قراءة علمية وتفكّرية في مقولة: "الإعجاز العلمي في القرآن تعويض نفسي عن نهضة مجهضة" ملخص القراءة التفكرية أعتبر هذا البحث، بمثابة فضاء للتفكّر والتدبّر وإعمال العقل مع الأستاذ أحمد عصيد المحترم، كاتب المقال الذى يحمل عنوان: " الإعجاز العلمي في القرآن تعويض نفسي عن نهضة مجهضة " حاولت فيه فتح باب المناقشة الهادفة والهادئة مع الاستاذ الكريم، التى تعتمد على أدوات ثلاث: 1- العقل، وجولاته في العالم المرئي واللامرئي، يبحث وينقّب للتعرف على عالم الموجودات. 2- الاستماع، الذى يسمح للإنسان الانصات إلى نبضات الكون، من أجل ترجمة مصطلحات الكون التى يرسلها إلي الانسان، من خلال التفاعلات الكونية بين أجزاء عناصره، حتى يعدّل وضعيته الحياتية. 3- البصيرة( أداة فعالة) ، يترتّب استعمالها الحصول على قضايا ووقائع حقيقية، لها مصداقية كبرى على مستوى الادراك، وتكون لها في العالم المعيش، بصمات واضحة المعالم، وشفافة الطرح. على وقائع هذه النظرة العابرة، نفتح باب المناقشة الجادة مع الأستاذ حصيد الكريم، لقراءة تفكيره في الزمكان الانساني، بعيدا عن العواطف الذاتية و الايديولوجيات المستوردة، ويكون الهدف من القراءة المسؤولة، إبراز الفجوات والأخطاء العلمية المرتكبة، التى برزت في فكر الأستاذ الجليل،و التى تولّدت نتيجة عدم اطلاعه على ما يجرى من اجتهادات وأبحاث على مستوى الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية. مقدمة القراءة تطرح أبجديات الخطاب العلمي والحوار العقلى قضايا جوهرية، إذ تلزم الإنسان الباحث الذي يعمل في حقل العلوم الكونية والعلوم التطبيقية، سلك طريق تعلوه لوحات كتبت عليها مصطلحات دالة على تحقق شروط أساسية لبلوغ مستوى جودة التفكير، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1-تجنّب الاهواء الذاتية، 2- التمتع بفكر مستقل 3- الجودة في التأمل والتدبّر والقراءة 4- المراجعة المستمرة للمنظومة الفكرية 5- طلب العلم ضرورة حضارية 6- طريق التفكّر، طريق النجاه 7- الحكمة هدف جيل الجودة 8- من أراد التطوّر جدّ واجتهد. فضلا على ذلك، فإن الباحث في الألفية الثالثة، عليه أن يتزوّد بالمعرفة وإعادة بنيات منهجيته، وتطوير آليات تفكيره، في ضوء الأحداث التي يشهدها عالم الثورات العلمية الاربع (ثورة الكوانتوم، ثورة البيولوجيا، ثورة العالم الرقمي، ثورة الاعجاز العلمي فى القرآن والسنة) حتى يتمكّن من الوصول إلى درجة الاستخلاف التى أتى من أجلها على وجه البسيطة، ويحقّق مبتغاه الحضاري المنشود الذي خلق من أجله. ولا داعي للتذكير في هذا المضمار، بأن المعرفة النافعة تعتبر إحدى الأنشطة اللازمة والكافية الضامنة لبناء المجتمعات المتطوّرة، كما أنها (المعرفة) تبعد الإنسان المنتمى إلى مسيرة الحضارة الانسانية،عن المطبّات التي تنتج عن القراءة بالرؤية المباشرة، بدون استعمال البصيرة. في هذا المضمار، أفتح مع الاستاذ عصيد، حوارا أظنه سيكون هادفا لامحالة إن شاء الله تعالى، لأن خلاياه تسبّح لله وتعترف بوجوده، وأن مصدره هو الفطرة، مصداقا لقول معلمنا الاكبر محمد صلى الله عليه وسلّم: "كل مولود يولد على الفطرة" (حديث صحيح). ويبقى عليه إعادة قراءة هذا الكون، من أجل تعديل عقله الذى ربما لم تتح له فرصة التامل والسفر في أعماق حقائق الامور