الإرهاب الرمزي الذي يمارس ضدّ رأينا المخالف لمن قبلوا بوسام النعاج الذّهبي، هو إرهاب وقح ومقرف حدّ الغثيان.لأنّه يستبيحنا ظلما بافتعال بكائية التماسيح على الشعب السوري ، بينما الحقيقة أنّ غالبية الشعب السوري ترفض المؤامرة والتدخل وترفض أن تخضع لرغبة الجماعات المسلحة.العين البكّاءة على الشعب السوري هي نفسها العين التي جفت منابعها يوم كان صدّام " يقرمل" شعبه " عيني عينك"، بينما المطالبون اليوم بالتدخل الدولي في سوريا هم أنفسهم من نعتوا الشعب العراقي بالخيانة كما نعتوا المعارضة بالعميلة للأمريكان. هل مفروض علينا أن نصدّق هذه البكائية الفصامية والتشقلب المواقفي؟! الإرهابيون يصفون كل موقف لا يلائم غرائزهم ووجهة نظرهم بأنّه موقف غير وطني .الكلام عن الوطنية عندنا مقرف حينما يجابهك به أولاد الخونة والمحميين. لأنّ لا خوف على الأوطان إلاّ من هؤلاء المدلّسين الذين يكثرون من الحديث عن الوطنية بينما في أوّل فرصة تسنح لهم يمدون أيديهم للخارج. لا يحتاج الوطنيون الحقيقيون إلى هذا الموّال الوطني الخادع. فالمواطنة موقف. والموقف يظهر في الملمّات.ومهما وقع علينا من قهر فإنّنا نرفض أن نزايد به على الأوطان. فلظلم في الأوطان وإن بدا أشد مضاضة لأحب إلينا من لجوء بائس في بلاد بني الأصفر أو أي "حتة" أخرى. معكم معكم أيها الإرهابيون لم نترك الوطن لأبناء المحميين والخونة.وهكذا اصطفّ الطابور الوهّابي في صعيد واحد، بعد أن قاموا بلفّة على اليمين ثم على الشّمال، ثم رحاااا، ليقولوا لنا: علم بلادي أحمر. قلنا لهم : لقد عرفناه أحمر. ثم فكروا وقدروا فقالوا: حب الأوطان ، من الإيمان. قلنا لهم : لقد عرفناها. ثم عادوا وبصوت منافق يتهجون: منبت الأحرار...قلنا لهم: حفظناها. ستكون مصيبتك حينما ينازعك أولاد الملاّ عمر بالوطنية هم الذين يفكرون في الإمارات الملتحية وتخريب الأوطان وتهديد الاستقرار. بل عجبا أن يحدّثك هذا الرهط الظلامي في الثوابت المغربية كما لو كان كاتب هذه السطور، خمّاسا في مزرعة أبيهم، وليس مواطنا يملك أن يرميهم بحجر على طريقة المغاربة أنفسهم حينما يجن جنونهم. أجل، لقد حفظنا كل هذا الموّال، فماذا بقي لأولاد الخونة من دروس في الوطنية؟ ولكن ما حيلتنا إن كان كاري حنكه البر إلكتروني لا ينتهي ما بقيت الضّحالة؟ وما هم في الحقيقة إلا إعادة توزيع لنشاز الكائنات نفسها، بوزبال وقرقيبة مع الفارق أن تلك كائنات واضحة وشجاعة وصادقة، لكن كاري حنكه الإلكتروني جبان و" يعطي الصبع" من تحت الجلباب، بوزبال الملتحي. ولقد تأكّد أنّ الطيف الإشلامي عندنا كما في سائر البلدان العربية له حكاية مع الأجنبي يندى لها جبين الوطنية. وما نقمنا على هذا النّهج البدعي إلاّ لرسوخ النزعة الحمائية لدى هذا الرّهط وتطلّعه للتّدخّل الأجنبي في الأوطان. الوطن ليس موّالا في رأس مدلّس أو أحمق، الوطن التزام وعهد وعقد ومسؤولية ومروءة وشهامة ووفاء وكل هذه قيم ليس لها قرار مكين في نهج الإشلاموية الجديدة. بل حتى مراجعاتهم ليست سوى شقلبة تدليسية وتدويخية ، تؤكّد أننا أمام تراجعات عن أفكار لم تكن تؤمن بها أصلا، أو أنها تخلت عنها بموجب طلاق رجعي. آخر من يتحدث ويزايد بالوطنية هم الإشلاميون المجبولين على خيانة الأوطان والتفريط في السيادة والهرولة إلى الأجنبي. ولن نردد موّال الوطنية ونزايد به تزلّفا وتهتّكا وكذبا