سلوفينيا تدعم مبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء المغربية    الدار البيضاء…توقيف مواطن نرويجي يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية النرويجية    لجنة حماية المعطيات الشخصية ترحب بشكايات المتضررين من القرصنة    الحوامض المغربية تدخل السوق الياباني    كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة.. أشبال الأطلس يطمحون لتجاوز عقبة مالي والتتويج باللقب    ناصر بوريطة.. تألق دبلوماسي في جولة أوروبية شملت ست دول في أسبوع واحد    البرلماني شوقي يرد على اتهامات الناصري: أرادني أن أكذب ولم أشهد زورا لإدخاله السجن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    الهجرة والثقافة المغربية: تاريخ للإستكشاف    بيان توضيحي لولاية أمن أكادير بشأن ادعاءات واهية لمنظمة    المعرض الدولي للنشر والكتاب يتعقب الفنون التمثيلية في الصحراء المغربية    نقابات التعليم تسجل غياب الإرادة السياسية لدى الحكومة في الوفاء بالتزاماتها وتحتج على "التسويف"    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    تحذيرات برلمانية من تزايد نسب الإصابة بداء السل اللمفاوي الناتج عن عدوى منقولة من الأبقار    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    من معشوق الجماهير إلى مرشح للبيع .. رودريغو يدفع ثمن الإخفاق الأوروبي    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    مجموعة "أكديطال" توقّع اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير مستشفيات خاصة في السعودية    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    فينيسيا الإيطالية تضاعف قيمة الرسم اليومي لزيارة المدينة    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    دراسة علمية: 17% من الأراضي الزراعية ملوّثة بمعادن سامة    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    بين مطرقة واشنطن وسندان الجزائر .. تونس أمام اختبار السيادة    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مغرب الحضارة : نداء من أجل المستقبل … شبابنا كنز المملكة ومستقبلها    فوربس: المغرب يضع لبنات مونديال 2030 بإشراف ملكي وتخطيط شامل    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    احتجاجات بالمزونة التونسية تنديدا بمصرع 3 تلاميذ وبتهميش المدينة    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    إيقاف السباح التونسي أحمد الحفناوي 21 شهرا بسبب انتهاكات لقواعد المنشطات    بطولة ألمانيا.. دورتموند المحبط يسعى الى بطاقة دوري الابطال    وضع المعايير لملء استمارة الإحصاء لأداء الخدمة العسكرية برسم فوج المجندين لسنة 2025    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    دي ميستورا يستشعر نهاية "المينورسو" .. ضغوط مالية وتغيرات دولية    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    بعد ستة أشهر من الغياب.. الصحفي حمزة رويجع يكشف الحقيقة بشجاعة: نعم، أصبت باضطراب ثنائي القطب    ندوة وطنية تتدارس تجربة محمد الشيخي في رؤيا وتشكيل الشعر المغربي    الاعتداء على أستاذ يسلب حرية تلميذ    عاجل | هزة أرضية قوية تُثير الهلع بمراكش وتامنصورت    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    الأبيض ‬والأسود ‬من ‬تقرير ‬دي ‬ميستورا (2)    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    









مليكة اوفقير : صفيت حساباتي مع الحسن الثاني
نشر في هسبريس يوم 26 - 02 - 2007

لا تجد مليكة أوفقير الآن إلا الكتابة لتحقيق حريتها أو هروبها الكبير إلى عالم أكثر رحابة. تقول مليكة إنها عندما خرجت من السجن اكتشفت أنها دخلت سجنا أكبر وأن الحياة معقدة أكثر مما تتخيل. في هذا الحوار، تتحدث مليكة، التي قضت في السجن 15 سنة رفقة عائلتها، زائد خمس سنوات أخرى تحت الإقامة الإجبارية بسبب اتهام والدها بالتخطيط لانقلاب 1972، عن رغبتها في العودة إلى المغرب وعن ذكرياتها الجميلة داخل القصر الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وعن ذكرياتها الحزينة في غياهب السجن. تعيش مليكة حاليا رفقة زوجها إريك بوردروي وابنهما "آدم" الذي تبنياه من دار أطفال أيتام ومتخلى عنهم توجد في مراكش. ""
هل تفكرين في العودة إلى المغرب؟
بالطبع أريد العودة والاستقرار في بلدي، لكن حاليا أركز على الترويج لكتابي الجديد "الغريبة". لدي الآن ارتباطات عملية في أمريكا، ثم بعد ذلك سأبحث مع زوجي إمكانية مجيئه معي إلى المغرب واحتمالات إيجاد عمل له. يعني أن القرار لن يكون سهلا في النهاية.
