ارتبط اسم إدريس لشڭر في المشهد السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمشاداته الكلامية ضد خصوم ألاتحاد الاشتراكي حيث يعتبره البعض كمدافع قوي وشرس عن الحزب، كما عرف الرجل بكثرة خطبه الرنانة وكلامه عن الحداثة وعن المشروع الديمقراطي الحداثي، ولكن ما صدر عن هذا الأخير مؤخرا من سلوك مع لطيفة الجبابدي، برلمانية الاتحاد الاشتراكي، لا يمت بأية صلة لا بالحداثة ولا بالحداثيين، حيث تحدثت بعض وسائل الإعلام المكتوبة عن حدوث مواجهات حامية بين إدريس لشكر ولطيفة الجبابدي، خلال اجتماع للمكتب السياسي بسبب طرح هذه الأخيرة قضية وضعية المندمجين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المؤتمر القادم، وهو ما أثار سخط لشكر الذي وصل به التوتر أن قلب الكؤوس وقنينات الماء على الطاولة التي كان يجلس إليها قادة الحزب كما رمى، حسب ذات المصادر، بكأس ماء على وجه الجبابدي وتوجيهه كلمات نابية إليها . وأدى التوتر إلى تقديم لطيفة الجبابدي استقالتها، ومغادرتها الاجتماع . "" واستغربت مصادر أنه في الوقت الذي تنازلت فيه الجبابدي وتراجعت عن قرار استقالتها استجابة لصديقاتها في الحزب اللواتي حاولن جاهدات إقناعها للعدول عن فكرة الاستقالة من المكتب السياسي حيث قدمن لها الاعتذار نيابة عن مرتكب الخطأ إدريس لشكر ،الذي لم يكلف نفسه عناء الاعتذار لها وذلك أبسط ما يمكن أن يقوم به كل من يدعي نفسه حداثيا ، بل لم يتحدث إليها طيلة اجتماع المكتب السياسي الأخير المنعقد مساء يوم الثلاثاء 27 ماي 2008 بمقر الاتحاد في حي الرياض بالرباط ، ولازالت العلاقة مكهربة بين الطرفين وانه لم يتم رأب الصدع بينهما إلى حد الساعة . ويعد هذا السلوك في الواقع تعبيرا حقيقيا عن أحط وأحقر القيم التي تمجد العنف ضد النساء و بذلك يجسد السيد لشكر نموذج المناضل السياسي الذي يعتمد " العنف أداة إقناع وإقلاع"، ونحن لا ننفي وجود مثل هذا السلوك في مجتمعنا ولكنه صدر من بعض الحداثيين الذين لم يتمكنوا من ترجمة الأفكار الحداثية والانتقال بها من حيز المصطلح واللفظ إلى حيز السلوك والممارسة المتجليين في اعتناق قيمها فعلا، لا قولا وتشدقا، وجعلها من صميم حياتهم اليومية. وبذلك يؤكد السيد لشكر بالملموس المفهوم الحقيقي للحداثة خصوصا عند بعض من المحسوبين على نهج ثقافة خاصة تقوم فقط على الخطاب والابتعاد عن المجتمع والواقع. ويعكس هذا السلوك في العمق أزمة الخطاب الحداثي لدى بعض السياسيين، ويدفعنا إلى وقفة نقدية تقييميه لأفكار النخبة السياسية بالمغرب والقائمة على استهلاك كل أنواع الشعارات، دون أن تجد لها رصيدا في الممارسة والواقع المعيش ، و لو تأملنا في هذا السلوك لاكتشفنا الفارق بين الخطاب الحداثي الذي يتشدق به إدريس لشڭر وكذا حزبه الاتحاد الاشتراكي وبين التطبيق الفعلي في الواقع المعيش ، ولاكتشفنا أيضا بأن الهشاشة النظرية تؤدي بالضرورة إلى هشاشة مسلكية وعملية وتعمق من التناقض بين أيديولوجية الخطاب الفكري وواقعه الموضوعي ويتمثل هذا التناقض في العديد من المظاهر التي تعبر عن وجود فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق. و هكذا ، تصبح الحداثة كلمة بدون معنى ومجرد حروف لهيكل لا روح فيه، بواقع سلوك بعض الفاعلين الحداثيين في مجتمعنا المغربي و بفعل الابتذال و سطوة الاعتيادي. والغريب، والملفت هنا ،أن العديد من الذين كانوا إلى عهد قريب ، ولا يزالون ينصبون أنفسهم كمدافعين عن حقوق وكرامة الإنسان باسم الحداثة ، ويطالبون بإنصاف المرأة ، ومناصرة المظلومين في المعامل والمشاغل والمركبات التجارية والصناعية والخدماتية ، هم أنفسهم الذين يمارسون الإقصاء ، الظلم و العنف في حق من يعتبرونهم ضعفاء . وختاما يمكن القول، بأن الحداثة في مجملها ليست عبارة عن مجموعة من الأفكار النخبوية التي تتخندق في خطاب النخبة السياسية دون أن تجد لها رصيدا في الممارسة، بل هي ممارسة سلوكية خاصة، و لا يكفي لكي تكون حداثيا أن تتحدث في المنابر والمناسبات عن الكرامة والحرية والمساواة والاختلاف، وغير ذلك من الشعارات الفضفاضة ؛ بل إن ذلك يعني أن يمارس الحداثي (الإنسان) تلك المبادئ الحداثية في سلوكا ته مع الآخرين ، وأن يؤمن بها وجدانيا، وأن يحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا وأن يقوم بتصريف ذلك في الواقع والحياة اليومية .