ونفاقا. على من يعيش الخواء الوطني أن يعوّض بالموّال. فهذا هو الكوجيتو النكد للإرهاب الفكري: أنت تخالفني التفكير، إذن أنت مأجور وعميل وغير وطني. بينما لا شيء يمكن أن يربحه كاتب يدافع عن سوريا اليوم. بل العكس هو الأسلم لمن يهوى غير ذات الشّوكة. فالحشر مع النعاج ربما قد يبدو للبعض أسلم إن لم نقل مربح. ذلك لأنّ البترودولار اليوم يتدفّق على كلّ من يساهم في المعركة ضدّ سوريا ولو على سبيل " حشر مع النّاس ، عيد". فالأكل مع خصوم سوريا أدسم. ويمكنك أن تكتشف ذلك من خلال مواقف الجبناء الإشلاميين وجب الرجوع إلى مقالاتنا السابقة للتمييز بين الإسلامي والاشلامي التي وجدت نفسها بمثابة "دولّي" المدلّلة في مزرعة النعاج العربية. الفرق هنا هو أنّ هذه النحلة الإشلامية تستطيع بخداعها المزمن لنفسها ولله وللتاريخ أن تضفي عنوان المرجعية الإسلامية على كل فكرة وموقف يروقها ولو كان موقفا نعاجيا. ويبقى الفارق هنا بين النعاج المؤسلمة ومزرعة الحيوانات لأورويل بون شاسع في الرؤية والمذاق والشجاعة. إنّ أكبر إشلاميي الربيع الأعرابي لا يملك شجاعة غراب مزرعة الحيوانات لأورويل. فهذا الغراب قاد على الأقل ثورة ضدّ ظلم الإنسان للحيوان بينما قادة الإخوان وسلالتهم في الوطن العربي عجزت أن تقود ثورة ضد ظلم الإنسان للإنسان. فأسلمة حركة النعاج اليوم قائمة على قدم وساق. أمّا المبدئية هنا، فهي لغو ومغالطة. ليس فقط لأنّ المبدئية تتطلب ممانعة الأسد لا اعتدال النعجة فحسب، بل لأنّ الواقع ينطق بحقائق أخرى. قطيع النّعاج يركض باتجاه الأسد. فالّزعيق اليومي بسقوط سوريا لا ينطلق من وجدان وضمير سياسي كما تمطرنا وسائل إعلام النعاج الأعرابية.بل ينطلق من حسابات جيوسياسية تنفذّها النعاج العربية على طريقة " كونكر" جاك بريفين، الذي يمحوا كل شيء أمامه: الأرقام والحروف.. يقول نعم لما يهوى ، يقول لا للمعلّم. هل تتذكّرون كيف تنكّر أوردوغان للثوار الليبيين حينما رفض تدخل الناتو لأسباب تتعلّق بمصلحته الانتخابوية.ثم سرعان ما التحق بالرّكب فوجد القطار فاته، فحاول أن يتدارك خطيئته مع الناتو في موضوع سوريا ، حيث فجأة أصبح يتحدث لغة فولتير في سوريا ويطالب الناتو بالتدخل في المسألة السورية؟ هنا اتضح بأن أوردوغان لا يؤمن بالديمقراطية مبدئيا وإنما هو ناطور سلجوقي بائس على بوّابة الناتو، يلتقط الفرص ويحبّ المسرح. ولقد كتب على هذه الفصيلة من الإشلاميين المهزومين أن تمارس ضروبا مبتكرة من الجهاد. فإذا كان عندنا من احترف الجهاد بالمراسلة ، فإنّ أوردوغان فضّل احتراف الجهاد المسرحي؛ لسانه مع فلسطين وسياسته مع الناتو وإسرائيل. نتحدّث هنا عن العرب النعاج كما نتحدث عن أقسام وطبقات العرب، كالعاربة والمستعربة والناعجة والمستنعجة. لكن هذا لا يعني أنّ كل العرب هم نعاج كما قال كبيرهم وأقرّه كل من له في طبائع "الانعجان" نصيب.إنّ ما يجري اليوم في المنطقة هو صراع كبير أكبر من النعاج وحتى أكبر من الجمال العربية وحتى أكبر من الناطور السلجوقي. لأن هذه الجمال لم تجرب يوما أن امتلكت رؤية جيوستراتيجية بعيدا من سياسويتها الريعية. ماكينة إسقاط النّظم بكيدية لم يعد أمرا مستساغا. وهو لا يخدم إلاّ أجندة معروفة بالمكشوف وليس بالمرموز.