بمجرد ذكر حقوق الإنسان ينصرف الذهن إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره الإطار المرجعي الذي يتم الاحتكام إليه لتصنيف من يحترم حقوق الإنسان،ومن يخرقها وطبعا تأتي الدول الإسلامية والعربية على رأس الدول التي تسيء إلى تلك الحقوق،وتدرج عادة ضمن اللائحة السوداء الحقوقية العالمية،وتحظى بتنديد كوني في هذا المجال بالذات،وأصبح مواطنوها ينتظرون بشوق كبير تقارير عن بلدانهم علها تتراجع قليلا عن ممارساتها غير اللائقة بخصوص حقوقهم،أو تمكنهم على الأقل من التنفيس عن حنقهم خاصة عندما يدركون أن هناك جهات تهتم بهم،وبأحوالهم،ويشكل ذلك التقرير مادة دسمة تتناولها الصحف بالتحليل والتفسير بتفصيلات مملة تستمر لأسابيع أو شهورا،وبما أن الحكومات المستهدفة ليست بذلك الغباء الذي يجعلها سلبية إلى درجة الاستسلام لما ورد في تلك التقارير فإنها تعمد إلى الترخيص لجمعيات،أو منظمات،تسمى حقوقية أو تصنعها صنعا، حتى تكون في موقع يؤهلها للرد على الاتهامات،والتحاملات،كما تسميها،وهكذا يجد المجتمع نفسه قد دخل في مرحلة موضة حقوق الإنسان بكل مظاهرها بتوجيه رسمي مصطنع يقصد بالأساس إلى تلميع الصورة لدى المراقبين الدوليين،وإلى الحصول على شهادات مخففة اللهجة في الأعوام المقبلة. "" ما تشهده بلادنا من مظاهر الاحتجاج يدخل ضمن فهم موضوي للحقوق،ويقصد من ورائه كثيرون التأسيس لتميز نضالي وطني وربما دولي،وفي كثير من الحالات لايكون الأمر يتطلب الاحتجاج على مطالبات ما،بل مفاوضات بسيطة قد تحقق المراد، وكم من الحقوقيين يتفاوضون وفي أنفسهم أمنية وحيدة هي ألا تتم الاستجابة لمطالبهم فيكون الوقوف،والاحتجاج،وبالتالي الشهرة،والنجومية.مثل هذا التفكير بهذه الأهداف،يفتعل الأزمات،ويذكي التوترات عوض البحث عن السبل الكفيلة بإيجاد الحلول الموضوعية للمشاكل الحقوقية الحقيقية. كان من المفروض أن نستورد قوالب حقوق الإنسان ونملأها بما يتماشى مع أخلاقنا وقيمنا،التي ترفض السب والشتم،والقذف في أعراض الناس، أو التحريض على الخروج على مألوف العادة الحميدة،والوقار،وحسن الخلق، أو الدعوة إلى مساواة مارقة لا اعتبار فيها لعالم،أو ولي،أو أستاذ،أو طبيب ...الخ. فمرات عديدة يحصل أن تجد مريضا يتدخل في اختصاصات طبيب،أو جاهل يفرض رأيه على عالم، وكل ذلك تحت يافطة حقوق الإنسان مما يقلب الموازين الاجتماعية،ويخلق فوضى عارمة ، في حين أنه في البلدان العريقة ديمقراطيا تنبني العلاقات بين المسؤولين والشعب على أساس الاحترام المتبادل،وعدم التداخل في الأدوار الموكولة لكل فرد حسب اختصاصاته،أما عندنا فالحمد لله كلنا نفتي في السياسة،وفي الدين،وفي البر،والبحر،وباختصار لقد فهمنا أن حقوق الإنسان تمنحنا موسوعية في قلة الأدب،والتجرؤ على مبادئنا الدينية، والأخلاقية، فلا الصغير يحترم الكبير، ولا التلميذ يحترم المدرس،واعتبرنا الحياء منقصة رغم أنه شعبة من شعب الإيمان. لانتوانا طبعا،وكلما سنحت لنا الفرصة،للحديث عن معاناتنا الحقوقية في تحميل المسؤولية للحاكمين،في حين أننا نحن(الشعب) الذين نستمريء الاعتداء على مصالح الناس بالرشوة،والإتاوات، ونرسخ فينا وفي أبنائنا النزعات الانتهازية،ونكرههم في وطنهم،في حين يقدم آخرون أبناءهم قربانا لتلك الأوطان،ونشككهم في تراث آبائهم،وأجدادهم، وقد يصل الأمر إلى دينهم،معتقدين أن حرية التفكير،والتعبير تفرض ذلك. لقد فهمنا حقوق الإنسان كما فهمها شخص تخصص في تدريس لغة أجنبية،فأقنع نفسه بأن كل تصرفاته يجب أن تكون أجنبية،مأكلا وملبسا، ومشية،وإلا فلن يفلح في مهمته،ونسينا أن منبع حقوق الإنسان يصدر عن الإيمان الحقيقي الذي يدفع إلى البحث في الكتاب والسنة عن كنوز حقوقية مبنية على احترام الحياة،والأعراض،والملكية، والاتصاف بالإيثار، والعناية بالمسكين،والفقير، وحسن الخلق كأسمى تجليات احترام الآخر، ونفس الإيمان يرتقي بالحقوق لكي تكون تطبيقات عملية،وليس مجرد توصيات،أو موضة ببهرجات زائفة،توظف لتضليل الرأي العام،الوطني والدولي. إن الشعوب هي من تفرض إيقاعاتها على الحكام،ومن المؤكد لو أن حاكما عربيا قدر له أن يقود شعبا غربيا،فلابد أنه سيسير على طريق ذلك الشعب،بل أكثر من ذلك فجل أبناء جلدتنا الذين هاجروا إلى دول غربية للعمل،واستقروا هناك،تمثلوا القيم الديمقراطية لتلك البلدان وأصبحوا أناسا آخرين، أما أولئك الذين أخذوا من حضارة الغرب أحسنها،وحافظوا على قيمهم الدينية،وتقاليدهم الجميلة تميزوا أكثر. عندما تصبح لدينا الجرأة الكافية لممارسة نقد ذاتي تجاه أنفسنا، والقناعة الراسخة بأن حقوق الإنسان التي لا تنطلق من الإيمان،وخوف الله تعالى، ليست سوى مزايدات سياسية،ذات أهداف مبيتة، ستظل تدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها،ومن أوكد الأمور أنه ،توازيا مع المطالبة، بالحق يجب احترام الواجب،والواجب لن يحس به أحد دون سلامة ضمير،وحب للوطن،والبشرية جمعاء.