المعيشة. وأبدأ بالذى هو خير، مرتكزا في حوارى مع الاستاذ على محورين أساسيين، أعتبرهما هيكل فضاء المنطلق الذى أعمل فيه. المحور الاول: الأفكار المتجانسة والمتفق عليها مع الاستاذ عصيد تفكيريا قبل الدخول إلى عالم الفكر التطبيقى، والرؤية العقلية التى يؤمن بها الاستاذ الكريم، أبدأ معه بذكر التقاطعات المشتركة بيننا، والتى أعتبرها ذات دلالة علمية قوية، أذكر بعض عناصرها على سبيل المثال لا الحصر: العنصر الأول: ويتعلق الأمر، بحقيقة تواكل فئة من المسلمين –مع الأسف الشديد- في حقل الاعجاز العلمي على ما تنتجه مختبرات الغرب، حتى إذا ما أنتج هذا الاخير عملا تطبيقيا في حقل من حقول المعرفة التجريبية، • هلّلت وزغردت هذه الفئة من المسلمين، • ورفعت صوتها عاليا قائلة: لقد ذكر القرآن الكريم أو السنة النبوية هذا المنتوج منذ حوالي خمسة عشر قرنا، • ونظمت على هامش هذا التهليل والتكبير، مناظرات ومحاضرات إقليمية ودولية، ترحيبا بهذا الحدث السعيد. والسبب في ذلك يرجع بالأساس، إلى تقاعس هذه الفئة عن تحمّل مسؤوليتها في مسيرة الوطن التنموية، وتناسيها للدور المنوط بها في مسيرة الحضارة الانسانية. العنصر الثاني: وهو المرتبط ببعض الاشخاص الذين يدّعون أنهم يقومون بدراسة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية، وهم على مسافة كبيرة من هذا العلم، يظنون أنهم يحسنون صنعا، لكنهم يسيئون لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكان من الافضل لو أنهم اشتغلوا بقضايا أخرى تكون لها إسقاطات إيجابية على خريطة الأمة. العنصر الثالث: تفتقد الفئة المذكورة آنفا في كثير من الأحيان، الاطلاع على أبجديات الثورات المعرفية الحديثة، وخاصة في ميدان الرياضيات والمعلوميات، فيوهمون أنفسهم بأنه بإمكانهم الخوض في كل مناحى هذا النوع من العلوم، التى تحتاج إلى تدقيق في التفكير والبحث والتخصّص، الأمر الذى يولّد أثرا سلبيا على فضاء البحث العلمي التطبيقى، ويشوّه شعار الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في المنتديات العالمية، ويقدّم صورة مشوّهة للمسلم في الغرب. العنصر الرابع: وهو الوهم الذى حصل لفئة من الناس( حينما يتحدثون عن الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية)، فيظنون أن الكلام في الإعجاز، قد هيّأهم إلى مستوى الريادة الفكرية والعلمية، والإنتاج العقلى الرصين في ميدان الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولنا في مسرحية شكسبير "الطبيب بالرغم عنه" نموذج من نماذج الحياة. العنصر الخامس: المراقبة المستمرة من طرف بعض الجهات، لكل عمل علمي جاد في مجال الاعجاز العلمي في القرآن والسنة، فهي: أ- تحاول تشطيب هذا العمل بجرة قلم نظرا لعدم قدرتها على مواكبته، و لجهلها التام لترجمة المبدإ الحضاري العام: "وفى ذلك فليتنافس المتنافسون"، حيث يستخدمون العلاقة المعروفة: [ .....وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...........] ب- أو طمس معالمه عن طريق التشويش، لأنه يمسها في إيديولوجيتها، فنجدها تتحايل بشتى الوسائل المتوفّرة لديها، لجعل المشروع العلمي ينكمش في قاعة مغلقة، أو قسم أكاديمى مهجور. ج- أو إيهام الناس، بأن الذين يشتغلون في هذا الميدان -الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية- ليس لهم وجود على وجه البسيطة. هذه المجموعة من المعارضين، يحسّون بأن محاولاتهم لكسب مواقع اجتماعية، قد تتصدّع مع مرور الايام بسبب هذه الاجتهادات، متناسين بأن العمل يدخل في قانون عبادة رب العالمين. المحور الثاني: محور الاخطاء العلمية والتاريخية والبيداغوجية التى وقع فيها الاستاذ أحمد حصيد لا يشك اثنان في أن العناية بالمنهجية العلمية الصحيحة، والمعرفة التاريخية والتجريبية بالعمل في ميدان البحث العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنه إلى عالم الاعجاز العلمي فيما سبق ذكره، له أهميته القصوى في جعل أعمال الإنسان، لها دلالة تطبيقية حضارية. لهذا يلزم على كل من أراد السفر في فضاء الاعجاز العلمي في القرآن والسنة، التعرّف على هذا الحقل المعرفي التخصصي، الذى قمنا بتصنيفه في خانة الثورات الأربع –كما سبق ذكره آنفا-، من أجل إتقان المنهجية العقلمانية في عالم الاعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية. أدعو الحق سبحانه وتعالى، أن يساعدني الاستاذ المحترم أحمد عصيد - جزاه الله خيرا-، تقبّله قراءتي المتواضعة الشاملة للمقال الذى تحّدث فيه عن " الإعجاز العلمي في القرآن تعويض نفسي عن نهضة مجهضة"، والذى يبدو أنه بذل فيه - بلا شك- مجهودا كبيرا سواء على المستوى التاريخانى أو الايديولوجى، لإخراجه لحيز الوجود كوصفة متكاملة المناحى كما أدعوه وأتمنى من رب العالمين بعد إذن الاستاذ الجليل: 1- توسيع فضاء الصبر، 2- اتباع القراءة المجهرية التي سأتطرق لها، 3- تقبّل الانتقادات كومضات حضارية، ردا على انتقاد الاستاذ الكريم،للذين يبحثون في ميدان الاعجاز العلمي والبحث العلمي في القرآن والسنة، وهو لم يطّلع بعد، على أعمالهم وأبحاثهم التى طرحت ونوقشت على الصعيد الدولى مع خبراء أجانب ومسلمين. انطلاقا مما سبق ذكر الإشارة إليه، أنطلق من الملاحظات العامة والأساسية في هذه القراءة المجهرية، ألخصها في الملاحظات الاتية: الملاحظة الاولى: [محافظة القرآن الكريم على آياته من كل تحريف] كل عاقل يستعمل عقله بمنأى عن الايديولوجيات، سيصل لا محالة إلى فكرة أساسية، مفادها أن القرآن الكريم ينفرد عن جميع الكتب السماوية بمحافظته على آياته الكريمة من كل تحريف أو تبديل أو نسيان، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها. هذه النظرة العامة، قد تمّ البرهان عليها عن طريق استخدام الادوات العلمية التطبيقية في عالم الرياضيات المعلوماتية، [قاعة المسجد الكبير بجيسيو ( Jussieu, Paris VI,1985 )]، أمام جمهور من العقلاء الاجانب، الذين يقتنعون بالعمل العقلى التطبيقى، ومنها ما جرى بالمغرب، حينما قدّمت الفكرة ضمن محاضرات، ألقيت في مؤسسات علمية بالمغرب،مثل كليات العلوم بالمدن الجامعية ، المدرسة المحمدية للمهندسين،...... )، وفي مناسبا علمية أكاديمية(مؤتمرات وندوات دولية) . الملاحظة الثانية: [ الاعجاز االعلمى في القرآن والسنة ورابطتهما بالبحث العلمي] فضلا عن ذلك، فإننا نعتبر أن بحوث الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ليست هدفا بحد ذاتها، بقدر ماهي وسيلة للتأكيد على ربانية التنزيل ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلّم وأن ما جاء به القرآن الكريم لدليل واضح المعالم، يمكن