كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار محكمة العدل الأوروبية    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة المغرب بعد"الاختبار السياسي" لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجزئية

لم تكن الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في طنجة ومراكش يوم الخميس 4 أكتوبر2012 انتخابات عادية ، فالتدافع القوي بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة خلال مرحلة الدعاية الانتخابية والذي يتواصل بعد إعلان النتائج، يحمل مخاطر سياسية واجتماعية تتجاوز الصراع بين الحزبين على مقاعد لا تأثير لها على توازنات الأغلبية والمعارضة داخل مجلس النواب ، مخاطر تعبر عن ملامح حجم التدافع القيمي الذي بدأت تعيشه الدولة والمجتمع في المغرب بعد انتخابات 25 نونبر 2011، ويرسم في نفس الوقت توقعات مستقبلية لانزلاقات قادمة إذا لم يقع الانتباه إليها، فحزب العدالة والتنمية الحاكم، خضع لاختبار سياسي أعاد له جاذبية بدا يفقدها في الثلاث شهور الأخيرة، هذا الاختبار السياسي الذي فتح له إمكانية القيام بقراءة حسابية مبنية على استرجاع مقاعد طنجة ومراكش، دون الانتباه إلى الأثر القادم للثقافة السياسية الدعوية التي راجت في هذه الانتخابات .
وبالمقابل، يبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة لم ينتبه بدوره ، وهو يقود الصراع أمام العدالة والتنمية، إلى انه أعاد ، بتدافعه وخطابه السياسي، ذاكرة المغاربة إلى مناخ الانتخابات الجماعية للتاسع من يونيو لسنة 2009 التي عرفت احتجاجا سياسيا كبيرا لحزب العدالة والتنمية ،فالصراع بين الحزبين في الانتخابات الجزئية تجاوز المقاعد و بدا حاملا لتوازنات مغرب ما بعد الربيع العربي الذي يحكمه حزب العدالة والتنمية، وحاملا لمقاييس حالة مغرب سياسي بعد انتخابات 25 نونبر 2011،اذ خضع حزب العدالة والتنمية لأول اختبار سياسي في فترة حكمه ،اختبار انطلق التأسيس له في يونيو الماضي من داخل المجلس الدستوري بقرارين قضائيين فيهما السياسي أكثر من القانوني.
"فيلم "المجلس الدستوري والترسيم القانوني للاختبار السياسي.
ويبدو ان حكاية الاختبار السياسي بدأت بإصدار المجلس الدستوري المغربي للقرارين رقم 12/855 و12/856 بتاريخ 13 يونيو 2012 اللذين يلغيان أربعة مقاعد لحزب العدالة والتنمية في طنجة ومراكش ، فبهذين القرارين دخل المغرب أول اختبار سياسي للشرعية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم بعد انتخابات 25 نونبر 2011 ،فالاستيقاظ القانوني المفاجئ للمجلس الدستوري ، وإعلانه "حربا "على "صوامع" العدالة والتنمية المثبتة في ملصقاته الانتخابية، فسر على انه تمرين سياسي يهدف الى تشخيص الحالة السياسية بعد انتخابات فاز فيها حزب العدالة والتنمية بمقاعد اكبر من نمط الاقتراع نفسه ، فالمجلس الدستوري كان يفتقد إلى نص صريح من شانه تبرير مضمون قراره القاضي بإلغاء ثلاث مقاعد نيابية في طنجة ومقعد نيابي في مراكش ، و لم يكن مقنعا في حيثياته بان تكون لائحة العدالة والتنمية في دائرة طنجة-اصيلة قد حصلت على حوالي 43 ألف صوت بفعل صورة صومعة مسجد موضوعة على ملصق انتخابي .
