قال أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي المنار اسليمي إن الاحتجاجات التي عرفتها عدة مدن وقرى مغربية أخيرا ضد العمال تندرج في إطار جيل من أجيال الاحتجاج يمكن أن يسمى بظاهرة "الاحتجاج الترابي المحلي "وهي حسب المتحدث فعل موجه ضد العمال كرجال سلطة وممثلين للسلطة المركزية في الأقاليم والعمالات ، وهذا النوع من الاحتجاج هو ظاهرة جديدة انطلقت أول ملامحها منذ خمس سنوات مع أحداث صفرو في سنة 2007 التي كانت في جزء منها عبارة عن احتجاجات ضد الطريقة التي أدار بها العامل الاستجابة للمطالب المرفوعة أنداك. وأكد المنار اسليمي في حديث خصّ به "هسبريس" أن هذه الظاهرة تتوسع حاليا في مجموعة من مناطق المغرب، وأن الأمر تجاوز الاحتجاج الذي كانت تمارسه الأحزاب السياسية في مناسبات الإعلان عن النتائج الانتخابية، وأنه تجاوز صراع موازين القوى بين الفاعلين السياسيين وممثلي الإدارة الترابية وأصبح مرتبطا بالمقدرات التوزيعية للدولة، مبينا أن "الاحتجاج الترابي المحلي" ضد العمال ناتج عن خلل على مستوى مقدرات الدولة في توزيع الموارد المادية والرمزية. وأوضح اسليمي أن للظاهرة تفاسير كثيرة أجملها في أن مؤسسة العامل كرجل سلطة لازالت تعيش صراعا بين الشخصنة والمأسسة، وأن مركز القرار محليا لازال مرتبطا بشخص العامل في بعض المناطق الشيئ الذي يرى فيه المتحدث أنه يقود إلى فوارق كبيرة بين حجم المطالب الاجتماعية والاقتصادية المحلية مقارنة مع حجم تدخل مؤسسة العامل، وهذه الفوارق هي التي تقود إلى الاحتجاج كلما كان هناك بطء في إنتاج القرارات المحلية. أما التفسير الثاني الذي قدمه أستاذ العلوم السياسية المذكور فيلامس مؤسسة العامل التي قال إنها لازالت غير قادرة في مجموعة من المناطق على خلق نوع من التوازن بين التنموي والأمني، ضاربا المثل بما وقع لعامل سيدي بنور أخيرا، والذي أبرز اسليمي أن الأمر يتجاوز حدث الإعفاء إلى طريقة الاشتغال التي "يبدو انها كانت امنية اكثر منها تنموية"، مضيفا أن الأجيال المكونة للعمال كرجال سلطة مختلفة من حيث المسارات وهو ما يخلق فئة تنموية أكثر منها أمنية وفئة أخرى معكوسة تكون لها صعوبة في تدبير الاحتجاج الترابي المحلي بطريقة تنموية. التفسير الثالث الذي قدمه اسليمي للظاهرة التي أطلق عليها اسم "الاحتجاج الترابي المحلي" يرتبط بالعلاقة بين الظاهرة وبداية انهيار نظام الأعيان في المغرب، شارحا أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بقدر ما أدمجت العديد من الفئات المهمشة ،فانها أضعفت نظام الأعيان المحلي ولم تعد هناك وساطة اجتماعية واقتصادية بين مكونات الهوامش في بعض المدن والقرى المحتجة وبين العامل كممثل للسلطة المركزية في الاقليم ،بمعنى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يسترسل اسليمي جعلت البطء في الاستجابة للطلب على التنمية وتمويل مشاريع دخل أو تقديم مساعدات يتحول مباشرة الى احتجاج على العمال "خاصة وان بعض الإدارات المعنية داخل العمالات لازالت تشتغل بمعايير وأدوات قديمة تخلق الاحتجاج". وفي تفسير رابع للظاهرة المشار إليها، اعتبر المنار اسليمي أن ظاهرة النمو الديمغرافي في الهوامش مقابل ضعف آليات وساطة البرلمانيين والمستشارين الجماعيين، وقدرة بعض المنتخبين أمام وجود "إفراط في ممارسة الوصاية" من طرف بعض العمال كرجال للسلطة، في نقل الأزمة إلى العامل والعمالة على مستوى عدم إخراج المشاريع المحلية الى الوجود، جعل الاحتجاج المحلي ينتقل تدريجيا من أمام المجلس الجماعي إلى مقر العمالة وفي شكل جديد تقوده فئات جديدة تتمثل في النساء والشباب. وخلُص المحلل السياسي نفسه إلى أن الاحتجاجات التي عرفتها عدة مناطق من المغرب ضد العمال، ليست احتجاجات سياسية صرفة، وإنما كانت ناتجة عن الطلب على التنمية ومرتبطة باداء رجال السلطة والمنتخبين المحليين، منبها إلى أن الاحتجاجات المحلية لها مخاطر قادمة اذا لم يتغير مفهوم ممارسة السلطة محليا وإذا تم الاحتفاظ ب"بروفيلات قديمة" تستعمل الأمني أكثر من التنموي، والمخاطر متوقعة حسب اسليمي اذا لم يتم تنزيل القانون التنظيمي للجهوية بنوع من الحرفية يكون فيه مزيد من التفكيك للمقاربة "السلطوية" لفائدة المقاربة التنموية، موضحا أن التقسيم الجهوي المطروح في مشروع اللجنة الاستشارية للجهوية لا يستحضر متغير الاحتجاج الترابي المحلي خاصة وانه اعد في مرحلة لم يكن فيها هذا النوع من الاحتجاج له مخاطره كما هو واضح الآن، كما ان عودة نفس النخب المحلية في الانتخابات الجماعية المقبلة قد تقود الى مزيد من التوثر المحلي، يشرح المتحدث مبرزا أن فنظام الأعيان في طريق الانهيار ويجب البحث عن توازنات محلية اخرى تجنب مخاطر الالتقائية بين خط الاحتجاج الترابي المحلي الذي يحمل الطلب على التنمية وخط الاحتجاج الوطني الذي يحمل الطلب على محاربة الفساد وبعض المطالب السياسية التي قد يتم توطينها محليا.