هل اتصلت بمسؤولين في المغرب وطرحت معهم أمر العودة؟
لا.
ألا تفكرين في الاتصال ببعضهم؟
لم يخطر ببالي ذلك، كما أني لا أعرف بمن أتصل.
ألم تحاولي اللقاء بالملك محمد السادس؟
ليست المشكلة في أن أحاول لكن المشكلة في أن تنجح المحاولة.
هل تقصدين بأن لديك رغبة في لقاء الملك؟
طبعا.
هل كتبت رسائل تطلبين فيها لقاءه؟
لا، ويمكن أن أفعل ذلك قريبا.
إلى متى تعود آخر مرة التقيت فيها الملك؟
إلى عام 1991، أي قبل حوالي 15 سنة، وهي مدة طويلة جدا.
هل كان ذلك اللقاء مبرمجا أم كان بالصدفة؟
اتصلت أنا وأخي رؤوف بفاضل بنيعيش وطلبنا منه أن يوصل إلى ولي العهد آنذاك بأننا نريد أن نلتقيه، ولم نتأخر في التوصل بالجواب.
كيف كان اللقاء؟
كان حميميا، وذوبت الكثير من المسافات.
قلت في أحد حواراتك إن الأحزاب اليسارية والوطنية تخلت عنكم؟
كنت أقصد أنها تخلت عن دورها في الدفاع عن حقوق المظلومين. ما ذنبنا نحن إذا كان أبونا متورطا بالفعل؟. أخبرنا جدنا، رحمه الله، أنه اتصل حينما كنا في السجن بعدة قيادات في أحزاب يسارية ووطنية والتمس منهم طرح موضوعنا، فردوا عليه بالقول: إن أوفقير لم يكن على ود معنا، لذلك لا يمكن أن نساعد أبناءه. > ما هي أسماء تلك القيادات؟ لن أكشف عن أي اسم، لأني أعتبر ذلك من الماضي. لكن أستغرب أن تلك الأحزاب لم تتعامل مع قضيتنا بشكل إنساني على الأقل، فهي إذا كانت تختلف مع والدي سياسيا أو إذا كانت تعتبره عدوها، فذلك شأن يهمهم. أبي أدى الثمن بعمره إذا كان متورطا في شيء، لكن أقول إن موقف قيادات الأحزاب اليسارية لم يكن موقف "الرجال"، كما أن بعض الحقوقيين لم يكن لهم الحق القول إن ما وقع لنا وقع لأننا أبناء أوفقير.
لماذا تركزين فقط على الأحزاب اليسارية؟
لأنها لم تتعامل مع قضيتنا بما تستحق من تعامل إنساني على الأقل.
هل يعني ذلك أن الأحزاب اليمينية الموجودة في ذلك الوقت امتلكت الشجاعة لطرح قضيتكم؟
لا أعلم كيف تصرفت، لكن في علمي أن المحجوبي أحرضان وعبدالكريم الخطيب طرحا الموضوع أمام الملك الراحل الحسن الثاني. ما يحز في النفس أن قيادات يسارية رفضت التعامل مع قضيتنا بشكل إنساني، وبررت ما عانيناه بكوننا أبناء أوفقير فقط.
