قد تفتح العلاقات الخليجية المغربية آفاقا بديلة لمستوى الذكاء الاقتصادي السابق، لاندماج المغرب في شروط العولمة الأنجلو أمريكية، وانغماس الخليجيين في الثقافة الأنجليزية ( الأكاديمي جون ديفي ). وعلى هذا الصعيد يمكن أن يجر مجلس التعاون الخليجي بريطانيا إلى المغرب، لرغبة كبيرة من جانب الرباط في الاستثمار بأفريقيا، والمملكة قاعدة متقدمة خليجية لشراكتها مع مجلس التعاون وأمريكية، لاتفاق التبادل الحر بين واشنطنوالرباط، من أجل وقف النمو الصيني في أفريقيا السمراء. ويعرف المراقبون، أن الخطة الثانية عشر للصين في تحويل اقتصادها إلى الاعتماد على الطلب الداخلي غير موفقة، كما لم توفق الخطة الخمسية العاشرة والحادية عشر، ويشعر الشعب الصيني بالقلق من التكاليف الاجتماعية للصحة والتعليم والتقاعد، فيلجأ إلى المزيد من الادخار. إذن يمكن للرباط من خلال رباعي: المغرب، بريطانيا، أمريكا والخليج وقف المد الصيني، بآثاره الجانبية على غرب أفريقيا وفي الداخل المغربي على مستويات: الاستهلاك، العمل والتجارة المقسطة. والمغرب، حين يصل بشراكاته التجارية والشاملة مع أمريكا والخليج، إلى مستوى متقدم وذكي، سيشارك في معارك جيوسياسات اقتصادية تخوض في رسم مستقبل العالم، ومستقبل المملكة جزء منه، حيث يمكن بإرادتنا تحديد قطعة الكعكة التي نريد. في تقدير كبير لموقعنا، يمكن أن يكون المغرب في قلب استراتيجيات العمل، وربما الصراع، الصيني والأنجلوفوني على القارة السمراء، وأي انفلات ستدفع أجيالنا ثمنه، لأن الصين ترغب في توسيع استثمارها من خلال المزيد من النمو، رغم الآثار الجانبية لذلك، ومن خلال الاستثمار في استرتيجيات خاصة تعرقل مشاريع القوى الأخرى، والافراط في الاستثمار عند الصينيين يربك التوازن في داخلها وعلى صعيد الخارج، خصوصا وأن أفريقيا لم تتوازن بعد، كما لم ترسم خطوط ثقلها، وبعد شهور يمكن أن تقفز الظروف إلى آفاق أخرى، لأن الموقف الخارجي للصين يتأثر كثيرا بالظروف العالمية، حيث تقفز نسبة الفائض إلى الناتج المحلي الإجمالي أثناء فترات رواج الاقتصاد العالمي وتهبط أثناء فترات الركود. وعلى العكس من ذلك تهبط نسبة الاستهلاك الخاص إلى الناتج الوطني الخام، وهو ما يجعل أغلب المحللين يعتقدون بصعوبة بقاء النمو الصيني مرتفعا، لكن في اعتقادي ينزل استهلاك الفرد الصيني في أزمة الخارج، لارتباط عمله ونموه الاقتصادي بما وراء الحدود. وعليه يمكن في لحظة دخول المغرب في قلب الاستراتيجيات الأنجلو أمريكية الخليجية الخاصة بأفريقيا التوجه إلى تقييم آخر، من طرف روسيا والصين، ويحذر أكاديميون الآن، من تحول المغرب إلى بوابة استراتيجية لنفوذ خليجي بريطاني أمريكي، في دراسة صدرت أخيرا حول أفريقيا من جامعة بكين. وفيما أشار تشوشيا وتشوان محافظ بنك الشعب الصيني ( البنك المركزي ) إلى أن الغالبية من العمال الصينيين لم يستفيدوا بشكل واضح من الأرباح المتزايدة لقطاع الشركات، وربما يكون هذا أحد الأسباب في أن الاستثمار الصيني بأفريقيا لم يحسن معيشة المواطنين الأفارقة. وترى الدراسة أن توسيع النمط الغربي في علاقات العمل والشركات، ووجود تمويل خليجي كاف لن يساعد الشركات الصينية على التمدد. وتركز بكين حاليا على وسط وشرق أفريقيا، ووسائل الاعلام مليئة بصور المهندسين يشقون الطرق الجبلية في أثيوبيا والمزارعين الصينيين في زامبيا، لكن سؤال غرب