في انتظار تطويرالدراسات السوسيولوجية الميدانية لأوضاع السجون المغربية، نقدم بعض الإطارات النظرية المقتبسة من بعض الدراسات الغربية. هل يمكننا الحديث عن ثقافة سجنية؟ نبدأ بالدراسة التي قام بها الأمريكي دونالد كليمر من 1931 إلى 1934. و كان أول سؤال طرحة بعد أن درج على كل مراحل البحث هو: "ماهي الثقافة السائدة بالسجن؟" و لقد أجاب على هذا السؤال عن طريق تحليل )،socialisation carcérale( والذي يعبر عن نوع من التفاعل داخل السجن Prizonisation مصطلح و الذي قال بأنه:" مراحل إدماج القيم التي تظهر من خلال اشكال الحياة الخاصة بعالم السجن". و التي تتمثل في انضباط السجين و تفاعله مع الظروف التي يعيشها داخل السجن. بحيث كلما كانت الظروف قاسية، إلا و يضطر للتفاعل معها (البقاء لمدة طويلة داخل الزنزانة، قضاء الحاجة أمام الآخرين، فقدان حس المبادرة ...) و هذا الأمر هو الذي يعقد إمكانية إدماج السجين في المجتمع بعد إنقضاء مدة سجنه. و كلما طالت مدة السجن ألا و صارت مهمة الإدماج أكثر تعقيدا. عالم آخر غريشام سايكس أحذ نفس المصطلح عند دراسة "لغة السجين" مع الإعتماد على أدوات اللسانيات، او "ثقافة دونية سجنية". و قد رأى « sous-culture carcérale »مما جعله يخلص إلى ما سماه: هذا الباحث أن السجناء قد أبدعوا فى هذا النوع من الثقافة كرد فعل عن الحرمان الذي يعيشونه بسبب الحبس. و من أجل توضيح نظريته، أضاف سايكس مصطلحا خر و هو "الثقافة المضادة" و ذلك عند دراسة ما سماه « contre culture » « argot carcéral » باللغة أو" العامية السجنية". يقول سايكس أن هذه الثقافة هي تكريس لمبدإ التضامن بين السجناء. كما خلص إلى القول بأن السجين يكون في حيرة بين المواقف الجماعية التضامنية التي تدعوه إلى مواجهة المؤسسة السجنية، و موقفه الفردي الذي يدعوه إلى التنازل و الإنضباط إلى قوانينها و قيمها. لصاحبه إيرفين غوفمان و الذي قام فيه بدراسة أحد « Asiles »و في سنة 1962 ظهر كتاب المستشفيات للأمراض العقلية، و الذي خلص فيه إلى دراسة مصطلح« Adaptation » "التكيف" و الذي يحاول المحبوس« Adaptation primaire » فهناك نوعان من التكيف: هناك "التكيف الأولي" عن طريقه احترام القوانين الداخلية للمؤسسة. والذي يستطيع المحبوس من خلاله « Adaptation secondaire »و هنالك "التكيف الثانوي" خلق مجالات للحرية داخل حبسه. و هذا الجانب هو الذي أعطاه غوفمان الإهتمام البالغ باعتباره يهم الحياة الخاصة للمحبوس داخل المؤسسة. الرقابة الدائمة وظلم المؤسسة السجنية: إلا أن هناك باحثين آخرين، من أمثال طوماس ماتييزن عالم الإجتماع النرويجي، عارضوا سايكس فيما ذهب إليه، حيث قال إنه رغم التضامن الذي يعيشه السجناء فيما بينهم، فإن هذا لا يزيل المعانات التي يعيشها السجين، والذي هو عبارة عن دراسة تمت « The defence of the weak »ففي كتابه "دفاع عن الضعيف" بالنرويج، بين كيف أن هشاشة وضع السجين تجعله يخضع بشكل عاد و طبيعي إلى رموز و قيم السجن أو "الرقابة الذاتية". فهذه « autocensure » وقد عبر عنه بمصطلح .