في كتابك الجديد هناك أيضا تحامل على البورجوازية المغربية التي كنتم تنتمون إليها؟
ليس تحاملا، وإنما إشارات فقط إلى تخليها عن مساندتنا. وهناك البعض حاول الاتصال بنا أو زيارتنا بعد خروجنا من السجن ووضعنا تحت الحراسة، لكن أُخبر فيما بعد بعدم الاتصال بنا، وسمعنا بأن إدريس البصري وعلابوش فعلا ما بإمكانهما لمنع الناس من الاتصال بنا. بل الأكثر من ذلك أن أختَيَ حصلتا على عمل، لكن بعد 48 ساعة أُشعِرتا بأنه لم يعد مرغوبا فيهما بتبرير وحيد أنهما يحملان اسم أوفقير. الكل كان خائفا، ومن لم يكن في عهد الحسن الثاني خائفا؟.
هل سبق أن التقيتم بالبشير بنبركة ابن المهدي بنبركة والذي يُتَهَم والدكم بلعب الدور الأكبر في اختطافه واغتياله؟
أنا لم ألتقه، لكن التقاه أخي رؤوف رفقة أختي نوال.
يقال إنكم تتبرمون في أحاديث خاصة من الدين الإسلامي بسبب ما عشتموه؟
من يقول ذلك؟ أنا مسلمة ومعتزة بديني.
هل صحيح أن السلطات اتصلت بكم غداة نشر كتاب جيل بيرو "صديقنا الملك" للتنديد بما جاء فيه؟
بالفعل، لقد كنا حينها معتقلين في مراكش، وجاءنا علابوش رفقة شخص اسمه بوعبيد.
وهل كتبتم ما يندد بكتاب بيرو؟
جاءانا بعريضة وطلبا منا التوقيع عليها، وكانت تحمل توقيعات عدد من الأسماء.
وهل وعداكم بشيء مقابل التوقيع على العريضة؟
أبدا، بل طلبا منا التوقيع بالترهيب والتهديد. السلطة في ذلك الوقت لم تكن تتعامل بمنطق آخر غير ذلك.
وهل وقعتم؟
لا.
قيل بأن والدتك تملك أسرار دولة، لذلك اعتقلت العائلة كلها، هل ذلك صحيح؟
أولا، هذا السؤال يجب أن يطرح على الوالدة. ثانيا، ومن حيث المنطق إذا كانت الوالدة تملك بالفعل أسرار دولة لكانت اختارت أن تحمي أبناءها وتحول دون اعتقالهم لمدة عشرين سنة.
كيف كنتم تعيشون داخل السجن؟
كما يعيش كل المعتقلين السياسيين، لكن نحن لم نكن معتقلين سياسيين، كنا أطفالا فقط، وهكذا تكبر معاناتنا. لقد فرقونا على زنازين طيلة ثماني سنوات، لم نر فيها الشمس ولا السماء، لم نر أبدا طبيبا.
ماذا كنتم تأكلون؟
ما كانوا يقدموه لنا، وكانوا هم يضعون كمامات على أفواههم وأنوفهم حتى لا يشموا نتانة ما كانوا يأتون به والذي يكون قد نال منه الدود.
هل سبق أن خضتم إضرابا عن الطعام؟
نعم.
كم استغرقت مدته؟
47 يوما.
وماذا كان رد السلطات؟
جاءنا الضابط الذي كان مسؤولا عن المعتقل بعد عشرين يوما، وقال لي إنه يحملني مسؤولية ما يمكن أن يقع، وأخبرني بأنه تلقى تعليمات من الرباط تفيد دفن أول من يموت منا في هذا المكان.
وهل تحسن الأكل فيما بعد؟
نسبيا، لكن عاد كما كان في البداية.
هل ما زلت تذكرين ملامح سجانيكم؟ طبعا. > هل كانوا يضربونكم؟
أنا لا ألوم أولئك الذين كانوا يتلقوا الأوامر بضربنا وترهيبنا.