أفريقيا مطروح بحدة في الأوساط الأكاديمية والاقتصادية الصينية، وتعتقد بكين أن الشراكة الأنجلو أمريكية الخليجية المغربية عرقلة "حقيقية وشديدة الفاعلية" لمشاريع الصين في غرب أفريقيا، وتوسيع نمطها الغربي في علاقات العمل والرأسمال سيزيد من صعوبة كل مشاريعها في القارة. أما على صعيد فتح الاستخبارات المغربية لفرع التجسس الاقتصادي، فبكين تنظر إلى الأمر على "أنه في البداية" ومع المستقبل، قد يكون أي تطور للتنسيق بين مجلس التعاون وأمريكا والمغرب، في أفريقيا معرقلا لمشاريع الصين، خصوصا في غرب أفريقيا وشمال أفريقيا، وتواجد الصين وروسيا في الجزائر "ضرورة عمل" في أجندة دولة الصين المعتمدة على تصدير ثقافتها قبل نفوذها الاقتصادي إلى أفريقيا. وفي العام الماضي، تفوقت الصين على الولاياتالمتحدة وأصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا لتؤكد للغرب أنها تقاتل من أجل الحفاظ على نفوذها في الدول الأفريقية. ولأمريكا امتياز كبير بوجود أوباما ذي الأصول الأفريقية في البيت الأبيض، وهذه الفرصة تربط الثقافة الأمريكية بالشباب الأسمر، ويمكن أن تستثمرها آفاق الشراكات المتقدمة لأمريكا، عبر بوابات على المغرب أن يكون إحداها ، أو من خلال ترتيبات مباشرة مع الدول. وعلاوة على ما سبق يجب على الشراكة الخليجية المغربية أن تكون ضمن الشراكة الأمريكية الخليجية، وأن تدعم الشراكة المغربية الأمريكية بعد انطلاق الحوار الاستراتيجي بين الرباطوواشنطن. يمكن استثمار تطور الآفاق، كما يمكن بوارها، والذين يفهمون جيدا خرائط الاستثمار الدولي ل 2030، يعلنون أن المغرب وضع قدمه، وإن انسحب مجددا من السكة، سيفوته قطار أفريقيا، بشكل نهائي. وعلى المغرب في هذا المطاف أن يتقدم في شراكته مع بريطانيا، لخدمة تقدمه المالي، من خلال تعزيز روابطه مع الخليج، الشريك الكبير للندن، ولابد هنا من الوصول إلى شراكة بريطانية مغربية، توازي الشراكات المندمجة والمتداخلة بين أمريكا، الخليج والمغرب. وعلى هذا الأساس، لابد من الوصول إلى مربع آخر من الدينامية الدولية لإنقاذ المملكة المغربية من وضعها المالي والاقتصادي المتأزم بعد تسجيل اختلالات ماكرو اقتصادية، لا يمكن الصمود معها، إلا بتدخل جميع الشركاء. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا تتعاون هذه الشراكات في القارة السمراء، بطريقة تكفل نجاح روح "الشراكة الاستراتيجية" بين بريطانيا، أمريكا، الخليج والمغرب ؟ الجواب يقول: لابد من روح إيجابية ومركبة لخدمة التوازن بين المصالح، وعلى المغرب أن يصل إلى: أ السماح للنمط الانجلوفوني أن يأخذ موقعه كاملا على الساحة الوطنية، وعلى صعيد تطوير وتنفيذ السياسات العامة، كما يتعين أن تعمل الشراكات فيما يصب مصلحة الجميع، ولا يتضرر منها أيا كان، حيث لا يمكن تكرار تجربة الفرنسيين، لطابعها الأناني، كما لا يمكن أن تقدم المملكة على خيارات غير متواضعة، والقدرة على إعادة توجيه المصالح والثقافات تزيد من التحكم في المستقبل. وتعد البنية التحتية القوية في المغرب مفتاح النجاح لتحقيق الأهداف الإنمائية ليس للشعب المغربي، بل للشركاء في أفريقيا، لأن المغرب عليه أن يكون في مستواه الأفريقي أو القاري، وبهذا الخصوص أشار نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة أفريقيا "أوبيا جبلي إيزيكو يسيلي"، إلى خلاصة مفادها: أن البنية التحتية