إن ما يجري في مصر ليس محض الصدفة ولا هو مؤامرة من فلول النظام البائد ضد الثورة ونتائجها . قد يستغل الفلول كل فرصة لكنهم لا يستطيعون صنعها . والذي صنع فرص الانقضاض على الثورة وسرقة ثمارها ، إنما هم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، قيادة وقواعد . وقد بدأ التخطيط لهذا الانقلاب الدموي الذي أسقط وسيسقط مزيدا من الشهداء والجرحى ، منذ أن أخلفت قيادة الجماعة وعودها بعدم الترشيح لرئاسة الجمهورية ؛ وسيكشف عن أبعاده الاستبدادية عندما هاجم الإخوان شباب الثورة في "جمعة الحساب" وحطموا منصة الخطابة بكل معداتها ، وعاثوا ضربا وتعنيفا في صفوف الذين تجمعوا لمحاكمة أداء الحكومة خلال مائة يوم من تنصيبها . وجاءت أحداث الاتحادية كنتيجة حتمية للسعار الذي أصاب الإخوان إثر صدور الإعلان الدستوري حيث انطلق مؤيدو مرسي أمام قصر الاتحادية يوم 23 نوفمبر الماضي يصيحون "أفرم.. أفرم"، في دعوة منهم إلى تكرار تجربة السادات مع معارضيه . فما يحدث في مصر هو نتيجة حتمية للشعار الذي رفعه العلمانيون واليساريون والليبراليون والإخوان إبان الثورة "الضرب معا والسير على حدى "، دون استشراف مآلاته مستقبلا بعد سقوط النظام . ويقضي هذا الشعار أن تتجاوز هذه الأطراف خلافاتها الفكرية والإيديولوجية ، وتوحد جهودها ضد نظام مبارك باعتباره العدو المشترك قصد إسقاطه ، وبعد ذلك لكل منها وجهته ومخططاته ومشروعه . خلال هذه المرحلة لم تطف الخلافات الإيديولوجية على السطح ولم تكن عائقا أمام تكاثف جهود التيارات السياسية والإيديولوجية التي تركزت على هدف واحد هو إسقاط مبارك . بعد تحقيق هذا الهدف ، ظهر الإخوان على حقيقتهم كقوة منظمة تريد السيطرة على السلطة والانفراد بها . وساعدها في تحقيق مبتغاها أن باقي القوى السياسية غير منظمة وليست على كلمة سواء ، إذ تنافسوا فيما بينهم على الرئاسة فخسروها لصالح الإخوان ، وتنافسوا على العضوية في مجلس الشعب فخسروها لصالح الإخوان ، ثم تنافسوا على العضوية في التأسيسية فخسروها لصالح الإخوان . كل المؤسسات إياها سيطر عليها الإخوان والسلفيون الذين عرفوا كيف يوزعون الأدوار فيما بينهم و كيف يحافظون على قوتهم ؛ وها هم الآن يهيمنون ويسودون وباستطاعتهم حشد الناخبين للتصويت بنعم على الدستور . هذا هو مآل التحالف غير الطبيعي وتلك هي النتيجة الحتمية لغياب إستراتيجية لدى القوى الديمقراطية على اختلاف مشاربها الفكرية . وما تعرفه مصر من أحداث ينبغي لكل الأطراف أن تستخلص منه العبر . 1 إن التيارات الدينية في العالم العربي لم تنضج بعد ولم تتحرر من النموذج الاستبدادي لسلطة الأمير ودولة السلطان التي يصير فيها الرئيس هو الدولة ، والدولة هي الرئيس . أي يكون الرئيس فوق المؤسسات وصاحب السيادة . 2 إن التيارات الدينية على استعداد للانقلاب على الديمقراطية عند أول فرصة أو محطة . فهي تعتبر الديمقراطية دخيلة على البيئة المسلمة ، وقبولها يظل اضطرارا وليس اختيارا. 3 إن تجربة إيران وليس تركيا تظل نموذجا يغري التيارات الدينية ، سواء في الانفراد بالسلطة وتأسيس الاستبداد أو في إقصاء باقي الأطراف السياسية خاصة التي كانت حليفة خلال مرحلة الثورة . 4 إن التيار العلماني بمكوناته الليبرالية واليسارية يمثل قوة شعبية حقيقة قادرة على التصدي لكل محاولات اختطاف الثورة وسرقة ثمارها ، وليس أقلية كما تزعم تنظيمات التيار الديني . 5 إن التحالف مع التيار الديني لا يقود بالضرورة إلى إقامة نظام ديمقراطي ، بقدر ما يؤسس لاستبداد لم تشهده الشعوب خلال التاريخ المعاصر . 6 إن القوى السياسية والشبابية الليبرالية واليسارية مدعوة إلى تجنب خلافاتها البينية والإيديولوجية والانتقال إلى تشكيل جبهة للدفاع عن مشروعها المجتمعي الحداثي ضد المشروع المحافظ الذي تسعى مكونات التيار الديني إلى فرضه على المجتمع. 7 إن ما يجري في مصر وتونس من عنف وتقتيل ضد شباب الثورة يكرس فرادة التجربة المغربية ونضج شباب حركة 20 فبراير الذين تصدوا لمخططات الركوب على الحركة بغرض تحويلها لنواة ثورة ضد النظام تنتهي بإقامة نظام أشد استبدادا وبطشا على النحو الذي انتهى إليه شباب مصر الذين يخوضون ثورتهم الثانية بشعارات مختلفة عن الأولى "عيش حرية إسقاط الإخوانجية" و"عبد الناصر قالها زمان الإخوان مالهمش أمان" و"يسقط حكم المرشد أنا مش كافر أنا مش ملحد".