وهل كان بينهم رجال طيبون؟
نعم، وكم منهم من قال من بين أسنانه: "اللهم إن هذا منكر. أنا منذ أن أصبحت مكلفا بحراستكم، لم أعد أذوق طعم النوم، ولا أستطيع مواجهة أبنائي". أنا لا ألوم هؤلاء الذين لم يكن بمقدورهم مساعدتنا، أغلبهم يتحمل مسؤولية إعالة عشرة أفراد. أنا ألوم أولئك الذين كانوا يعيشون في الرفاهية واشتغلوا مع أوفقير، "ولله في سبيل الله، داروا فينا العار".
هل تذكرين أنكم ضحكتم مرة داخل المعتقل؟
ضحكنا مرات كثيرة، ولولا الضحك لما خرجنا سالمين من ذلك. وأحيانا نتذكر تلك المأساة بالصور المضحكة فقط. لقد كتبت في كتابي الجديد " كيف لي أن أنسى محاولات الانتحار وملامسات السكّيرين الذين لطالما اعتبرونا لحماً طرياً، وأوقات الانهيار وتعدّي الجنود علينا بوحشية مطلقة؟ فهل صمدنا لأننا عائلة أو لأننا حافظنا على الروح المرحة وسط هذا الرعب؟ فلا شكّ في أنّ الأمل وحده هو الذي ساعدنا على الصمود".
هل تذكرين حالة ما جعلتكم تضحكون جماعة؟
الكثير من الحكايات. أذكر مثلا، أني خبأت مسجلة في حقيبتي، لكن حين سمعنا أنهم سيأخذون كل شيء يمكن أن يربط اتصالنا بالخارج، كسرتها واحتفظت بأبواقها، كنا نضعها بين فخدينا تحت سراويل فصلتها والدتي من أغشية الأرائك التقليدية، وكنا نربط تلك الأبواق بأسلاك معدنية للاتصال فيما بيننا، لكن أخي رؤوف الموجود في زنزانة أخرى كان يطلق صفيرا خفيفا عندما يتعذر سماعنا. وحدث ذات يوم أن سأله الحراس عن السر في إطلاق ذلك الصفير، فأخبرهم بأن الفئران تزعجه في الليل فيصفر لإبعادها. وعند خروج الحراس من زنزانة رؤوف سمعناهم يقولون هذه فكرة جيدة لإبعاد الفئران، فأصبحنا بين الحين والآخر نسمعهم يطلقون الصفير في الليل.
ما هو الشيء الإيجابي الذي خرجتم به من معاناتكم؟
ما علمتني تلك التجربة أنها سمحت لي بملاقاة نفسي ولأعرف من أكون، وأيضا سمحت لي بتقدير الإيمان الذي لا يمكن أن تصل إليه إلا بعد المرور من مرحلة الشك. علمتني التجربة أيضا أن أكون متسامحة، وأحمد الله يوميا أنه أبعد عني الكراهية.
ما هو إحساسك اتجاه الحسن الثاني بعد رحيله؟
أعتقد بأني صفيت حسابي مع نفسي أولا ومع الحسن الثاني ثانيا. لقد تمكنت من التخلص من الابنة التي كنتها في نظره، واليوم أنظر إليه كإنسان وكرجل دولة، وليس كالأب الذي كان. لقد أصبت بإحباط عندما اكتشفت أنه لم يكن في مستوى كونه ملكا. الملك لا يجب أن يسقط في الكراهية. ليس دوره ذلك. في يوم واحد مات أبي الحقيقي، والأب الثاني الذي رباني قتل أبي واعتدى على عائلتي.
هل كنت تتصرفين داخل القصر بالفعل كابنة الملك؟
كانت علاقتي به كعلاقة ابنة مع أبيها، كان يناديني ب"العفريتة"، وحين كان يسمع ضجيجا في القصر، كان يقول: لن تكون إلا تلك "العفريتة".
