قال عبد الرحيم المنار اسليمي المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن المغرب لا يعيش حالة تنزيل الدستور بقدر ما يعيش ما سماها حرب الجميع ضد "الإسلاميين الجُدد" الممثلين في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، منبها في محاضرة ألقاها بمراكش نهاية الأسبوع المنصرم إلى ما اعتبرها مخاطر تعبئة النقابات والباطرونا ضد حكومة عبد الإله بنكيران، وما تنتجه الأحزاب السياسية في إشارة واضحة إلى حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، من قيادات وصفها بالشعبوية لمواجهة العدالة والتنمية، وهي قيادات يقول اسليمي شعبوية قادمة من النقابة أو الحزب، عكس نمط الشعبوية القائم على الدين الذي لم ينتبه إليه الحزبين المذكورين. وأكد اسليمي أن طريقة اشتغال الفاعلين السياسيين ونمط صراعاتهم تسير في اتجاه انتاج موجة جديدة من الاحتجاجات في المغرب، مبرزا أن الدولة نجحت في تعويم الجيل الأول من الاحتجاجات، لكن المخاطر لازالت موجودة، يوضح اسليمي متابعا أنه "مع انطلاق موجات الجيل الأول من الاحتجاجات استطاع المغرب ان يهرب أمامها نظرا لوعي الدولة ببعض الزوايا المجتمعية التي يمكن أن تُنتج المخاطر ونظرا للدراسات الغربية التي نبهت السلطة منذ سنة 2010 إلى الموجة الديمغرافية القادمة الحاملة لمطالب جديدة ذات صبغة اجتماعية"، واعتبر المحلل السياسي المذكور أن هذا ما يفسر سرعة الاستجابة من طرف السلطة السياسية لطلب الإصلاح الدستوري في خطاب 9 مارس، مضيفا أن قوة التعبئة التي قامت بها السلطة في لحظة اعداد الدستور، وسقف الآمال الذي ارتفع في نظره بدرجة كبيرة لدى الفئات الاجتماعية المختلفة، يمكن أن تتحول في أية لحظة إلى موجة ثانية من الاحتجاجات إذا لم يحس المغاربة أن هناك تغييرات مست حياتهم الشخصية بعد هذه المرحلة. وسجل أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في المحاضرة التي افتتح بها أعمال الدورة التاسعة للجامعة المواطِنة بمعهد الدراسات العليا للتدبير بمراكش، أن من ظل يسميهم طوال المحاضرة الإسلاميين الجدد، أسسوا منذ سنوات لطبقة متوسطة جديدة تتشكل من التجار وأرباب المهن الحرة ومهن الاقتصاد غير المهيكل لا تتأثر مباشرة بمطالب التقاعد أو تخفيض الأجور، وأن حكومتهم باتت تخاطب مباشرة الفئات الفقيرة وتتوجه إليها وهي ظاهرة جديدة حسب أستاذ العلوم السياسية المذكور، والذي تساءل "ما العمل غدا إذا عورض توجه بنكيران بأن يقدم دعما مباشرا لهذه الفئات"، مشيرا إلى وجود حالة من غياب التوازن بين الأغلبية والمعارضة لدرجة أن رئيس الحكومة يجدد مشروعيته في كل جلسة شهرية يحضر فيها امام البرلمان، قبل أن يخلص إلى أن المعارضة التي قال إنها ضعيفة وأن تنظيماتها غير قادرة على إنتاج نخب جديدة، تنظر إلى الحكومة من زاية نظر غير صحيحة. ولاحظ عبد الرحيم المنار اسليمي أن عددا من الفاعلين انشغلوا ب"ممارسة الحرب على الإسلاميين الجدد" ولم ينتبهوا إلى التحركات التي وقعت في أعماق المجتمع، وأنتجت في رأيه ظواهر جديدة حاملة لمجموعة من المخاطر القادمة، مستدلا على كلامه بمثال "فاطمة بائهة الهوى" المصابة بفيروس السيدا التي تهدد بنشره في قرى الأطلس، وبمثال السلفيين الذين خرجوا للاحتجاج بطرق مختلفة خلال السنتين الماضيتين واستعداد فوج كبير منهم "حوالي تسعين شخصا" للخروج من السجن بعد قضائهم لعشر سنوات من العقوبة، وهم يخرجون اليوم يقول اسليمي كدعاة بعد أن دخلوا السجن كأشخاص بمستوى ثقافي "دعوي جهادي " محدود، معتقدا أن الدولة لم تكن لها سياسة توقعية عن القادم عندما بدأت الاعتقال والمحاكمات انطلاقا من سنة 2003، متسائلا في السياق نفسه عن وظيفة المؤسسات الحقوقية الرسمية التي أنشأتها الدولة "التي لم تستطع قيادة حوارات داخل السجون". وانتهى اسليمي في ختام محاضرته التي حملت عنوان "مداخل لتحليل المشهد السياسي المغربي"، إلى أن تخوف الفاعلين المعارضين من نجاح تجربة "الإسلاميين الجدد"، سيجعل المغرب مفتوحا على كل الاحتمالات، من أخطرها إسقاط الحكومة، وعندها "لا أحد يمكنه أن يقول ما هو الوضع غدا في المغرب وأخطاء نخب المعارضة تقوي هذا الوضع" يؤكد المحاضر.