الهجرة عبر الصحراء لم تعد حكرا للتداول ضمنها وسك مكاتب الساسة المغاربة، و لا موضوعا حصريا لتقارير الجمعيات الحقوقية الراصدة للظاهرة بمعيّة سلوك الدولة في التعامل معها.. أو هذا على الأقل ما ظهر ضمن حفل الافتتاح الخاصّ بالدورة التاسعة من المهرجان الدولي للفيلم عبر الصحراء، عشية يوم أمس، بقاعة العروض لدار الثقافة وسط مدينة زاكورة. أحمد شهيد، رئيس جمعية زاكوة للفيلم عبر الصحراء، قال ضمن تصريح لهسبريس إنّ تحول المغرب من دولة عبور للمهاجرين غير النظاميين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى كي يغدو دولة إقامة.. "يستوجب العمل على التذكير بتاريخ منطقة درعة التي كانت منطقة استقبال لمختلف موجات المدّ للهجرات المتتالية، وهو العامل الذي أعطى تعددا إثنيا ولغويا سِمته التعايش المبرز للهوية الجغرافية على حساب الهوية المبنية على آصرة الدم". مدير الدورة التاسعة للاحتفالية السينمائية الدولية التي دأبت على استضافتها زاكورة منذ العام 2004 زاد، ضمن ذات التصريح، أن طموح جمعيته "يتجلى في في مد الجسور الضرورية حتى يتحول الموعد إلى مهرجان دولي فعلي؛ بما يقتضيه من من إنتقاء دقيق للأفلام المشاركة ومسابقة رسمية تنافسية ولجنة تحكيم.." ما سينعكس على نوعية البرمجة التي تظل، في اعتبار شهيد، أساسا لنجاح كل مهرجان. المهرجان، وهو الذي عرف تأخيرا طفيفا في افتتاح أشغاله بعدما وقف "الحضور الرسمي" ينتظر قدوم عامل الإقليم ببوابة دار الثقافة، رُفع عنه الستار بتكريم الممثل محمد حسن الجندي، الذي جاء مصحوبا برائد التنظير الاحتفالي في المسرح المغربي عبد الكريم برشيد، حيث أدلى بكلمة تعدّد مناقب المكرّم وتذكر الحاضرين بتاريخه، من ولادته بمراكش سنة 1939، مرورا بشروعه في العمل الإذاعي سنة 1957، ومشاركته ضمن افتتاح دار الأوبرا المصرية بملحمة "العهد"، وانتهاءً بأعمال البطولة التي تقمصها ضمن سلسلة الأعمال الفنية التي شارك ضمنها وطنيا وإقليميا ودوليا. ثاني تكريم في افتتاح تاسع دورات المهرجان الدولي للفيلم عبر الصحراء طال المخرج البوركينابي سان بيير ياميكو، وهو الاسم السينمائي الإفريقي المشتهر باشتغاله على مواضيع فيلمية تعنى بحقوق اللاجئين.. ياميكُو، الفائز سابقا بالجائزة الكبرى لمهرجان خريبكة السنمائي بفيلمه "الوطن"، ضمّن كلمة له شكرا لكلّ من سانده ضمن مساره قبل أن يعتبر المغرب "بلدا يعنى بالفنّ والفنّانين أكثر من أي بلد آخر بالمنطقة". وغير بعيد عن موضوع اللجوء، حولت الممثلة السورية لينا مراد قاعة الافتتاح الى فضاء للمشاعر الجياشة.. وجاء ذلك حين تحدّثت الفنانة، وهي المنتمية للجنة تحكيم دورة هذه السنة التي يرأسها المغربي مصطفى المسناوي، عن واقع الاقتتال في سورية باعتبار ضحيّته من النساء والشيوخ و الأطفال، زيادة على "قتلى في أوساط السينمائيّين" وفقا لشهادتها.. لينا لم تستطع حبس دموعها عندما وقف جمهور زاكورة دقيقة صمت وفاء للأرواح التي ذهبت ضحية للتطاحن السوري السوريّ. حفل افتتاح المهرجان تخللته لوحات من رقصات إفريقية، زاوجت بين جمالية الجسد وصراعه لتوفير مستلزمات الحياة، ما أفلح في استدعاء تجاوب الحاضرين.. فيما كان إسدال الستار عن المحطة الافتتاحية بعرض للفيلم القصير "تمثال الرمال" الذي تصل مدّته إلى 15 دقيقة ويعدّ لصيقا بفضاءات واحات زاكورة ومهرجانها باعتباره صوّر بالمنطقة بعدما صيغ السيناريو الخاص به، من طرف ابن زاكورة الحسين شاني، ضمن ورش كتابة احتضنته الدورة الثامنة. الملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء، وإلى حدود الدورة المقامة حاليا والمستمرة إلى غاية نهاية الأسبوع، يعدّ غير تنافسيّ.. لكنه يراهن، كسابق دوراته، على منح الجمهور السينمائي باقة أفلام لها علاقة بالصحراء.. وقد برمجت ضمنه إنتاجات لمخرجين منتمين لكل من فرنسا والجزائر وتونس وبوركينافاصو وروسيا والصين وألمانيا إضافة إلى أفلام أنتجها مغاربة.