هل تذكرين مرة ضربك؟
مرة واحدة صفعني، رأيت خلالها "النجوم". كان يتشدد في أن نتحدث داخل القصر بالعربية، وكان مرارا ما ينبهني إلى أن لا أتحدث بالفرنسية التي كنت أتقنها جيدا وأجد صعوبة في الحديث بالعربية، إلى حد أن أساتذتي في المدرسة المولوية كتبوا ملاحظات يستغربون فيها ذلك، ويتساءلون إن كنت مغربية.
وهل كنت تتلقين منه الهدايا باستمرار؟
لا أذكر، الهدية الوحيدة التي تلقيتها وما أزال أحافظ عليها برغم ما سرقوا منا، هو "الحزام الذهبي (مضمة)" الذي أهداني إياه محمد الخامس في عيد ميلادي السادس، كنت أفكر في منحه لأختي نوال، لكن الآن قررت أن أحافظ عليه، وسأهدي أختي شيئا آخر.
بكم تقدرين قيمته المالية؟
لا تهمني قيمته المالية. ما يهمني فقط هو رمزيته.
كيف كانت علاقتك بمحمد السادس حين كان وليا للعهد داخل القصر، وهل كنتم تلتقون يوميا؟
نعم كنا نلتقي يوميا.
وهل كان يتصرف كملك مقبل؟
لا، أبدا، كان متواضعا جدا، وسبحان الله لم يخطئ تقديري فيه، داخل السجن كنت أتصور أن الكل سيتغير، لكن كنت أتصور أن محمد السادس سيظل كما كان.
بماذا كان يتميز لما كان طفلا؟
كان دائما يركن بعيدا، ويكتفي بالمشاهدة والاستماع ولا يتكلم كثيرا.
ما هي أمنيتك الكبيرة؟
هي أن يستطيع المغرب أن يتصالح بالفعل مع ماضيه وأن يتطلع إلى المستقبل. وأن ينظر المغاربة إلى كل الضحايا الذين عانوا كثيرا كأفراد قادرين على إضافة قيم جديدة للمغرب، لأن لدينا أشياء يمكن أن نقولها، وأشياء يمكن أن نفعلها. وفيما يخصنا، أتمنى أن نتلقى ما يمكن أن يعوضنا على ما عشاه من معاناة وحرمان.<
مقتطفات من كتاب "الغريبة"
الحشرات والجرذان والعقارب [...] رويت في كتاب "السجينة" عن أيام السجن التي عشناها: كان جميع أصدقائنا يعرفون أننا تحت المراقبة ولكن يظنّون أنهم يدللوننا، فماذا لو عرفوا أنّ الحشرات كانت تلتهم أرجلنا الى أن تنزف، والفئران تسرق طعامنا القليل والجرذان تجري على أعضائنا، ولا أنسى الضجّة المصمّة التي تحدثها العقارب والجراد. كنت سجينة حيّة. عشت فترة طويلة في حبس وهمي، منعزلة، منهارة ومذعورة. فبعكس الآخرين، كنت أشعر بأن الوقت يمرّ ببطء، والدقائق طويلة ومخيفة. ولولا حيازتنا جهاز راديو نخفيه عند التفتيش، لما كنّا على اطّلاع بأخبار العالم. وازداد كرهي للمستبدّين الذين حرمونا أيام شبابنا الثمينة أكثر عندما حفرنا نفقاً بأيدينا واكتشفت الشمس والسيارات والناس وجمال بلدي. كنّا كائنات فضائية، أو من سكان المريخ المنفيين الى الأرض. وفي ما يخصّني، هذا يفسّر الكثير من الأمور، إذ بقيت من سكان المريخ لوقت طويل. بعد تملّصنا من الإعلام والصحافة، أصبحنا نشكّل مشكلة للملك، فمن المستحيل أن يتخلّص منّا كما أنّه من المستحيل أن يعيد لنا حريّتنا علناً. لذلك، منحَنا فيلا محاصرة بجدران عالية في بلدة