الاستفادة منه في أعمالنا العلمية والتفكرية والتجريبية، لأنه يمثل علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين. الملاحظة الثالثة: [الاعجاز العلمي وتوليده لقوانين علمية جادة] حينما نريد إبراز الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فإن الامر يتعلق بمحتوى القرآن الكريم، وهذا بالطبع يتطلّب منا أو من غيرنا في الزمكان الانساني، القيام بدراسته(القرآن الكريم) دراسة علمية جادة، بعيدا عن مطبات مسيرة الانسان العشوائية في التاريخ، واستخراج القضايا العلمية التى لم يعرفها التاريخ البشري من قبل، بحيث تكون العمليات ترتكز على قوانين تطبيقية يفهمها كلّ واحد على حسب تخصّصه في شتى ميادين المعرفة، ولا ترتبط بتاتا بهوى الشخص أو بإيديولوجياته التى أصبحت في سلّة المهملات(مع الأسف على ضياع أحلى عمر الانسان فيها). الملاحظة الرابعة: [ الجمود التفكري لبعض أصحاب الشهادات من العلامات البارزة والمحزنة في وطننا الكبير، أنك إذا طرحت فكرةً جديدةً في محافل علمية ، أو في مؤسسات جامعية، أو مع فئة من المدبلمين( كما يسميهم الدكتور المهدى بن عبود نسال الحق سبحانه وتعالى أن يتغمّده برحمته)، ترى في وجوههم الرفض المطلق، ويصبحون مع مرّ الايام عناصر مجنّدة لحماية مصالحها الفكرية، خوفا من الانهيار وضياع الامتيازات الادارية والمجتمعية وحتى السياسية. ربما كان السبب على حدّ قول بعض "الأساتذة" أن ذلك كان نتيجة بحثهم عن زويا جديدة ليتحصّنوا بها، حتى لا يظهروا ضعفهم وهوانهم، وافتقادهم لروح البحث والتجديد في شتى ميادين المعرفة، وخاصة حينما يتعلّق الامر بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، أو العمل في مناحيهما المتعددة. الملاحظة الخامسة: [ الانسان والمعرفة العلمية بالاعجاز العلمي] يلزم على كل من أراد السفر في عالم نقد أطروحة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، أو التشكيك في صحتهما الاعجازية، أن يكون على مستوى جيد في عالم المعرفة التطبيقية خاصة، على اطلاع بهذا الحقل المعرفى الكوني عامة، حتى يكون مؤهلا للخوض في مناقشة العاملين في هذا المجال الكوني، لا يبقى منحصرا في المادة التى كتبها على ورقة الامتحان، من أجل الحصول على شهادته الجامعية. الابتعاد عن الهجوم الوقائي المتمثل في جمل غريبة الاطوار، ليس لها مكان في فضاء العلم والمعرفة والحوار العلمي الجاد، وغير متناسقة الافكار وشعبوية، كما نقرأ ذلك في حديث الاستاذ الكريم العبارات الآتية أ: بلاد العربان والمسلمين، حيث تسود ذهنية الغرور والتعالم ب :وجد المنخرطون في تيارات الإسلام السياسي، حلا للتعويض عن سيكولوجيا التخلف وشعور المسلمين بالمهانة أمام تقدم الدول القوية.... ج: يحكّوا لحاهم بعض الوقت ويحملقوا في نتائج العلوم المذهلة، وعوض أن ينحنوا احتراما لقوم بذلوا كل وقتهم من أجل العلم وراحة البشرية: - : يصيحون بجهالة تقرب من حالة الأمية المطلقة : هذا موجود في القرآن ! سبحان الله ما أعظم الخالق ! - : يسارعون إلى نشر اكتشافهم العجيب في وسط يعاني من كل أنواع التخلف المؤطرة باستبداد سياسي مزمن. أظن – والله أعلم- أن هذا الاسلوب قد محته عقول جيل الألفية الثالثة، لأنهم فطنوا للديماغوجية التى طُبّقت عليهم ، ولم يعودوا يفكّرون في وقتنا الحاضر بأسلوب الالفيات الماضية. إذن، لا بد من إتقان اللغة المستعملة في الحوار العلمي الرصين، وتعلّم المنهجية الإحسانية-الإبداع المادي واللامادي الذى يراقبه رب العالمين- في عالم العلم والابداع والعالم الرقمي، فضلا عن معرفة القضايا المادية التى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- معرفة طريقة التفكير والتفكّر في الخوارزميات المستخدمة. 