حارس السجن هو صاحب مهنة تحمل كثيرا من الأحكام المسبقة. يقال عن الحارس بأنه عنيف ذو قلب لا رحمة فيه، مستبز لا يتق في أحد إلا و لا ذمة، هو أصل كل الآفات التي تعرفها السجون ... المؤسف في الأمر هو أن ما يصل من أخبار من داخل السجون يصدق بعض هذا الواقع. إلا أن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى تعميم الأحكام. فالحارس هو فرد من المجتمع، يصدق عليه ما يمكن أن يقال على كل فئة من فئات الشعب. فيه الصالح و الطالح، و الغث و السمين. والذي يمكن أن نجزم فيه، هو أن الحارس أداة أساسية في المؤسسة السجنية، لا يمكن أن يستغنى عنه. فهو المنفذ الفعلي للسياسة السجنية، و هو الذي يعايش ما يقع داخل السجن في أدق دقائقه، و هو الذي يعيش العلاقة المباشرة مع السجين في كل أحوالها ... و بالتالي يمكن أن نقول أن الحارس سيكون كما تريد له المؤسسة السجنية و مسؤوليها أن يكون، سلبا و إيجابا. وبما أننا نؤمن بأن للحارس أهمية قصوى سوف نحاول أن نذكره كما يجب أن يكون فعلا. نريده أن يكون عنصرا إيجابيا فعالا، أداة للبناء لا للهدم، باختصار نريده أن يكون تلك الحلقة الذهبية، و التي هي مفقودة الآن، في سلسلة المؤسسة السجنية. قد يظن أن دور الحارس في السجن يقتصر على فتح الزنزانة للسجين و إقفالها خلفه. أو ربما قد يضاف إليها تسليمهم وجبات الطعام و مرافقتهم في تنقلاتهم داخل السجن إلى المرافق الإدارية و الإجتماعية حسب ما تقتضيه الضرورة. إذا كانت هذه المهام هي فعلا تأخذ جزءا مهما من وقت الحارس، فلا يجب اعتبارها الأساسية أو الأهم. إن هذه النظرة المحدودة و الضيقة لدور الحارس هي التي تقزم من أهميته، و تسد آفاق الإبداع لديه، و تجعله مع روتينية و تكرار ما يقوم به من مهام يسأم، بل قد يكره مهنته، و بالتالي قد ينزلق في متاهات لا تحمد عقباها، على شاكلة ما يصلنا الآن من تقارير تفيد تورط بعض الحراس في ارتكاب مخالفات قانونية، لا داعي للتفصيل فيها الآن. إن الحارس مطالب منه الحرص على الحفاظ على النظام العام داخل السجن بما تحويه من صعوبات و عراقيل و ضغوطات الحياة بين أفراد لا يجمعهم إلا اليأس و الخوف و العنف. و هو مطالب منه فرض الاحترام بين السجناء و موظفي المؤسسة السجنية من جهة، و بين السجناء فيما بينهم من جهة أخرى... مطالب منه القيام بكل هذا بنوع من التجرد، دون ظلم أو تحيز أو حيف. يمكن أن نضيف إلى هذا ما تدافع عنه بعض النظريات الغربية التي ترى في الحارس العنصر الأساسي، داخل المؤسسة السجنية، الذي يمكن أن يساعد على إعادة إدماج السجين في المجتمع. فرغم عدم قبولنا لها كلية، فإننا سنذكر أهم ما فيها من باب الاستئناس، و حتى نعلم الأهمية التي قد يكسبها الحارس. هذه النظرية تدخل فيما يسميه بعض الباحثين ب "السجن الإيجابي"، و هي تعتبر الحارس المحاور الأساسي للسجين، بحيث يكون له الدور الرئيسي في التعامل معه، بتمكينه كل الوسائل، و مده بكل الإمكانات كي يقوم بدورة كحارس، و ليس كسجان. فكلمة الحارس لا تتوقف على المراقبة و المتابعة، بل تعني كذلك ذلك الشخص الذي يقوم بعمله بتفان و إخلاص و أمانة. أما السجان، فهو ذلك الشخص الذي لا مهمة له إلا المنع و فرض السيطرة. فالحارس بهذا المعنى يحاول مرافقة السجين في تدبير حياته اليومية، و بفهم القوانين، و بتهييئه لفترة ما بعد الحبس. هذا الدور الراقي لا يغير فقط النظرة الدونية تجاه الحارس، و لكن يخلق كذلك جوا انسانيا داخل السجن، باعتباره يعطي فرصة التغيير للسجين. فعندما يعلم هذا الأخير أن له محاورا و مرافقا، يقتنع بإمكانية التحول. كما أن هذا الدور يمكن الحارس من إمكانية تطوير أدائه داخل المؤسسة السجنية، بحيث يدفعه إلى التمكن من مهارتي الإنصات و التواصل. مهارتين اساسيتين في كل أمر من أمور الحياة، و خصوصا عند الظروف الصعبة و وقت الأزمات، كما هو الحال داخل السجون. فالإنصات يملك به الحارس ثقة السجين، و التواصل يسهل التحاور السليم و المسالم معه. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هذه الأهداف و النتائج لن تتحقق فقط بالجهد الفردي المبذول من طرف الحارس، بل لابد من ان تكون نتيجة كذلك لسياسة المؤسسة السجنية. لابد لهذه الأخيرة من أن تمهد الطريق للحارس، عن طريق اختيار من لهم الرغبة الحقيقية في ولوج هذه المهنة، ثم تمكنهم من تكوين خاص في كل ما ذكرناه، و كذلك توفير التكوين المستمر. *رئيس اللجنة الوطنية للإرشاد الديني بالمؤسسات الحكومية بفرنسا (سابقا) مسؤول الإرشاد الديني بالسجون الفرنسية مهتم بعلم الإجتماع المتعلق بالسجون [email protected]