الجزء (3) السيد رئيس الحكومة قال من بين ما قال حسب ما أخبرتنا به جريدة هيسبريس "أن الحكومة التي يترأسها تحتاج إلى معارضة قوية تكشف أخطائها ". معارضة قوية...و من تكون يا ترى هذه المعارضة القوية المنتظرة؟ هل من حزب يستطيع معارضة حزب العدالة و التنمية ؟ لا بطبيعة الحال، و لا داعي لذكر الأسباب حتى لا ننزلق في الخوض مجددا في كلام عقيم لا داعي بتاتا لتكراره و إعادة تكراره إلى ما لا نهاية. السؤال إذا هو لماذا لا تريد جماعة العدل و الإحسان معارضة حكومة السيد رئيس الحكومة ؟ الرأي هو لأن جماعة العدل و الإحسان لها ربما نظرة أكثر شمولية...أو لأنها لا تريد الانخراط في دوران في حلقة مفرغة لا تنتج التقدم أبدا. فيا ما تعاقبت المعارضات في برلمانات عديدة دون أي جديد يذكر. الرأي أن فاقد الشيء لا يعطيه و الحكومة صلاحياتها ليست واضحة تمام الوضوح في الواقع المعاش. و الله أعلم. في الماضي القريب علمنا عبر الإعلام أو الصحافة أن مسؤولا في حكومة سابقة كان قد "أنقذ" ابنه من قبضة القانون أمام البرلمان... أما اليوم فلقد تتبعنا كيف أن برلمانيا من حزب العدالة و التنمية و هو الحزب ألأغلبي، إن صح التعبير، احتج على القوة العمومية (-بعد أن كان قد شهد لها بالانضباط و احترام حقوق الإنسان-) لأنها كما قال استعملت العنف زيادة ضد متظاهر أمام البرلمان فنال نصيبه هو أيضا من عنف القوة العمومية رغم صفته البرلمانية. المفارقة عجيبة. و لا داعي للتذكير بما علمنا عبر الصحافة من قضية منع مهرجان خطابي أو ما شابه ذلك من طرف السلطة أو القوة العمومية في مدينة طنجة كان سيحضره رئيس الحكومة نفسه بصفته الحزبية. جماعة العدل و الإحسان لا تريد ربما معارضة حزب لا حول له و لا قوة. و الله أعلم. و لكن هل هذا يعني أن لا أمل في محاولة التفاوض مع جماعة العدل و الإحسان؟ نحتاج إلى مقترحات أو اقتراحات لتقليص الهوة التي تفصل بين الدولة و الجماعة. إذا كان الجيش في تركيا حقيقة يضمن علمانية الدولة فما الذي يمنع أن تكون السلطة في المغرب حقيقة ضامنة لإسلامية الدولة؟ التصور هو أن تتبارى الأحزاب في ما بينها للفوز في الانتخابات و تكوين حكومة تتحكم في كل الدواليب إلا في ما يخص القوة العمومية حيث تحركها الحكومة و لا تترأسها فعليا مع التنصيص على ذلك دون لف و لا دوران. في نظام الخلافة يتم تعيين الولاة من طرف رئيس الدولة أو الخليفة...، لا تهم المسميات كما قال الكاتب العام لجماعة العدل و الإحسان الشيخ العبادي حفظه الله. المهم أن تكون التعيينات في محلها و أن يتم تعين الأخيار بعد وضع آليات و تحديد معايير واضحة في هذا الاتجاه. فمثلا، إذا كانت الدولة أو السلطة تنظم انتخابات للفصل بين الأحزاب قبل تعيين رئيس الحكومة فما الذي يمنع أن تنظم السلطة انتخابات على شاكلة الانتخابات أو الشورى التي تجرى داخل الجماعة، مثلا، قبل تعيين الولاة إذا كان الهم هو إفراز ولاة شرفاء يبغضون الرشوة، لا يقربون المال العام و لا يبذرونه، ولاة يعدلون و لا يجورون، ولاة أكفاء ذووا تربية حسنة يخافون الله فيحسنون للرعية أو المواطنين، لا تهم المسميات...أما المخزن أو بيت مال المسلمين، لا تهم المسميات...