بعد أيام ستنتهي مدة صلاحية بطاقة تعريفي الوطنية . يا لها من مصيبة سوداء ! سأكون مجبرا على الذهاب مرة أخرى عند المخزن في إدارته ، وسيكون مفروضا علي التعامل مع أشخاص أغلبهم بلا ضمير ، بدءا من مقدم الحي الذي أقطنه ، مرورا بموظف المقاطعة ورئيسها ، وصولا إلى الضابط الذي سأدفع له الملف بعد جمع الوثائق اللازمة . "" معظم هؤلاء مرتشون ، ويستحيل أن يضعوا توقيعهم التافه على أي وثيقة إذا لم تدفع لهم مقابلا لذلك ، لكني لن أفعل ، سوف أسعى إلى الحصول على بطاقتي دون أن أدفع أي مبلغ إضافي فوق مبلغ الرسوم القانونية ، وإذا رأيت أن ذلك مستحيل ، سوف أكون واحدا من أيها الناس ! أعرف أن لعنة الله ستنزل علي مثلما تنزل على كل من يدخل إلى أي إدارة عمومية في هذا البلد المرتشي ، لكني لا أملك حلا آخر . الحل لا يوجد في يدي ولا في يدك . الحل موجود هناك ، بين أيدي أولائك الجالسين على سدة الحكم في العاصمة ، لكن يبدو أنهم لا يريدون استعمال ذلك الحل من أجل وضع حد نهائي لمعاناتنا ، ويفضلون عوض ذلك أن تظل حياتنا معقدة هكذا إلى أبد الآبدين . لكن هذا لا يهم ، فيوما ما ستفنى الدنيا ، وهناك أمام الله سنلتقي ، أكيد أن حسابهم أمامنا سيكون عسيرا جدا ، حينها سيأخذ كل ذي حق حقه ، وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون ! من المؤسف حقا أن ننتظر يوم القيامة كي نصفي حساباتنا الدنيوية معهم ، الله لا يحب أن يكون عباده خنوعين مثلنا ، لذلك نقرأ في القرآن الكريم أنه تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، لكن كيف لنا أن نغير ما بأنفسنا ، وكيف لنا أن نتخلص من هذا الخنوع القبيح الذي يجعل منا شعبا بلا كرامة . نتذكر أن عشرات الشهداء سقطوا في الريف والبيضاء وفاس وغيرها من المدن بالرصاص الحي الذي ينطلق من فوهات بنادق العسكر الذين تنام في صدورهم قلوب بلا رحمة ، فقط لأنهم خرجوا إلى الشارع دفاعا عن حقوقهم المهضومة ، والتظاهر ضد الظلم المستشري في كل مكان . وعوض أن يقدم الحاكمون اعتذارا لأرواح هؤلاء الشهداء المستضعفين ، وإن كان الاعتذار لا يساوي شيئا أمام قتل الأرواح البريئة ، وصفوهم بأقبح النعوت والأوصاف . قالوا بأنهم لم يكونوا سوى مجرد أوباش وشهداء كوميرا . هذا هو جزاء الذي يدافع عن حقه في هذا البلد الغارق في الحزن ، يقتلونه بالرصاص الحي ، وبعد دفنه في مقبرة جماعية مجهولة يقتلونه عشرات المرات بألسنتهم المتسلطة . ليس صعبا أن تخرج إلى الشارع كي تتظاهر ، حتى وإن كانت الدبابات مرابضة أمام باب بيتك . ليس صعبا أن تحمل الحجارة والعصي وتكسر الواجهات الزجاجية ونوافذ الحافلات والسيارات ، وتشعل الحرائق في العجلات المطاطية حتى يتحول سماء المدينة إلى صفحة سوداء . ليس صعبا أن تفتح أزرار قميصك وتجعل صدرك العاري في مواجهة فوهة بندقية عسكري متدثر في بذلته الثقيلة وتطلب منه أن يضغط على الزناد إن كان قادرا . وليس صعبا أن تموت برصاصة غادرة وأنت في عز شبابك . كل هذا ليس صعبا ، لكننا لا نريده أن يحدث . نريد أن تتغير أوضاعنا البئيسة دون أن تسقط قطرة دم واحدة على أرصفة الشوارع وقارعة الطرقات ، ودون أن نسمع صفارات الإنذار ومنبهات سيارات الإسعاف وهي تخترق الحارات والأزقة لحمل الجرحى والمعطوبين من قوات الأمن إلى المستشفيات . نريد تغييرا حقيقيا بدون عنف ، وبدون خطابات الحاكمين الكاذبة أيضا . مطالبنا ليست مستحيلة ، نريد فقط أن نعيش بكرامة ، أو بقليل منها على الأقل . أن نذهب إلى الإدارات ونقضي أغراضنا دون أن ندفع رشاوى ، ودون أن نتعرض لنظرات الاستهزاء التي تنطلق من عيون الموظفين البؤساء كسهام حادة . نريد عدالة نزيهة لا ينتظر قضاتها الأوامر القادمة من مراكز القرار عبر أسلاك التلفون ، ولا يقبلون أن تتلطخ أيديهم بفضلات الرشاوى . نريد أن تقسم ثروات البلاد بين الجميع بالتساوي ، وتنمحي هذه الفوارق المهولة التي تجعل الأقلية القليلة تعيش في النعيم ، فيما الأغلبية الساحقة أو المسحوقة تعيش في الجحيم . مطلبنا ببساطة هو أن ينجلي هذا الظلم الأسود الذي يخيم على سماء مملكتنا الحزينة منذ عقود طويلة ، ويحل محله العدل الذي هو أساس الملك . لكن الماسكين بزمام الأمور لا يريدون أن يصغوا لمطلبنا هذا ، ويعتقدون أننا عندما نضبط أنفسنا ونتحكم في أعصابنا لسنا سوى مجرد قطيع من البشر يسير برأس منحدر إلى الأرض . قد يكون اعتقادهم صحيحا بشكل من الأشكال ، لكن عليهم في المقابل أن يضعوا في حسبانهم أن للصبر حدودا قصيرة جدا ، وأن الذي يصمت طويلا عندما يفتح فمه يكون كلامه جارحا ، هذا إذا اكتفى بالكلام ولم يفعل أشياء أخرى ... almassae.maktoobblog.com