برؤية استشرافية وبعدسة بانورامية نرصد جواب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان السيد سعد العلمي الأربعاء الماضي في معرض رده على سؤال شفوي بمجلس النواب حول هيمنة التوجه الفرنكفوني على الثقافة الوطنية، قال بأن تدابير مرسوم إلزامية استعمال اللغة العربية في الوثائق والمذكرات والمراسلات والمحاضر والعقود والتقارير والاجتماعات وغيرها من الوثائق المتبادلة بين إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية سواء فيما بينها أو مع المواطنين ستبقى رهينة بمدى تجاوب وانخراط باقي الأطراف الأخرى من إعلاميين وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين ومختلف هيئات المجتمع المدني. "" ودلالة هذه الخاتمة التي اختتم بها السيد الوزير جوابه، وهو بذلك يستبق أيادي قد تمنع صدور هذا المرسوم وخروجه إلى حيز الوجود، والأكيد أن تلك الأيادي هي التي لا زالت تعترض على إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى حيز الوجود بعد مرور حوالي نصف عقد من الزمن على صدور الظهير الملكي لإنشائها. كما أن قراءة ما وراء سطور خاتمة السيد الوزير سعد العلمي لتبرز أيضا تخوفا من الاعتراض على هذا المرسوم ليس وقت تقديمه إلى البرلمان فحسب، بل حتى بعد المصادقة عليه حيث قد لا يجد صدى لتطبيق بنوده فيكون مصيره مصير المراسيم والمذكرات الوزارية السابقة التي صدرت من قبل دون أن تفعل، وتحمل خاتمة كلام سعد العلمي دلالة أخرى أن هذا المشروع قد لا يصاحب بقوانين زجرية لمعاقبة من لم يمتثل لقانون التعامل باللغة العربية في الإدارات العمومية. إن بما ختم به الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان جوابه عن سؤال هيمنة التوجه الفرنكفوني على الثقافة الوطنية يكون السيد الوزير قد ترك الحبل على الغارب في عدم تقديم إجابات شافية تجاه وقف نزيف انهيار الشق الهوياتي والثقافي الوطني أمام سيطرة الفرنكفونين على المشهد السياسي، وهو ما يعكس حجم استثبات وهيمنة الفرنكفونية في أوساط صناع القرار الوطني، الذين بقصد أو بدونه يعاكسون الحق الدستوري للغة العربية في صيانة الهوية الوطنية من استلاب الفرنكفونية المتنامية، في وقت تشير فيه مصادر جد عليمة أن عددا مهما من صناع القرار المغربي متزوجون بأجنبيات الأمر الذي يجعلهم يرتدون عن لغتهم الوطنية لصالح لغات زوجاتهم الأجنبية، وهو واقع حقا يثير الشفقة إن الحكومة مطالبة باستصدار مراسيم وقوانين زجرية لوقف عدم التعامل باللغة العربية في الإدارات العمومية بما ينسجم وروح الدستور، وهو ما تقوم بها فرنسا التي نكاد نقلدها في كل شيء إذ تعاقب من يتعامل بغير الفرنسية في إداراتها الوطنية هذا من جهة ومن جهة ثانية، فقد أكدت بحوث ودراسات عديدة في علم النفس وعلم الاجتماع أن الأمم لا يتأتى رقيها ما لم تهتم بلغتها الوطنية وبتعليمها ونشرها وتبويئها موقعا في مؤسسات التعليم والعلم والإعلام، وهو ما تقوم به العديد من البلدان المتقدمة (اليابان) أو السائرة على درب التقدم كالصين، حيث ساوقت تنميتها الاقتصادية والسياسية تنمية لغوية بادية للأعمى والبصير، بعد أن طورت مناهجها التعليمية، باعتماد آخر الابتكارات التكنولوجية. وإن هاتين التجربتين على سبيل المثال لا الحصر، فيهما ما يصدح بالحقائق الميدانية ضدا على دعاوي التغريبيين مسامير الفرنكفونيين ومن لف لفهم وتاه، والذين يدفعون باللغة الفرنسية بديلا للعربية تارة والناعقين بالعامية -السم الزعاف والبهتان المبين- طورا. عبد الفتاح الفاتحي مسؤول الإعلام والتواصل بالجمعية المغربية لحماية اللغة العربية [email protected]