، فليكن مكان محصن تجمع فيه الزكاة و ما أحوجنا لأموال الزكاة في خضم الأزمة الاقتصادية الراهنة و لنيل رضا الله عز و جل في علاه. و عفا الله عما سلف... و الله أعلم. الرأي هو أن الجماعة ليس لديها مشكل في حالة ما إذا كانت القوة العمومية أو السلطة ليست بيد الحكومة، فالمهم بالنسبة للجماعة ربما أن تكون السلطة تستعمل في الاتجاه الصحيح، من أجل الإصلاح و الصلاح. الملاحظ إذا أن الجماعة تهتم بالجوهر و لا تبالي بالشكل. فالمشكل إذا هو أن الجماعة لا تريد أن تعارض الحكومة التي تعتبرها ربما شكلية لا غير. ولكن، إذا اعتبرنا أن إعلان رئيس الحكومة بأن "حكومته تحتاج إلى معارضة قوية تكشف أخطائها" بمثابة نداء إلى الجماعة تمهيدا لتسهيل مأمورية الدولة في مباشرة التفاوض مع الجماعة من أجل مستقبل أفضل، و هذا مجرد افتراض، فهذا يعني أن رئيس الحكومة حامل رسالة تنم على شبه إرادة من طرف الدولة لرفع الحظر على الجماعة. و لكن لا يبدو أن الجماعة لديها أمل في أن تحصل على ترخيص لتأسيس حزب سياسي من طرف السلطة، و تصريح قيادي في الجماعة في قضية رفض تخصيص قبر لسيدة أرادت أن تدفن بجوار زوجها... يؤكد ربما هذا التشاؤم المفهوم... ولكن، كان ذلك قبل تصريح رئيس الحكومة بأن " حكومته تحتاج إلى معارضة قوية تكشف أخطاءها"...و الله أعلم. الرأي أن الجماعة تحتاج إلى إشارات واضحة من طرف الدولة في اتجاه انفراج الوضع السياسي المتأزم. و معلوم، و الله أعلم، أن الوضع السياسي الحالي ليس متأزما بسبب مظاهرات المعطلين أو خرجات العلمانيين الإعلامية و الميدانية أو بسبب المتهورين الذين يحرقون دواتهم هنا و هناك، بل بسبب الوضعية المتشنجة بين الدولة من جهة و الجماعة من جهة أخرى. فإذا كان المتظاهرون لا زالوا يتظاهرون رغم قلة عددهم فلأن لديهم أمل في أن تعود الجماعة لسبب ما من جديد لتدعم صفوفهم...، و الله أعلم. الرأي هو أن الدولة في حاجة لمن يعارض حكومتها، ولكن الجماعة تريد أولا و قبل كل شيء إصلاحا عميقا ينعكس على أرض الواقع يحفظ و يعزز إسلامية الدولة و يقطع الطريق نهائيا أمام الظلم و الرشوة و المحسوبية و ما إلى ذلك. الجماعة لن تغامر بمصداقيتها و هذا شيء بديهي، كأن تنخرط في العمل السياسي من داخل المؤسسات دون ضمانات أو إشارات قوية من طرف الدولة في اتجاه التغيير، كرفع بعض المظالم في الإدارة في ما أصبح يعرف بقضايا "إفشاء السر المهني..." مثلا، و ربما مساءلة بعض المسؤولين السابقين و لو كانوا وزراء سابقين...مثلا، و إلغاء بعض الطقوس...، و ربما أيضا تحريك بحزم و بجدية أكثر وضوحا بعض القضايا المتعلقة بالرشوة و بنهب المال العام...، و ما إلى ذلك من أفعال الخير. الدولة لديها الجيش و القوة العمومية للحفاظ على الأمن و الاستقرار، حزب العدالة و التنمية لديه ناخبيه و الجماعة لديها نخبها و جماهيرها الشعبية و المتعاطفين معها من قريب أو من بعيد. حان الأوان ليتحد الجميع من أجل بناء مغرب المستقبل، مغرب العدل و العدالة و الإحسان و التنمية في ضل المشروعية الديمقراطية و لا تهم المسميات...رحم الله الأستاذ و الشيخ عبد السلام ياسين رحمة واسعة، لقد ذهب للقاء ربه و ترك جماعة بخير تبشر بكل الخير. و لا أدري لماذا تخطر ببالي هذه الآية: ((و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل))... يتبع...