ينشغل مجلس الأمن الدولي بتقرير الذي سيقدمه له الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون بشأن مستجدات النزاع حول الصحراء في جلسة خاصة، وذلك بناء على ما سجله المبعوث الشخصي كريستوفر روس خلال زيارته غير المسبوقة إلى المنطقة. وإذ يبحث مجلس الأمن الدولي مسلسل التفاوض حول الصحراء، فإنه يستوعب أزمة شمال مالي ومسألة الأمن والاستقرار الاقليمي في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وهو ما أعاد قضية النزاع في الصحراء ضمن أولويات سلم جدول أعمال الأممالمتحدة. ويبدو أن المقاربة الأمميةالجديدة لتدبير ملف الصحراء ستتم وفق مقاربة شمولية، تضع ضمن حساباتها مسألة التسريع بإحياء مشروع الاتحاد المغاربي، والتطورات الإقليمية الأخيرة في الساحل والصحراء. وتتوضح ملامح التقرير حول الصحراء في طبيعة جدول أعمال المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى الصحراء كريستوفر روس، حينما التقى بالملك محمد السادس ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران التقى بالعديد من الفعاليات السياسية والمدنية. مضامين هذا التقرير، ستتأسس أيضا على أفق العلاقات المغربية الجزائرية كجزء أساسي لكبح تطورات الأزمة في الساحل الإفريقي، حيث يعي المنتظم الدولي أن حل النزاع في الصحراء لن يتم من دون تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية. وأن نتيجة ذلك تقوية التنسيق الأمني بين المغرب والجزائر كجزء أساسي في تنفيذ استراتيجية محاربة الارهاب على المستوى المغاربي والساحل الافريقي. وفي هذا الصدد أكد روس أمام وسائل الإعلام الجزائرية، أنه تم التطرق مع المسؤولين الجزائريين إلى العلاقات بين الجزائر والمغرب و"الخطوات المقبلة" في مسار بناء اتحاد المغرب العربي. وتجسيدا لأبعاد المنتظم الدولي من زيارة روس إلى المنطقة، جسدها قول روس عقب لقائه بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة: "على الصعيد الشخصي أود ان أساهم في التوصل الى حل ينهي النزاع ومعاناة الاسر الصحراوية المشتتة حل يعزز الامن والاستقرار في شمال افريقيا والساحل ويمكن من استكمال بناء اتحاد المغرب العربي". وسينبه روس في تقريره المرفوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة إلى المسؤولية الدولية للمساهمة الإيجابية لإيجاد حل للنزاع في الصحراء، وخاصة استيعاب حقيقة الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر، حيث أن مسألة تطبيع العلاقات بين البلدين وفتح الحدود البرية. في ذلك السياق كانت رسالة الملك محمد السادس واضحة في خطاب المسيرة الأخيرة حيث أعاد التأكيد على أهمية فتح الحدود مع الجزائر وتطبيع العلاقات في أفق التسريع ببناء الاتحاد المغاربي. إن استيعاب كل هذه الأبعاد المتدخلة في مسألة النزاع حول الصحراء تستدعي توسيع جدول أعمال لقاءات روس، وهو ما قام به في الجزائر وموريتانيا الدول الملاحظة في المفاوضات حول الصحراء. فبالإضافة إلى اجتماعاته الرسمية في موريتانيا كان لقاءه في قصر المرادية مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، واجتماعه ايضا بالمنتخبين الجزائريين. إن مدعاة هذه اللقاءات الموسعة لروس جاءت أيضا متناغمة مع توصية مجلس الأمن الدولي الواردة في تقرير 2012 حول الصحراء، لاسيما الفقرة رقم 17 منه:"سعى المبعوث الشخصي إلى الصحراء، خلال لقاءاته، إلى الحصول على دعم مجموعة الأصدقاء لفكرتين كان قد أطلع المجلس عليهما في 26 أكتوبر 2011، وهما: التشاور والتحاور مع شريحة عريضة تمثل أهالي الصحراء الغربية؛ وإجراء مشاورات مع مجموعة الممثلين المحترمين من المغرب العربي بشأن الصحراء الغربية". ومعلوم أن التقرير الأخير لكيمون حول الصحراء يعترف صراحة بتقلص الصبغة الدولية للنزاع في الصحراء مند سنة 2003، وهو ما جعل المبعوث الأممي كريستوفر روس يقترح جديدا في مجال استقاء آليات الحل من خلال التشاور مع ما يسميه تمثيلية محترمة من المغرب العربي. وهو بذلك يعيد التأكيد على ضرورة تقليص الصبغة الدولية لقضية الصحراء بعيدا عن المنتظم الدولي والاتحاد الإفريقي لحصرها على المنطقة المغاربية فقط. ويعد هذا الخيار قد لقي تأييد مجلس الأمن الدولي حيث شجع الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثه الشخصي بمواصلة الحوار مع الطرفين بشأن هذه الفكرة إضافة إلى التشاور مع تمثيلية عن الصحراويين. والأكيد أن هذا التقرير التركيبي فضلا لما يعتبر آلية تقييمية حول مدى تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير الأخير حول الصحراء الصادر في أبريل 2012، وكذا التوصيات التي وردت في التقارير السابقة، ولاسيما التوصيات المتعلقة بمسار المفاوضات، فإنه يتضمن خلاصة تقارير زيارات مبعوثين أمميين إلى الصحراء، ومنه تقرير "خوان مانديز" المقرر الأممي الخاص بمناهضة التعذيب الذي زار المنطقة منتصف شتنبر الماضي. وبذلك يعد هذا القرار حلقة حاسمة في ملف النزاع حول الصحراء، حيث سيتضمن توصيات بالضرورة ستدفع في اتجاه ممارسة مزيد من الضغط على كافة الأطراف، وسيتبنى مجلس الأمن الورقة الحقوقية لممارسة مزيد من الضغط على الأطراف في اتجاه التعاطي الإيجابي لإيجاد حل للنزاع في الصحراء. ومن شأن هذه التوصيات أن تدفع بمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات تضغط على الأطراف للدفع بمسلسل المفاوضات نحو ايجاد تسوية، تعد اليوم اساسية لكبح نفوذ الجماعات الاسلامية في منطقة الساحل والصحراء، ومن جهة أخرى لأن جبهة البوليساريو صارت مرتعا خصبا لتحول العديدين من شباب المخيمات نحو الفكر الإرهابي. ويبقى تقرير زيارة روس جد معني بتحديد العراقيل التي أعاقت إحراز تقدم حقيقي خلال السنوات الخمس الماضية من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، في أفق أن يقترح رؤية لبعض الأفكار والآراء لاستخلاص سبل أخرى كأساس للتفاوض. وإن يكن روس قد عبر عن التزامه بالشق السياسي لمهمته بعد زيارته إلى الصحراء في أفق تطوير سبل جديدة للدفع بمسلسل التفاوض إلى الأمام، إلا أنه سيدعم أيضا تنفيذ باقي توصيات تقرير 2012 حول الصحراء ومنها توصية حرية زيارة المراقبين والإعلاميين الدوليين للصحراء دون قيد أو شرط، وهي التوصية التي تمس رمزية السيادة المغربية على تراب الصحراء، فضلا عن ممارسة المزيد من الضغوط الحقوقية في أفق توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو". وعلى الرغم من ذلك، فإنه يتوقع أن تشكل مسألة حقوق الإنسان أحد النقط الشائكة في مناقشات مجلس الأمن الدولي على خلفية تقديم تقرير روس حول الصحراء مصحوبا بتقريري كنيدي حول حقوق الإنسان في الصحراء وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية، مما سيزيد من شدة الضغط الحقوقي على المغرب، قد لا يجد له قدرة على مقاومته سوى اللجوء الى الفيتو الفرنسي لوقف أي قرار يتحرش برمزية سيادته الترابية على الأقاليم الجنوبية. ٭باحث متخصص في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية [email protected]