« codes et valeurs ». الرقابة قد تبدو في ظاهرها و كأنها نوع من"الماسوشية" أو التلذذ بالإضطهاد. فالسجين، عوض أن يقاوم السجنية التي قد لا تكون احيانا معقولة، تراه يقوم بتنفيذها بانضباط خضوع. « Normes »المعايير فسياسة "الجزرة و العصا" تجعل من السجين يطمع في الجزاء المنتظر من المؤسسة السجنية مقابل الخضوع اللامشروط. وقد أضاف هذا العالم أمرا مهما يفسر به هذا الخضوع اللا مشروط للسجين، بكون هذا الأخيريريد أن يبرز مدى ظلم المؤسسة السجنية، لأنه يعلم مسبقا أنه لن يحصل على الجزاء العادل مقابل خضوعه اللامشروط. و استمرار السجين على الإمتثال لقواعد وقوانين المؤسسة السجنية، ما هو إلا تعبير عن رغبته في إظهار الظلم الذي يعانيه من لدنها. و بالتالي، يرى ماتييزن، لا جدوى من الكلام عن تضامن السجناء مادام كل واحد منهم يعبر بشكل فردي عن خضوعه للمؤسسة السجنية، و مدى ظلم هذه الأخيرة له. السجين والرغبة في الخروج: يجدر بنا هنا أن نطرح السؤال التالي: هل يمكن اعتبار الامتثال اللامشروط للسجين للضوابط السجنية، ليس إلا تعبيرا عن رغبته في الخروج من السجن في أقرب وقت، إما طمعا في عفو أو تقليص في المدة الحبس؟ الجواب على هذا السؤالGuy Houchon الباحث البلجيكي غي هوشونحاول، في أواخر الستينات من القرن الماضي، وذلك عندما قام بدراسة في أحد السجون البلجيكية دامت سنة كاملة. و النتيجة التي توصل إليها هوشون هو الجواب بالإيجاب على هذا السؤال الذي ظرحه. مضيفا أن السجين قد خلق ثقافة لا هدف له من ورائها إلا الحصول على الحرية في أقرب وقت ممكن. لهذا ذكر بأن هذه الثقافة هي .« culture pseudo-normative »"ثقافة شبه معيارية" العلاقة بين السجين و الحارس: بدراسة همت عدة في سنة 1997 قامت الباحثة الفرنسية كورين غوستان، عدة سجون فرنسية أظهرت من خلالها بعض جوانب العلاقة التي تربط السجين بالحارس. أهمية هذه الدراسة يحكم طبيعة الإحتكاك بين السجين و « Typologie croisée »تتجلى في كونها وضعت تصنيفا تقاطعيا الحارس. هذه الطبيعة قد تعرف تغيرا حسب ما إذا كان السجين مستعدا لقبول أو رفض المشاركة في منطق المؤسسة السجنية، و حسب ما إذا كان الحارس يقوم بعمله كموظف يطبق القوانين أو كحارس له مهمة و رسالة، يمكن تلخيصها كتالي: ----------------------------------------------------------------------------------------- * المنطق الذي يحكم مهمة الحارس * موقف السجين * ------------------------------------------------------* * * حارس ذو رسالة * حارس ذو مهمة إدارية بحثة * * *---------------------------------------------------------------------------------------* *علاقة انسانية * علاقة قانونية * المشاركة * *-----------------------*----------------------------*---------------------------------* * غلاقة حوارية * علاقة عدائية * الرفض * *-----------------------*----------------------------*---------------------------------* يمكننا أن نقول إذن أن كل المختصين في علم الإجتماع، الذين جعلوا من السجن مجالا لدراساتهم، يجمعون على ان هذا الأخير يعتبر مرتعا لثقافة خاصة تمليها الظروف و الحيثيات السجنية. فأطروحات كليمرو سايكس و ماتييزن، على سبيل الذكر لا الحصر، كلها صبت في هذا الإتجاه، و بالتالي لابد من مراعات ما يقع داخل المؤسسات السجنية من أجل تجنب قدر المستطاع عواقبها السلبية.