وبدا واضحا، أن غياب الحجج القانونية الكافية يفتح المجال أمام فرضيات سياسية وراء قرار إلغاء نتائج دائرة طنجةأصيلة ،فالمجلس الدستوري في المغرب لا هو بالمؤسسة القانونية الصرفة ولا هو بالمؤسسة السياسية الصرفة ، بل هو خليط بينهما تعبر عنه تكوينات أعضائه وطريقة تعيينهم ،وهو لما يبث في المنازعات الانتخابية يكون بذلك يمارس وظيفة دورة انتخابية ثانية ،وبالتالي، يبدو أن اختيار دائرة طنجةأصيلة لم يكن عشوائيا بل يعبر عن اختيار لنموذج حالة اكتساح واضح في عدد المقاعد ، وهو اكتساح داخل مدينة عرفت اكبر عدد من الوقفات الاحتجاجية في المغرب خلال سنة 2011 ،وهي دائرة جغرافية في مدينة توجد فيها كل التيارات الإسلامية (العدليون والاصلاحيون التوحيديون والسلفيون وأقلية المتشيعين في المغرب )، إضافة إلى ان اختيار مراكش لم يكن عشوائيا بدوره لاختبار موازين القوى بين المكان الجغرافي لتواجد مواقع حزب الأصالة والمعاصرة (حزب المعارضة ) وتواجد مركز السلفية التقليدية (سلفية المغراوي) الداعمة لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر الماضية ، مما يعني انه خارج المواقف القضائية للمجلس الدستوري في القرارين القاضيين بإلغاء مقاعد العدالة والتنمية، بحيثيات تثير الانتباه لدرجة تطابقهما رغم اختلاف مذكرات الطعن ، تبرز بعض الفرضيات السياسية المبنية على إرسال بالون اختبار سياسي لقياس درجة الشرعية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في الميدان بعد عشرة اشهر على انتخابات 25 نونبر2011 .
لكن، يبدو أن قرار إلغاء مقاعد حزب العدالة والتنمية في دائرة طنجةأصيلة خلق سابقة قضائية وقدم هدية سياسية ،جعلت نتائجها الجزئية المحصل عليها في الرابع من أكتوبر الحالي تعيد تجديد الشرعية الانتخابية للحزب ،حسب اعتقاد قيادييه ، وتمنحه نوعا من الاسترخاء السيكولوجي السياسي في زمن كانت فيه مقولة "تمثيلية الشعب " و"حجية صناديق الاقتراع "قد بدأت في فقدان جاذبيتها لدى فئات كبيرة من الشارع المغربي .
ولوحظ ،أن حزب العدالة والتنمية استطاع قبل الانتخابات الجزئية توظيف المكان الجغرافي لطنجة ، دائرة المقاعد الملغاة ،كفضاء عمومي للمواجهة السياسية لما قررت شبيبته تنظيم لقاء تجمعي خطابي في ساحة الأمم بطنجة ،وهو القرار الذي رفضته وزارة الداخلية بحجج متضاربة بين الأمني والانتخابي ،وان كانت المعطيات تبين تخوف السلطات العمومية من اختراق سلفي لساحة الأمم، وتحويلها الى ساحة اعتصام واحتجاج دائم بعد نهاية تجمع شبيبة العدالة والتنمية ،ولا احد يعرف هل انتبهت قيادات العدالة والتنمية المحتجة الى محاولات الاختراق السلفي لهذا التجمع الافتراضي ،وهي القيادات نفسها التي تقود الحكومة، وكان من المتوقع ان تجد نفسها في مواجهة اعتصام احتجاجي دائم بوعي او بدون وعي منها .
التكلفة السياسية الثقيلة لأخطاء حزب الأصالة والمعاصرة على الدولة
وسيقدم حزب الأصالة والمعاصرة "هدية سياسية جديدة "لحزب العدالة والتنمية وهو يدخل في مواجهته على الجبهتين في مراكش وطنجة، فالأصالة والمعاصرة الذي بدا بعد مؤتمره الاستثنائي في منتصف شهر فبراير 2012 وكأنه يمارس نوعا من "التبييض السياسي" لنفسه ، و يعيد بناء رؤية جديدة للحقل السياسي وقضاياه ،عاد بنفس خطاب الخطوط السياسية الحمراء التي رسمها في المرحلة الأولى من تأسيسه والمبنية على خطاب المواجهة مع حزب العدالة والتنمية .
ولوحظ، أن حزب الأصالة والمعاصرة ارتكب خطا سياسيا وظفه حزب العدالة والتنمية في المواجهة الانتخابية، فقيادات الحزب وجدت نفسها مدفوعة الى انتخابات ذات تكلفة سياسية مرتفعة وثقيلة على تنظيم حصل على شرعية انتخابية تشريعية لأول مرة في 25 نونبر، رغم موجة الاحتجاجات العارمة التي تعرض لها من طرف شارع حركة 20 فبراير والتي يعتقد قياديو الحزب أنها احتجاجات مرتبة من طرف مكونات حزب العدالة والتنمية وبعض قيادييه الموجودين اليوم في الحكومة.