2- معرفة التقنيات المستعملة في عالم الحوار الشامل. 3- الابتعاد عن الكلام الشعبوي والغريب عن حقل العلم والمعرفة 4- الاطلاع على المهارات المستعملة في البحث العلمي المخبرى. 5- على علم بالمنهجية المتّبعة في دراسة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة،وضوابطهما، والبرهان عليهما، وإقامة الدليل عليهما بنماذج تطبيقية، وباستخدام المكممتين: مكممة الوجود، ومكممة الوحدانية. 6- تقييم النتائج وإعادة مناقشتها. الاخطاء العلمية المرتكبة من طرف الاستاذ الكريم احمد حصيد نظرا لكثرة الاخطاء العلمية والتاريخية والانسانية التى ارتكبها الاستاذ الكريم، أثناء حديثه عن الاعجاز العلمي في القرآن الكريم، فإننى أقدّم زمرة جزئية منها، حيث أقوم بقراءتها مرتبة من الناحية العلمية، حسب النوافذ الاتية: النافذة الأولى: القرآن الكريم والعلم وتشجيعه للبحث العلمي لقد أولى الإسلام للعلم - منذ بداية مسيرته- عناية خاصة، وكان للدين نفس مكانة العلم تقريبا، إذ كّرم العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء ،فأصبح التفاضل بين الناس مرتبطا بالعلم ،حيث يقول عزّ وجلّ في كتابه الكريم : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ( الزمر – 9) هؤلاء العلماء هم وحدهم الذين يدركون عظمة ربّ العزة ، وهم الذين يخشون الله أشد خشية بصريح الآية الكريمة : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( فاطر – 28 ). كما نبّه القرآن الكريم الناس إلى العلم ، حيث استخدم هذه اللفظة ومشتقاتها فيما يقارب 614 مرة ، ولخّصها في الآية الكريمة الأولى التي تحثّ على القراءة والتعليم مصداقا لقول ربنا عز وجلّ : " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ّعلم الإنسان ما لم يعلم "( العلق – 1 ،5) . بجانب ما سبق ذكره، نلاحظ أن الإسلام لم يترك العلم طليقا، بل وضع له شروطا كي يكون علما نافعا ، والمقصود بالعلم النافع في ديننا الحنيف ، هو الذي يجعل الإنسان واعيا بدينه ، يراعى حقوق ربّه في سلوكياته ونشاطاته سواء منها المادية أو الروحية ، ويعمل على حلّ مشاكل البشرية من أجل سعادتها ، فتنتفع الأمة بقيم هذا الإنسان الواعي، وتستثمر طاقاته الإبداعية في المشاريع التنموية البنّاءة والهادفة . فعن معلّم البشرية محمد (ص) : [ازدد عقلا تزدد من ربك قربا ]، فقال أبو الدرداء (رضي الله عنه) بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وكيف لي بذلك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: [ + اجتنب محارم الله تعالى + وأدّ فرائض الله تعالى تكن عاقلا + واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل في أجل العقبى بها من ربك عزّ وجلّ القرب والعزّ . ] (1) وعندما نتحدث عن العلم، فإنّنا نأخذه في بعده الشمولي الذي يتطرق لعالم الغيب والشهادة، مجال الإيمان بما