تعتبر عدد من الفعاليات المهتمة بالقضية التعليمية أن إصلاح المنظومة التربوية لم يكن استجابة لنداءات داخلية صرفة فحسب، بل حصل بتعليمات خارجية كذلك، ويعززون طروحاتهم بكون الميثاق الوطني للتربية والتكوين تضمن مؤشرات دالة وخاصة في شق التعليم الجامعي، بأنه جاء تتويجا لضغوطات قوية مارسها صندوق النقد الدولي، وأمليت على الفاعل السياسي لتأييدها مشروعا وجبت المصادقة عليه في صمت. "" وبعد استنفاذ الإصلاح الجامعي المدة المخصصة لتجريبه ومن دون دراسة تقييمية له تم الإعلان عن فشله من قبل الدوائر الرسمية العليا، وفي إنتظار إخضاعه لعملية جراحية قيصرية يبقى معمولا به اليوم في جامعاتنا المغربية دون تسريع في عملية الإصلاح، ولعل أي عملية إصلاحية قد لا تنجح ما لم يتم تطبيق مبدأ الحكامة الرشيدة بضوابطها العلمية، أي إشراك الفئة المستهدفة من الطلبة والأساتذة والأطر الإدارية بشكل موضوعي وديموقراطي، وهو ما لم يعتمد سابقا بحيث ظلت الحكامة شعارا مفرغا من أي معنى، الواقع الذي أوجد الإصلاح الجامعي في موت سريري. ومنه فإن أي عملية لترميم الإصلاح الجامعي لا تؤتي أكلها ما لم تتم استشارة موسعة حولها للطلبة والسادة الأساتذة وإشراك كافة المتدخلين نحو تعبئة شاملة، من شأنها منح عملية الإصلاح مصداقية وشرعية واسعة تدعمه لتحقيق رهاناته الكبرى، ولتفادي خطوات غير مرغوب فيها، وغير مسنودة بدراسات علمية أو عملية تجريبية قبلية. ومثيل هذه الإختلالات هي التي جعلت الطلبة يعلنون رفضهم القاطع لمقتضيات الإصلاح معتبرينه هدية مسمومة ضد مكتسبات ونضالات الجماهير الطلابية خاصة والشعب المغربي عامة، مادامت ملامح توجهاته تسعى إلى خوصصة التعليم العالي وضرب لمجانيته في كافة الأسلاك، والمس بمبدأ دمقرطة التعليم وتكافؤ الفرص وفق رؤية تعادلية تتيح الفرص لكافة الشرائح الاجتماعية. واعتبروه فاقدا للشرعية ما لم ينبثق عن الجماهير الطلابية، بل بني لإفراغ الحرم الجامعي من الوعي والحس النضالي، وقزم وظيفة الطالب في التلقي السلبي، اتهم جامعة النضال بمؤسسات الشغب الفكري والاجتماعي والسياسي انطلاقا من مقاربة الهاجس الأمني، مقاربة كانت كفيلة بأن تحول ما تبقى من حراك الساحة الجامعية إلى مؤسسات تفريخ العطالة. أما من الناحية البيداغوجية فإن الإصلاح الجامعي في توجهاته الكبرى آلية أريد بها تركيع الجامعة وسلطة المعرفة للمؤسسات المقاولاتية، حين يعمد إلى تكوينات تجعل من الطالب كائنا آليا أو ربو إنساني لا يعصى أمر المقاول شيئا، ومتطلبات سوق الشغل، دون تمكينه من آليات استيعاب التحولات الدولية والإقليمية والوطنية سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وحيث أن تطبيق الإصلاح الجامعي كان قسريا وفُعِّل كرها على الطلبة والأساتذة دون إشراكهم الحقيقي في صنع بنوده، ومن دون أن يعبر عن حاجياتهم وطموحاتهم، زد على ذلك التسرع والارتجالية في أجرأته حوله ذلك إلى مغامرة غير مضمونة النتائج في مستقبل جيل بأكمله لا يزال ينتظر حلا لمستقبلهم التعليمي، بعدما تأكد فشل الإصلاح كما وكيفا. وبمناسبة إدخال الإصلاح الجامعي لغرفة الإنعاش تمهيدا لخضوعه لعملية قيصرية، فإن الأمر بات يستدعي إشراك المعنيون المباشرون في الأمر لإخراج المنظومة التعليمية من القمم. عبد الفتاح الفاتحي [email protected]