وبدا حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجزئية تائها، ولم يستطع ممارسة عملية الحساب السياسي بطريقة جيدة ،إذ انه رغم استقراره في طنجة ومراكش على نفس معدل الأصوات الانتخابية التي حصل عليها في 25 نونبر 2011 ،فان قياداته لم تتساءل ماذا لو أن الحزب بادر بواسطة مرشحيه الى الطعن في الدائرتين الانتخابيتين لطنجة ومراكش دون المشاركة في الانتخابات الجزئية بتقديم مرشحين ؟ فالحزب لم يكن في حاجة الى خوض هذه التجربة التي قد تكون تكلفتها مرتفعة في مرحلة يستعد فيها الكل إلى الانتخابات الجماعات الترابية، رغم أن ذاكرة هذا الحزب تحتفظ بصورة هزيمتها الانتخابية في الجزئيات التشريعية لشتنبر 2008 في مراكش وأسفي الجنوبية وعودتها بقوة سنة بعد ذلك في الانتخابات الجماعية ليونيو 2009،لكن المثير للانتباه هو أن الأخطاء الإستراتيجية لحزب الأصالة والمعاصرة تؤثر في تكلفتها على الدولة رغم انه حزب في المعارضة ،وهي أخطاء يستفيد منها حزب العدالة والتنمية رغم انه من قيادات الدولة في المغرب الحالي.
"أحلام الشرعية الانتخابية المستديمة" في حزب العدالة والتنمية
ورغم مظاهر هذا الصراع الذي تبين نتائجه أن حزب الأصالة والمعاصرة حافظ على عدد أصواته، فان رسائل الانتخابات الجزئية يجب أن يقرأها قادة العدالة والتنمية أكثر من غيرهم ،فالحزب اليوم في الحكومة، وجزء كبير من الناخبين تؤثر فيهم مسالة وجوده في الحكومة ، ورغم نزول قيادات حكومية يتزعمها رئيس الحكومة في الحملة الانتخابية ووقوفه في مناطق شعبية مثل "باب دكالة" بمراكش ، أو اضطرار احد وزراء الحزب الى تنظيم تجمع قرب" مزبلة" في مراكش، في سلوك احتجاجي على تسيير هذه المدينة من طرف حزب الأصالة والمعاصرة ،فانه سواء في مراكش أو طنجة بات واضحا أن الحزب فقد ما يقارب نصف عدد أصواته التي حصل عليها في الدائرتين خلال انتخابات 25 نونبر 2011 ،فالمسافة الزمنية ليست كبيرة ،إذ لا تتعدى العشرة أشهر على الانتخابات والتسعة أشهر على قيادة الحكومة، وهي ظاهرة غير طبيعية بالنظر إلى مسافتها الزمنية وموقعها الجغرافي السياسي .
وإذا كان قادة العدالة والتنمية يعتبرون نتائج هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على عمل الحكومة ،وان هذه الانتخابات قدمت في تصريحات قيادة الحزب ،بطريقة حماسية وانفعالية ، كتعبير عن اكتساح جديد ،فان القراءة الدقيقة لنتائج هذه الانتخابات، تبين ان هناك تراجعا قد لا ينتبه إليه قادة حزب العدالة والتنمية، وهذا طبيعي لأنه في كل التجارب تستعمل الأحزاب الحاكمة جميع الوسائل لخلق الاعتقاد بمشروعيتها وشرعية اختياراتها، لكن الأرقام تعبر عن حالة " وهم" في الشرعية الانتخابية ، وتطرح السؤال عن مصير نصف عدد الأصوات التي فقدها هذا الحزب رغم دعم باقي التيارات الإسلامية له في طنجة ومراكش ، فالحزب فقد نصف أصواته في دائرة طنجة - أصيلة ، ولم يستطع الفوز بمقعده الثالث رغم معدل المشاركة المتدني ( 20 في المائة مقارنة مع انتخابات 25 نونبر التي وصل فيها معدل المشاركة إلى 41 في المائة ) الذي يميل عادة لفائدة حزب العدالة والتنمية ، نظرا لانضباط كثلته الناخبة مقارنة بالأحزاب الأخرى.
