الحر، وانتظار ما لا يأتي. في "الغريبة" تؤخذ الكاتبة بالحياة المتدفقة في باريس أولى محطات الحرية بعد أسر القصر وسجن (تزمامارت)، ثم عبورها الأطلسي إلى نيويورك مع (إيريك) الصديق الذي وقف بجانبها ثم تزوجها عام1998 في باريس.
لقد سيطر موضوع "الجديد" في حياة مليكة على جماليات السرد، وبدت الراوية كطفلة - ولربما تعذر في بعض الوقفات بعد سجن لمدة عشرين عاما - حيث تنتقل بين المتاجر والسوبرماركتات، وتُسعد ناظريها بمشاهدة الاطعمة الفاخرة " يالها من صفقة، عَشرُ علب بثمن خمس.. لا يهم أن تكون بالثوم والطيب، عادية أم بالفلفل الحلو، بسرعة وقبل أن تستولي مدبرة منزل أدهى من غيرها عليها، دسستُ ثلاثة طرود في عربتي، أي ثلاثين علبة بورسان"!
مليكة أوفقير رفقة زوجها إيريك
كان الخوف من الآخرين أيضاً يحضر بوضوح في "الغريبة" وذلك شيء يُبرره سوء معاملتها وأسرتها في الأسر. ونلاحظ إسهاباً واضحاً حول حادثة الرجل الذي ترافقه الكلاب الضخمة في السيارة.
قد يبدو في السرد شيء من المبالغة عند تعرّف الراوية على مظاهر الحياة الجديدة في باريس. حيث دخول الحمّام الذي لم تجد فيه مفتاح صنبور الماء، حيث تلجأ إلى حيلة "غبية" كي تتعرف على مكان فتح الصنبور، وهو الادعاء بأنها فقدت قرط أذنيها، وتظل تصف الموقف مطولاً، حتى تدخل امرأة إلى الحمام وتمرر يديها تحت الصنبور فيتدفق الماء.
وتعود مرة أخرى إلى " عجائب" عالم الحرية، وهو الرقم الذي ينظم معاملات الناس، وبطريقة طفولية لم تتمكن الراوية من حل لغز الرقم الموضح على الشاشة الكبيرة، وتربطه بالوقت - أي الساعة - كان الرقم164 ، واعتقدت بأنه الساعة16.04 أو الساعة 16.40 وتظل تنتظر في إدارة الضمان الاجتماعي، بينما الناس يأخذون أرقاماً وينجزون معاملاتهم. لم تأخذ هي رقماً كالآخرين، وبمشهد تمثيلي تصور لنا الآلة الخاصة بالأرقام المتسلسلة بأنها لم تميزها عن مطفأة الحريق!؟
نفس الدهشة تفاجئها عند الحديث عن بطاقة الصرف الآلي ! حيث تفرد10 صفحات من الكتاب للحديث عن المفارقة التي صادفتها وهي تحاول سحب مبلغ من ماكينة الصرف الآلي، وكيف أنها عانت - بينما الطابور خلفها يطول - عدم قدرتها على التعامل مع الآلة. وهذا يجرنا إلى الإفصاح عن أن الراوية التي عاشت في قصر الملك الحسن الثاني، لابد أن تكون قد علمت بأمر البطاقات الائتمانية، أو ماكينة الصرف الآلي!؟
أقول: هنالك نوع من المبالغة في المقاربات التي صادفتها الراوية في باريس ونيويورك، واكتشافها العالم الجديد الذي يمنح الحرية، ومعها ضرائب شتى!
هنالك أبواب في الكتاب لم تثرالكتاب من الناحية الموضوعية، مثل تضمينه باب (البؤس) وقصة (البير) المتشرد الذي يقتات على ما يرمى إليه من نقود معدنية!؟
المفارقات التي سجلتها الراوية أحياناً تبدو مقنعة جداً كتناول الطعام في مطعم باريسي شهير، ووصفها للأكلات البحرية المتنوعة، ومقارنتها للطعام الرديء الذي كان يقدم لها ولأسرتها في السجن. حيث يتناولون البيض الفاسد - الذي يرمى إليهم كل15 يوماً، بالطبع لاتوجد ثلاجة لحفظه، وتشرح لنا كيفية التخلص من السائل الأسود الذي يفسد البيض، ثم تغطس الخبز البائت في الزيت والحليب لتصنع لأسرتها اختراعاً جديداً من الحلوى!
