كل الأدبيات السوسيولوجية تجمع على أن السجن هو عبارة عن منظومة يهدف من ورائها سلب وحرمان نزلائه من الحرية و الخدمات و العلاقات الجنسية الطبيعية و الحركة و الأمان. أشكال من الحرمان حددها الباحث الأمريكي غريشام سايكس في كتابه القيم The society of the captives; Gresham Sykes; Princeton University Press; 1958 و السجن كأداة للحرمان من الحرية لم يكن إلا نتيجة لفلسفة سياسة مبنية على القمع و التهميش. و هذا ما أصّل له جون جاك روسو في كتابه المشهور "العقد الإجتماعي" Jean-Jacques Rousseau ; Du contrat social و الذي تكلم فيه عن الحرب الداخلية التي يجب أن تشن ضد الذين لم يحترموا "الميثاق الإجتماعي"، من أجل الحد من مفعولهم. بهذا أصبحت المؤسسة السجنية بكل ما تملكه من إمكانات، تسعى للحد من حرية السجين بابعاده عن المجتمع، و كذلك داخل السجن بمنع السجناء من القيام بمطالب و تحركات جماعية... باسم الحفاظ على الأمن. فإذا كان هذا واقع قد يفهم في حدود معقولة، عندما يتعلق الأمر بالإحتياط من الأخطار الذي قد يتسبب فيها بعض السجناء، إلا أنه لا يستساغ ان يصير الحفاظ على الأمن وسيلة لمنهجة العنف و التعذيب مثلا. فالحيطان و الأبراج و الأبواب و ساحات الفسحة و المرافق و الممرات و الطوابق، كلها تعبير عن المحافظة على الأمن. في أغلب السجون يحتاج الداخل إليها إلى اجتياز أبواب عديدة قبل الوصول إلى الجناح المخصص للزنازن. و عند الوصول إلى كل باب يحتاج إلى إذن خاص من الحارس المكلف بها. يُهدف بهذه المنظومة الأمنية، بالدرجة الأولى، قطع كل أمال الهرب التي قد تراود السجناء. كما أنها تصبو إلى تغليب كفة السيطرة لدى الحراس الذين ليست لهم القدرة العددية التي يتميز بها نزلاء السجون. فلذلك، كل القوانين المسيرة للمؤسسات السجنية، تعتبر تحركات السجناء المنظمة و رفض الرجوع إلى الزنزانة من الجنح التي يعاقب عليها القانون. فالجميع، بالمؤسسة السجنية، يسعى إلى الحفاظ على الأمن و النظام داخلها. لهذا، فأحسن يوم يعيشه المسؤولون بهذه المؤسسة هو ذلك الذي يمر بدون مشاكل. فإذا سلمنا بان الحفاظ على الأمن داخل السجن، عن طريق الحفاظ على السلطة داخله، هو أمر ضروري، فإننا لا نقبل بالوسيلة المستعملة عموما و بشكل ممنهج ألا و هي استعمال العنف بشتى أشكاله و أنواعه. لأنه و مع كامل الأسف لا زال عالقا في ذهن الكثيرين من أن تحقيق السلطة لا يتم إلا عن طريق التعنيف. و بحكم ما يعلمه الذين لهم احتكاك بعالم السجون، يمكننا القول بأن السجن ما يزال حتما مُولِّدا للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر. بطبيعة الحال، لا يُنتظر من الساهرين على هذه المؤسسات الإعتراف باستعمال شتى وسائل التعنيف. فبالنسبة لهم، لا مكان للعنف بالسجون. كل ما هنالك هو استعمال القوة حفاظا على الأمن. من هنا تظهر الصعوبة التي تواجه موظفي المؤسسات السجنية في القيام بدورهم كحلقة أساسية في منظومة إدماج السجناء، بل يمكن ان نقول بانه قد يستحيل عليهم ذلك رغم كل الشعارات التي قد يرددونها. لأنه بكل بساطة كيف يمكن أن تثق في اليد التي يمكن أن تصفعك في كل لحظة. لذلك لا يمكن لموظف السجن ان يقوم بدوره في إدماج السجناء، و هو مطلوب منه بالدرجة الأولى القيام بمهام الحفاظ على الأمن، التي رغم الإرادة الذاتية و النيات الحسنة لا تتماشى مع الأهداف التربوية المؤدية على خلق أجواء الثقة و الأمان بين السجين و السجان. فمادامت المؤسسة تفضل المقاربة الأمنية، فلا يسعها ان تطلب من موظفيها الإهتمام بالسجين و الدفع به من أجل الرفع من مستواه الدراسي او الثقافي او المهني.