وفي مراكش بدا الفارق في حدود 658 صوت، داخل معدل مشاركة لا يتجاوز 16 في المائة ،أعطى فيها السلفيون التقليديون أزيد من 4000 صوت لمرشح العدالة والتنمية لما رفعوا شعار الدعوة إلى التصويت "على الصالحين" ،كما هو الحال في انتخابات 25 نونبر 2011 . ويبدو أن ظاهرة انضباط الكتلة الناخبة لحزب والتنمية في الانتخابات الجزئية للرابع من اكتوبر، مقابل ضياع نصف عدد الأصوات المحصل عليها في انتخابات 25 نونبر الماضي،هي حجة على وهم الشرعية الانتخابية التي يعيشها حزب العدالة والتنمية ،مادام أن التفسير الوحيد لضياع حجم النصف من عدد الأصوات بعد عشرة اشهر يعنى أن فئة الناخبين المصوتين عقابيا ضد باقي الأحزاب السياسية في انتخابات 25 نونبر بدأت في تغيير موقفها، وهو ما يجب أن يقرا على انه مخاطر انتخابية قادمة في حزب العدالة والتنمية الحاكم ،فأكثر الرسائل السياسية وضوحا وفق هذا المعطى الانتخابي هي أن حزب "عبد الاله بنكيران "في انتخابات 25 نونبر 2011 لم يعد هو حزب "عبد الاله بنكيران" في الرابع من اكتوبر 2012 ،رغم استمرار الاعتقاد بأحلام الشرعية الانتخابية.
تدافع قيمي وبوادر مشروع إسلامي لرسم "خارطة هوية "جديدة
ولوحظ نزول قيادة الحزبين في الحملة الانتخابية ،هذه الحملة التي يبين تحليل مضمونها وجود صراع يتجاوز ضوابط المنافسة الانتخابية وينزلق تدريجيا إلى صراع قيمي بين "علمانيين مفترضين "و"إسلاميين مفترضين " ، هذا التدافع القيمي الذي لم ينتبه إليه الكثير ،فالصراع بين العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة ظاهره انتخابي مقاعدي ولكن باطنه صراع حول القيم ، ولا غرابة في ذلك، إذ نجد ان الأسابيع السابقة على الانتخابات التشريعية الجزئية شهدت تحرك آلة حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية ،التي قادت خطابا دينيا وسياسيا يتأسس على مقولة "إن هناك اليوم في المغرب من يحاول فك الارتباط بين المغرب ودينه"،فالصراع الانتخابي الجزئي الذي أسسه حزب العدالة والتنمية على ثنائية "الفاسدين " مقابل "الصالحين " و"العلمانيين" مقابل "الإسلاميين" هو صراع يحمل بوادر مشروع دعوي قائم على إعادة رسم "خارطة هوية " جديدة للمغرب ، صراع انطلق منذ شهور بإعادة النظر في المفاهيم المتداولة ، ويحمل تفسيرا سياسيا خطيرا يسير نحو طرح سؤال عن من هو "الإسلامي" اليوم في المغرب ؟وهل هناك "الإسلامي " و"غير الإسلامي "في المغرب كدولة دينها الإسلام؟
هذا الصراع القيمي الذي يبدو، حسب اعتقاد قيادات الأصالة والمعاصرة، انه يتسرب إلى المساجد والى أئمة وزارة الأوقاف التي ظلت وزارة سيادية في شكل حكومي ، وهو الصراع التي يترافق مع بروز خطاب دعوي يشدد من داخل حركة التوحيد والإصلاح على وجوب تطوير رسالة المساجد وتطوير الاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية والتاريخية لكي تكون ذات مردودية دعوية.
لكن خطورة هذا الصراع ،الذي أفرزته الانتخابات الجزئية ،تكمن في التنظيمات التي تتلقاه في الشارع، فالعدالة والتنمية بخطابه المبني على "محاربة الفساد" يخلق الاعتقاد في الشارع أن الفساد المعني أخلاقي وليس مؤسساتي يفهم دستوريا داخل ثنائية المسؤولية والمحاسبة ،وتحول هذا المفهوم إلى أخلاقي يدعم حجج وسلوكيات تنظيمات إسلامية أخرى ،منها التيارات السلفية المسماة ب"الجهادية"،ويخلق لديها مناخا حركيا لأسلوب اشتغالها ،وبالتالي، فأسلوب العدالة والتنمية الحاكم وجناحه الدعوي المساند يسيران تدريجيا نحو تفريخ مشهد السلفيين في تونس ، الذين قد يجد الحزب الحاكم نفسه في مواجهتهم غدا .