لم يعد ينفع في المسألة السورية النّقاش المنطقي. فالمنطقة تعيش على سبيل استرجاع الصّورة التي جندت لها الرجعية العربية كلّ إمكاناتها الهائلة لمواجهة خيار الممانعة الذي رفعته سوريا في وجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية. إنها الصورة التي رسمتها دعاية الإخوان المسلمين السوريين والمنشقين عنهم كالطلائع الإسلامية والمقاتلة التي عملت خلال سنوات وفي المنفى وبدعم سخي من بعض الدّول الخليجية على تكريس شيطنة النظام السوري إلى درجة تفوق الخيال.واليوم عادت الصورة التبشيعية عنوانا لحرب قذرة على سوريا تستهدف مكتسباتها الجيوستراتيجية، ولا علاقة لذلك بقضية الديمقراطية في سوريا. فلقد أيّد النظام السوري نفسه الثورة في تونس ومصر وصفق لها واعتبرها مكسبا قوميا في الوقت الذي وقفت دول أخرى ترعى اليوم زوبعة الربيع العربي الثورتين معا. لا قيمة لأن يقال هل الربيع العربي مقبول هنا وغير مقبول هناك، لأنّ هذه الحجة تنطبق على خصوم سوريا اليوم، الذين تجنّدوا للحرب ضد سوريا فيما كفروا بالربيع العربي في بلدان الخليج. ولا أدلّ على ذلك أنّ صوت الاحتجاجات السلمية في البحرين لم تنل أدنى اهتمام من تلفزيون الجزيرة أو العربية أو منابر الكومبارس العربي الذي يكيف خطبته السياسية مع النّص الأصلي المنجز في المختبر القطري. فالسوريون وحلفاءهم يخوضون معركة هي أسمى من معميات الشعارات البراقة التي تستغل الدم السوري في تمرير مشروع التّمكين للناتو في منطقة تعيش على حساسية الممانعة والمقاومة لمشروع الشّرق الأوسط الجديد والكبير. وهم لهذا تحديدا لن يسمحوا للناتو وأدواته الإقليمية أن يتمكّنوا من سوريا ولو تطلّب الأمر حربا عالمية ثالثة. وهنا مكمن الخطورة. فلا شكّ في أنّنا حينما ندين المظاهر المسلحة التي تقوم بالتخريب للمنشآت الوطنية وتستهدف المدنيين في سوريا لا نتحدّث عن الشعب السوري الأبيّ الذي يستحقّ أن يعيش في بلد ديمقراطي وتنموي ويتمتّع بسائر حقوقه. وهذه عملية يكفلها الإصلاح حينما يصبح إرادة سياسية للدّولة وقضية ملحّة للشعب. لكنّنا نعني بالنقد هنا المجموعات التي تحمل ضغائن قديمة للنظام انطلاقا من خلفيات وحساسيات لا صلة لها بالديمقراطية. فالإخوان المسلمون يصورون اليوم صراعهم القديم مع النظام السوري بنوع من الخداع كما لو أن مطلبهم القديم هو الديمقراطية وليس الخلافة بالمعنى الذي كان شائعا يومها. لقد كان العنف متبادلا بين المجموعات المسلحة يومها وبين الدولة. وهكذا كذبوا على الرأي العام على امتداد عامين لتكون النتيجة أنّ أنشط الحركات المسلّحة في سوريا هي النصرة التي تتّصل تنظيميا بإمارة الدولة الإسلامية في العراق؛ التنظيم الذي أسسه ونظّر له الزرقاوي. حسب التحقيق الذي قام به مركز كويليام البريطاني. الصورة المسوقة عبر الفضائيات العربية شحنت الأدمغة وغسلتها. وليس أكثر من الصّورة لأنّها هي التي تضخّمت في المشهد وابتلعت الكلام. والصورة بخلاف الكلمة كمال يرى دوبريه تهدف إلى التنويم. فهي ضدّ الوعي واليقظة والصّحو. وهذه هي لعبة أكثر القنوات الرجعية التي تعيش على سبيل الفصام الإعلامي النكد. إعلام للخارج وإعلام للداخل. وهو في النهاية إعلام يستند إلى الخداع الصّوري وتدجين الرّأي العام ونعججته. فالعالم العربي يعيش لحظة تاريخية من الانحطاط. ذلك لأنّه فقد رشده منذ سلّم قيادته للرجعية العربية. الخاسرون إذن هم أولئك الذين رفضوا الاستجابة للمصالحة الوطنية واستمروا على رهانهم الخاسر على الأجنبي. فسوريا