تاغرا، القريبة من مراكش، ومكان اصطياف بورجوازيّي كازابلانكا المفضّل. فلم نبارح المنزل، وكنّا أحياناً نستيقظ ليلاً، مذعورين من أشباح الماضي، أو مثقلين بجوع شديد مفاجئ. بدأنا نحلم للتو! نحن مكبوتون عاطفياً وجنسياً لأنّ السجن جمّد رغباتنا. وجاءت الحرية، وإن كانت مؤقّتة، تحرّر مختلف غرائزنا، ليستملك على حبّنا 10 هرر و3 كلاب نقوم بتربيتها. فجأة، ومن دون إنذار مسبق، يقولون لنا: "أنتم أحرار! اخرجوا من المنزل!"، فهل هذا حلم؟ في 26 فبراير 1991، ارتديت قميص رجل وجينزاً وخرجت للمرّة الأولى بين الناس. ولكن للأسف، كان رجال الملك يقومون بمراقبتنا وتعقّبنا والتنصّت علينا لمدة 5 سنوات، ولا يشجّعون أصحاب الأعمال على منحنا وظيفة. حتى أنهم يستجوبون أصدقاءنا وأحبّاءنا وعشّاقنا. ما زلت أعيش في حبس، ولكنّه ببساطة أوسع، وعليّ أنا الاهتمام بنفسي. لم أعد أعرف كيف أتصرّف. يجب أن أتعلّم طريقة التصرّف من جديد إذ أجد صعوبة في فهم البشر وسرعة حياتهم أو بطئها. أجد صعوبة أيضاً في فهم عاداتهم، وفي العودة إلى التمتّع بالحياة ثانية. أصبحت السعادة كلمة محذوفة من قاموسي...
ولادتي من جديد
[...] بم أفادتني هذه الحرية؟ لمَ انتزعوني من سجني وليست لي رغبة في الحياة؟ جاء إريك يساعدني على الاندماج في الحياة مجدّداً، ويشجّعني على الخروج من الظلمة التي لطالما كرهتها. شجّعني إريك على التحدث إلى العالم عن الرعب الذي عاشته عائلة لمدة 20 سنة. كانت لديّ مهمة، أن أكتب مغامرة "السجينة". ولكن أولاً، عليّ التأقلم مع الحياة الطبيعية، أي الخروج من المنزل، الأكل، النوم والتقدم في الحياة خطوة تلو الأخرى. "ارتدي ملابسك مليكه، سنخرج للعشاء في مطعم". هل نسيت أن أذكر أن إريك يحبّ الأكل؟ أما أنا فما عدت أجد لذّة في الأكل.
الحرية بدأت تتعبني وترهقني
هل من المبكر أن أختلط بالناس أو أنني انفطرت إلى الأبد؟ عند انتهاء العشاء، تغلّب شعوري بالخوف على التعب. لمدة 20 عاماً، تناولت الطعام فقط من أجل البقاء على قيد الحياة وليس من أجل التحدّث والتسلية. خلال مدّة سجننا، كانت الفئران والجرذان هي التي تأكل عندما تشعر بالجوع وليس نحن. وفيما كان الناس يتسلّون بالمساومة على طبق الطعام، كان يحقّ لي وعائلتي بلتر واحد من الزيت شهريّاً وشمعة لكلّ منّا، و12 بيضة عفنة كلّ 15 يوماً شكّلت لمدة طويلة أفضل طبق طعام بالنسبة لي. عندما تزيّن وليمة البيض طعامنا كلّ 15 يوماً، كنت أجلس ليلاً لأزيل القشور الخضراء، فيتسرّب السائل الأسود منها، وتتصاعد رائحة نتنة تتلاشى شيئاً فشيئاً خلال الليل، لنتمكّن من تناول هذا البيض الذي لا يقدّم للكلاب خوفاً من أن تتسمّم. وأيضاً، كنت أبلّل بعض الخبز البائت وأضيف إليه مقداراً ضئيلاً من الحليب، السكر والزيت لأصنع ما يشبه الحلوى، فنلتهمها بشراهة.