ورد من شروط في كتاب الله عز وجل، ومجال الماديات واللاماديات المبثوثة في الكون ، والتي تتضمن علوم الفلك والكيمياء والرياضيات والفيزياء وعلوم الطبيعة والجيولوجيا وغيرها، مما يقوم على الملاحظة، والتجربة، والاستنتاج، الذي يزخر بها القرآن الكريم في آيات متعددة. فكلما دخل الإنسان عصر الاكتشافات العلمية، من تكنولوجيا المعلومات، وتكنولوجية العالم الافتراضي و النانومترى الذي يسمح بمراقبة القضايا الدقيقة والصغيرة جدا ، وامتلك الأجهزة المتطورة من أجل القيام بالبحث العلمي، وتمكّن من حشد عدد كبير من المعطيات ، كانت النتيجة بالنسبة له ظهور الحقيقة في سمائها الصافية ، وحدوث مفاجأة تجلّي أنوار الوحي الإلهي ، الذي نزل على نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام منذ قرابة خمسة عشر قرنا . الخطأ الثاني: وهو المرتبط باستحالة وجود تقاطع بين القرآن الكريم والبحث العلمي هنا أدعو الاستاذ الكريم لقراءة ما هو مطروح أدناه، لفهم ما يدور داخل القرآن الكريم، أوجز ذلك في الملاحظة الآتية: إذا قمنا بدراسة معمّقة للقرآن الكريم، فإننا نجده يحث المسلم على طلب العلم ومعرفة حقائق الوجود ، ويبيّن لنا أن امتلاك أسباب الرقي والتقدم يمر عبر تعلّم العلوم ، مصداقية هذا الكلام، نجدها في عدد من الآيات القرآنية التى وردت في القرآن الكريم، حيث تجاوزت 796 آية ، وجاء ت بعد ذلك الآيات التى تشكل أرضية البحث العلمي ،التي تهدف إلى الاهتداء إلى وسائل الإفادة من الحقائق العلمية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : 1 -الرؤية: وقد ذكرت في القرآن الكريم 324 مرة مع مشتقاتها ، كما يقول رب العالمين: " فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربّي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين" ( الأنعام – 76 ) إنها إشارة لتحليل التراكمات المعرفية وربطها بما هو في وضع الإدراك ، عن طريق استخدام العقل 2– النظر: ذكرت في كتاب الله عز وجل 108 مرة بمشتقاتها " انظر كيف نصرّف الآيات لعلّهم يفقهون " ( الأنعام – 65 ) 3– الإبصار:وقد ذكرت في 96 آية بمشتقاتها " فإذا برق البصر، وخسف القمر وجمع الشمس والقمر " ( القيامة – 7 ) 4 – العقل: ذكر في القرآن الكريم 49 مرة " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون " ( الأنبياء – 10 بالإضافة إلى مصطلحات أخرى ، مثل : القلب ، الفؤاد ، التدبر ، الرشد ، الذكر، الحكمة إلى غير ذلك من المصطلحات التي تصب في نفس الإطار . أما معلم البشرية محمد(ص) فيقول: [ باب من العلم يتعلمه المرء خير له من الدنيا وما فيها]( رواه ابن حبان ) وهناك أخطاء معرفية ونفسية، وقع فيها الاستاذ الكريم،نوجزها في ومضات على الطريق، نستعرضها في المحطات الآتية: • يقول الاستاذ:[إن الإيمان الديني لا يخضع لمنطق علمي تجريبي أو رياضي قطعي، ولا لحساب وقياس مادي، ولو كان الأمر كذلك لآمن أهل الأرض جميعا، لأن هذا النوع من الأدلة لا وجود له على الإطلاق في مجال الغيبيات والميتافيزيقا] الجواب على هذه الفكرة: يكفى أن تسأل علماء الغرب (قلت مفكروا الغرب)الذين اعتنقوا الدين الاسلامى، ومنهم رائد الحركة الماركسية في العالم، روجى كارودي، والعالم الفرنسي في الفيزياء الكونية • يقول الاستاذ:[ لقد عرف المسلمون ازدهارا