وبكلّ وضوح لن تسقط. فالأمر في سوريا لا يزال مقدور عليه ولا يقتضي تدخّلا حقيقيا من قبل حلفاء سوريا. لكن وهذا ما وعته واشنطن إذا ما تجاوز الأمر الخطوط الحمراء، فلا بدّ أن يصبح هذا التدخل المساند لسوريا من قبل حلفائها كاسحا مدمّرا ينذر بحرب عالمية ثالثة. إنّ روسياوإيران والصين والعراق وقوى المقاومة وفلسطين ستتحوّل إلى بركان وسيمتدّ ذلك إلى الخليج وإلى أبعد من ذلك. الراعي الأمريكي فطن لهذا فسحب عصاه على استحياء، فيما قطيع النعاج يسير نحو حتفه باتجاه الأسد. هل تصوّر أحد السيناريوهات الممكنة فيما لو حصل تدخّل عسكري في سوريا؟ لا أحد فعل ذلك تحت تأثير سكر الرغبة الجامحة لإسقاط نظام بشار الأسد. لكن دعي أقول ما هي تلك السناريوهات. روسيا ستؤمن لسوريا جسرا جوّيا وبحريا وبرّيا لضخّها بحاجياتها من السلاح وتحقيق توازن استراتيجي أكبر مع إسرائيل. فالحرب هناك ذات أبعاد كونية وتوازنية. والصناع ستفعل ذلك. والنقاش في مجلس الأمن سوف يواجه إلى يوم يبعثون بالفيتو الروسي والصيني لإبطال أي محاولة لشرعنة التدخل. إيران بدورها ستضع كل ثقلها العسكري في تلك الحرب. وحينئذ ستضخّ على العراق إمكانيات لتعزيز جبهة الممانعة. أنت الآن في مواجهة روسيا والصين وإيران والعراق. في لبنان تجتاح المقاومة لبنان وتهيمن على القرار اللبناني كحالة استثناء تفرضها الحرب الشاملة وحماية المقاومة، يعني القيام بسبعة إيار موسّع. أمام هذه المعركة التي ستستدرج لها إسرائيل ستخرج الجماهير العربية من سروال النعاج العربية لتعلن التّمرد. كل هذا نعلمه لهذا نقول : كفى. والحق أن قول كفى هو من باب النّصح ، وإلاّ فللممانعة رصيدها من تجارب إحباط المؤامرات. ولا فائدة هنا من تجريب المجرّب. وتستمر مفارقات المعارضة السورية في الخارج، لا سيما حينما يطالبون الناتو بالتّدخّل وتصبح أمريكا نصيرا للشعب السوري وعندها ضمير إنساني، لكن حينما تعجز عن التدخل وتمكينهم من الدولة كعملاء لها، يبدأ هجاء الموقف الأمريكي. فأمريكا " مو زينة " فقط حينما لا تغزو سوريا وتسلمهم مفاتيح إقامة الإمارات والكانتونات الطائفية والعشائرية والعرقية على أنقاض دولة محقت ثقافة الطائفية في نظامها التربوي وكذا في ثقافتها السياسية. ففي سوريا تتألف الحكومة من كل الطيف السوري وليس للعلويين حضورا في الوزارات، بينما في حكومة أوردوغان الديمقراطية لن تجد وزيرا علويا واحدا مثلا.إنّ الإصرار على الإرهاب والقتل لن ينتج سوى التخريب وتهديد حياة المدنيين. وهو لن يسقط دولة ونظاما. بينما طريق المصالحة هو وحده الطريق الممكن والواقعي. فالذي يريد حقن دماء السوريين ليس أمامه سوى الحديث عن المصالحة والحوار الوطني. لأنّ الأسد لن يسلّم سوريا للنّصرة. ولأنّ الأسد يوجد ضمن معادلة لن تسمح بانتصار لعبة الأمم في سوريا.وبأنّ الإرهاب ملّة واحدة، والعمالة للأجنبي ملّة واحدة. فالذي تعوّد على موّال التّدخّل الأجنبي سيفعل ذلك آجلا أم آجلا لتدمير بلده.ومن يحرض لتصدير طلاّب الحور العين إلى سوريا اليوم سيفعل ذلك في كل بلد آخر. والذي يلتقي مع النصرة والقاعدة في سوريا سيلتقي معها هنا في بلده. الوطنية حكاية جديدة جدّا على المتطرفين. ولا تدليس في الوطنية. بل التدليس في الوطنية دجل. ولن نتزلّف تزلّف الأوغاد. وأخيرا وليس آخرا لا بد من القول،أن لحيتي لا تشبه لحية بوزبال الإشلامي.