الحديثة تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد، ولا سبيل إلى تحقيق نمو اقتصادي بدونها، كما على المغرب أن يكون في مستوى خدمة الشركاء الكبار لخدمة أهدافه، وهذان المستويان مركزيان في أي خطة للنمو والتنمية على حد سواء. ب السماح للشراكات المغربية مع الأطراف الأخرى الدولية أن تندمج في أهداف إقليمية، لخدمة كل الأطراف، ومنها تكون الأهداف المغربية ضمن "الأجندة القابلة للتحقق" وهذا الوعي البرغماتي كفيل بأن يكون فيه المغرب شريكا إيجابيا متعددا. تقول إحدى دراسات بنك الشعب الصيني، لا يمكن قبول نقل أهداف دولة أفريقية إلى اعتبارها "أهداف الألفية أو أهداف قارة". ويعطي شركاء المغرب الخليجيين والأمريكيين فرصة تحويل أهداف المغرب الداخلية إلى أهداف كبرى، لأن التمكن من غرب أفريقيا فرصة لن تمهل الرباط أكثر من سنتين. وهذا التنافس الدولي كبير وحساس، وستكون الشراكة الإقليمية والدولية والمندمجة فرصة "معتبرة" لطفرة المغرب، لأن المملكة أمام إقليم غني ( الخليج ) وقارة ( فقيرة ) تشهد توسعا حضاريا سريعا، وعلى هذا الأساس نعرف أمورا منها: أ أن دول مجلس التعاون الخليجي لها خبرة كبيرة في مجال البنية التحتية، والمغرب يحتاجها كما يحتاج إلى التمويل بما يصل إلى الغرض المطلوب. واليوم يمكن أن تنطلق الرباط باتجاه أفريقيا، واستثمار الخبرة المتمفصلة مع الشركات المتعددة التي وقعها، من أجل توسيع مكانته واقتصاده. ب أن تصميم البنية التحتية في الخليج العربي تم دون مساعدة صينية، مما يجعله ضمن آليات الغرب في أفريقيا، ويمكن للمغرب أن يكون بوابة مستقبل نمو هذه القارة، من خلال تشغيل قدراته بما يناسب أهدافه الإقليمية. ج استثمارات القطاع الخاص في الخليج، وهو للإشارة متقدم على غيره. د الاستثمارات المالية والبنكية. وبهذه الخبرات يمكن أن يصبح المغرب مركز غرب أفريقيا، في إطار توازنات جديدة تحولت معها أفريقيا جنوب الصحراء إلى "بيئة إيجابية جالبة للاستثمار"، حيث أصبحت نيجيريا أكبر اقتصاد في هذه المنطقة وتعمل حاليا على ضخ استثمارات ضخمة من جانب القطاع الخاص في البنية التحتية. وتأهيل المغرب عبر شركاءه الخليجيين سيضعه في درجة تنافسية متقدمة، إن تمكن القطاع الخاص والخليجي من أخذ موقعه كاملا في الساحة بعيدا عن اللوبيات والريع وتقسيم السوق كما مارسته فرنسا لعقود. ومن المطمئن للغاية أن نقرأ في أبحات "الماستر" بمؤسسته "بريتيش إكسبرتيز" ما يفيد أن المغرب "فرصة في أفريقيا"، وأن الوصول إلى درجة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بما أفاد نيجيريا في المملكة، سيكون بمفاعيل إيجابية. واليوم بزيارة العاهل المغربي، يمكن أن نقرأ توجها جديدا تفرضه خارطة الاستثمار الدولي. لقد تأخرت الرباط عن هذا الاستحقاق، لأن الدول الأفريقية تشهد تدفقات هائلة من الصين، وكما كتب الصحفي السنغالي، "أداما نماي" في مؤلفه: "الصين وأفريقيا: التنين والنعام"، لن يكون عمل الصين خيريا، بل نحن أمام استراتيجيا شرقية يجب رصدها ومراقبة الأثر الاجتماعي لاستثمارات بكين للوصول إلى ما يفيد وضعنا، لأننا أمام شراكات متعددة وحلف واحد، سيكون تأخره تأخرا إضافيا لنا، ووضع مستقبلنا إلى جانب أمريكا والخليج رهان لابد من إدارة قدراتنا لدعمه، من أجل دعم أهدافنا، لتكون الشراكة روحا وواقعا، وليس أوراقا يوقعها سياسيون في حفلات كبرى.