نعم تلك مفارقات مقنعة ومثيرة، وتختلف عن تلك التي تصادفها الراوية في حياتها الجديدة!
وتعبّر الراوية عن نجاحها الكبير وهي تصل إلى دار الناشر لكتابها الأول في شارع )سان بير) حيث ترى كتابها بغلافه الذي يحمل صورتها مع أفراد أسرتها. ومن ثم أحاديثها في التلفزيون أو أمام الجمهور.
ومقابلتها في التلفزيون مع )أوبرا وينفري) المذيعة المشهور، كما تفتح لها أبواب العمل في الإنتاج السينمائي وفي الإعلان بالذات. وتعود إلى الصراع من جديد في المغرب حيث تتواجه مع رجال الأمن عندما تعود ليلاً إلى منزلها في الدار البيضاء.
ومن مفارقات "الغريبة" الصراع مع البقاء !! حيث كان وسواس فقد الأمومة يسيطر على الراوية ! ولقد جربت كل الطرق المؤدية للإنجاب، وزارت أشهر الأطباء، حتى فكرت في تبني (نوال) ابنة اختها.
وتعود الراوية إلى المفارقات العجيبة مذ تطأ قدماها الفندق الضخم في نيويورك. حيث تواجه كيفية فتح جهاز التحكم في التلفزيون، وجهاز ضبط التكييف، وكذلك تسترق النظر إلى جهاز المنظم الذي يحمل في الجيب (Organizer)، وكذلك نجاح الناشر في توزيع700 ألف نسخة من كتابها في أمريكا وحدها! وتؤخذ الراوية من جديد بالجديد الأمريكي: "مادام علي أن أجمع، شننتُ غارة على المنتجات الصغيرة، من مراهم وشامبو وعيدان القطن المنشفة للأذنين، وألواح الصابون الصغيرة التي تضعها أيادٍ غير مرئية كل يوم في حمامات الفندق. إنها جذابة للنظر، متقنة الصنع، مدموغة بشعار الفندق، منمنمة كأنها لوازم دمية، لابد أن تكون في أمريكا حتى تحظى بترف - يتجدد يومياً دون أن يُطلب منك قرشاً واحداً (قرشٌ واحد) لم تنتبه أنه نائب فاعل مرفوع، سرعان ما اضطررت إلى استخدام كيس ثان، امتلأ بتلك الكنوز التي لا تنضب أبداً".
في فصل "موت ملك" لا تخفي "مليكة أوفقير" خيبتها بأن موت الملك لم يكن ليسعدها أو يحزنها، بقدر ألمها كونها لم تحصل على شهادة براءة او اعتراف بالخطأ من قبل السلطات التي أخذت من عمرها وعمر عائلتها عشرين عاماً؟!
"تركني الحسن الثاني يتيمة من ألمي، جردتني وفاته من باعثي الوحيد للكُره والكفاح والتألم، ومع ذلك كان ذلك الباعث هو ما أبقاني لزمن طويل عائمة في قاع سجني.... فبرحيله المفاجئ دون تسوية حساباته، دَفَن معه فرحتي الأخيرة لأفهم لماذا؟؟"
لا نختلف في أن "السجينة" كان كتاباً مثيراً للغاية وإضافة جديدة للمكتبة العربية، ولكن "الغريبة" لربما احتاج إلى تروٍ ونظرة أعمق لمجريات الأمور، ولعل السرعة في إصداره جعلته مجرد ذكريات وحوادث ومفارقات تمر على أي إنسان يعيش في باريس أو نيويورك، ويُفاجأ بدهشة التطور وإيقاع الحياة، وإنتاج المصانع مما لا يتوافر في بلدان العالم الثالث.
عن الشرق القطرية ""


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.