وكم نفرح عند تنشّق رائحة القلي المنبثقة من الزنزانات، فهي تساوي كلّ الكركند الموجود في العالم. أمّا الخبز، فاعتدنا تنظيفه بدقّة للتخلّص من العفن وبراز الجرذان أو الفئران، إذ كنّا نخبئ مؤونتنا من الخبز تحت البلاط خوفاً من أن يجده الجنود عند التفتيش اليومي. فالمخبأ عبارة عن حفرة في الأرض تقضي الجرذان حاجتها فيها وتسابقنا على تناول الخبز حتى الشبع. وكذلك الخبز كان لونه أسود كالبيض، لذا أعتقد بأن ألوان الطعام الفاتحة هي عبارة عن الحرية. هذا هو متجرنا ومطبخنا الخاص حيث نطهو بمكوّناتنا الخاصة. واليوم، بعد مرور فترة على خروجي، ما زلت أغضب لرؤية الناس يرمون تلقائياً خلال محادثاتهم فتات الخبز في المنفضة.
عذراء في ال 40
دخل إلى حياتي الرجل الأول الذي أشعرني بأنوثتي بعد فترة قليلة من إطلاق سراحي. أنطونيو هو رجل ايطالي، يتمتّع بجمال طبيعي وبشرة شقراء وشعر مجعّد وله لحية صغيرة، فسحره لا يقاوم. انّه ممثل، التقيته خلال تصوير فيلم دعيت إليه مع شقيقتي ماريا. ما زلت أخاف من الناس ولكنني أبذل جهداً للتخلّص من مخاوفي. كذلك، أتردّد عندما يمسك أحد يدي برقّة. ولكن يد أنطونيو دافئة وأشعر بضغط قويّ عندما نشبك أيدينا ببعضها، فأشعر أنه يريد أن يغمرني بكلّ الحبّ الموجود في العالم. عرّفتني ماريا الى هذا الرجل الذي ما زال ينظر إلي بشغف حتى اليوم. أشعر بأنه قدري وينتظرني. أعرف أنها أحلام، فرغم أنني بلغت سنّ ال43، ما زال قلبي ينبض بروح المراهقات. فعيناه لا تكذبان، إذ يبدو مجنوناً بحبّي، فلا بدّ من وجود الحبّ من النظرة الأولى في الحياة الحقيقية وليس فقط في الكتب الخرافية. سحبني بهدوء نحو قاعة الطعام، ولكن عندما لاحظ امتناعي العفوي، أحضر كرسيين ووضعهما حول الطاولة في الخارج. جلسنا وظلّ نظره مسمّراً عليّ وكأنّه مفتون، فانسحبت ماريا عندئذ، وبقينا وحدنا خارج القاعة من دون التلفّظ بكلمة واحدة. وعندما ارتجفت من البرد، تناول الكنزة المصنوعة من الكشمير والموضوعة على كتفيه، ولفّني بها كما يلفّ الشال.
ثم وضع يديه على كتفي وراح يدلّكني بنعومة. كنت أتصرف كالبلهاء. فكيف لي أنا من أن أتمتّع بشيء من الخبرة وقصص الحب وأستطيع التحكّم بجسدي أكثر من شقيقاتي، أن أجلس معه صامتة كفتاة خجولة، مذعورة، تعجز عن تمييز الفرح من الخوف؟ ساعدني لأتمدّد على السرير وجلس إلى جانبي من دون أن يقوم بأيّ حركة.
فشعرت بالرعب وانطويت على نفسي. فركع قرب السرير وراح ينظر إلي مطوّلاً. فسألني: "من أنت؟ ومن أين جئت؟ تبدو التعاسة في عينيك". شعرت بانقباض ورحت أتنفّس وأشهق وأنتحب. بقي إلى جانبي حتى طلوع الفجر وأنا منكمشة به لا أكفّ عن البكاء. قرّرت في السجن أنّه عندما أصبح حرة، سأعاشر أول رجل يتودّد إلي لأحصل على ما أريد. ولكن اكتشفت أنّ الحياة معقّدة أكثر ممّا كنت أتخيّل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.