نسبيا في العلوم الطبيعية والرياضيات والطب والهندسة خلال القرون الأربعة الأولى من تاريخ الحضارة الإسلامية، لكنهم خلال تلك الفترة كانوا يقومون بأبحاث علمية حقيقية، وكانوا يساهمون في تجديد المعارف العلمية وتطويرها، كما كانوا يقومون ببعض التجارب، و لم يكونوا يفعلون ذلك انطلاقا من القرآن، بل انطلاقا من النظريات العلمية التي خلفها علماء وأطباء أمثال فيتاغورس وجالينوس وأبقراط وديمقريطس وبطليموس وغيرهم] الجواب على هذه الفكرة، تكون من خلال موقفين متناظرين: نعم ولا، الجواب ب "نعم"، لأن حركة العلم عبارة عن سليسلات مرتبطة مع بعضها البعض، ولا يمكننا أن نقطع حركة التاريخ الانساني. الجواب ب "لا"، لآن ما قام به المسلمون، هو أن قراءتهم لهذه العلوم كانت بمنظار القرآن الكريم والسنة النبوية، كارضية تمثل علم اليقين وحق اليقين وعلم اليقين، فكانت نتيجة هذا العمل، بعض التصحيحات التى قاموا بها، نذكر منها: 1-تصحيح عبد الرحمن الصوفي لفكرة العالم بطليموس( Pteléméo ) الاسكندراني الذى ادعى أن الارض هي مركز الكون، فقال الصوفي: قال لا يمكن ذلك، لأن خالق هذا الكون أخبرنا في كتابه العزيز: لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" 2-تصحيح ابن الهيثم لنظرية الرؤية،حيث كان علماء الاغريق يظنون أن العين ترسل أشعة من أجل رؤية الأجسام، فقام ابن الهيثم وصحّح هذه الفكرة بنظريته المعاكسة، حيث قال : بأن الاجسام هي التى ترسل الاشعة وتلتقطها العين، ومنها إلى المخ ، وذلك من خلال الايات العديدة التى تدعو إلى النظر في السماوات والارض. 3-تصحيح علماء الاسلام لفكرة الكون الذى كان يعتبره السومريون والاغريق عبارة عن كرة أعلاها، النهار والسماء وخزّان المياه، وأدناها، جهنم وخزانات الظلمات، فكان الاسلام خير معين لتوليد علم أطلق عليه إسم علم الفلك. -اللائحة تطول في سرد الاحداث. • يقول الاستاذ الكريم:[لقد عرف المسلمون ازدهارا نسبيا في العلوم الطبيعية والرياضيات والطب والهندسة خلال القرون الأربعة الأولى من تاريخ الحضارة الإسلامية، لكنهم خلال تلك الفترة كانوا يقومون بأبحاث علمية حقيقية، وكانوا يساهمون في تجديد المعارف العلمية وتطويرها، كما كانوا يقومون ببعض التجارب، و لم يكونوا يفعلون ذلك انطلاقا من القرآن، بل انطلاقا من النظريات العلمية التي خلفها علماء وأطباء أمثال فيتاغورس وجالينوس وأبقراط وديمقريطس وبطليموس وغيرهم، وهذا ما أثبتوه في كتبهم وأبحاثهم، ولم يسبق لأحد منهم أن قال إنه اكتشف نظرية علمية ما من الدين، أو انطلق من قناعات أو نصوص دينية لكي يبحث في العلوم]، الجواب على هذا الفكرة، تقتصر على دعوة الاستاذ عصيد لقراءة مخطوطات علماء المسلمين بنفسه كي يتعرّف على المقدمات في الابحاث التى كانوا يقومون بها وأخيرا وليس آخرا، أدعو الاستاذ الكريم، إلى إعادة قراءة القرآن الكريم والسنة النبوية، في معزل عن نظارات الغرب، ويستعمل طل طاقة عقله من أجل الحوار معهما. وأنا واثق من أن الاستاذ المحترم، سيصل إلى الحقيقة العظمى، الممثلة في توأمة الاسلام والعلممن جهة، وعلى أن الدين الاسلامي هو المنقذ من الضلالة، قبل أن يحاسب الله تعالى عبده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلي سليم، فهل جاء الوقت لمحاسبة أنفسنا قبل أن نحاسبوا؟