فالسلفيون الذين ساندوا العدالة والتنمية، بدؤوا مع بروز هذا النوع من الخطاب في رسم هويتهم وتميزهم الاجتماعي والسلوكي ،وبدؤوا في التسرب تدريجيا الى النشاط في الفضاءات العمومية غير المنظمة والاشتغال بأسلوب احتجاجي ،وهو ما يثير تخوفات أمنية مشروعة ،على اعتبار ان ظاهرة السلفيين باتت مثيرة للانتباه في طنجة مثلا ،ففي كل مناسبة احتجاجية يخرج السلفيون لاستعراض قوتهم في الشارع (أحداث طنجة الأخيرة) ،في وقت لازالت فيه الدولة لم تنجح في استيعاب باقي التنظيمات الإسلامية ، بل أنها تخوض معركة حول ملفات قديمة مع بعض التيارات الإسلامية الأخرى كجماعة العدل والإحسان التي لعبت لحد الآن دورا توازنيا كبيرا داخل المغرب ،ولا احد يفهم الصراع المجاني الذي تخوضه الدولة ضد جماعة العدل والإحسان من ملف الى ملف رغم أنها جماعة محددة للتوازنات مع باقي التيارات الإسلامية السلفية الناشئة ،هذه التيارات السلفية التي باتت تتجمع تدريجيا .
سيناريو "الإنقاذ" وسيناريو "الانقلاب" على حكومة العدالة والتنمية
وأمام صورة التدافع القيمي ،وباجتياز حزب العدالة والتنمية لاختبارات الانتخابات الجزئية ،التي ترافقت مع رفع دعوات للتعديل الحكومي ،يبدو في الأفق أن نتائج حزب العدالة والتنمية وما رافقها من صراع ينحو في اتجاه "خارطة الهوية "، ستقود الى تغيير الإستراتيجية المرسومة لبناء التوازن بين حزب العدالة والتنمية وباقي المكونات السياسية ،وبالتالي فدعوات سيناريو "الانقلاب" على حكومة العدالة والتنمية من داخل مكونات التحالف الحاكم باتت تكلفتها السياسية كبيرة قبل معرفة ما ستفرزه نتائج الانتخابات الجماعية المقبلة ، ويبدو السيناريو الماثل أمامنا هو "إنقاذ " حكومة العدالة والتنمية ، فتمارين الاختبار السياسي للعدالة والتنمية كان يقابلها تدريب سياسي للحزب نفسه على الحكم وإعادة بنائه لتوقعاته وتصوراته لممارسة السلطة ،وهو ما يشرح السنة البيضاء الأولى من عمر الحكومة ،.
فالثابت اليوم، أن حزب العدالة والتنمية ليس بالصورة التي يقدمها قياديوه بالدعوة إلى "الصبر والثبات" والتنبيه في كل مرة إلى الزلازل التي أحدثها الربيع العربي في بعض الدول ، فالحزب يقدم صورة ضعف التدبير ولكن مشروعه السياسي والاجتماعي يشتغل في أعماق المجتمع ،وهو ما يحمل مخاطر تثبيت المشروع سياسي على حساب المشروع التدبيري للحكومة ،ومخاطر استمرار ضعف "الوزير السياسي " أمام قوة "الوزير الدعوي" .
ويبدو أن المشهد السياسي ،بلغة السينما ،يقدم منظر "البطل "الحالم بالشرعية الانتخابية المستديمة التي تخفي مخاطراليأس من التدبير الحكومي الميداني الذي بدأت تظهر بوادره في الأجيال الجديدة من الاحتجاج ،مادامت حكومة "عبد الاله بنكيران" غير قادرة لحد الآن على خلق تحولات في المقدرات التوزيعية الاقتصادية للدولة مقابل اشتغالها على إعادة إنتاج المقدرات التوزيعية "القيمية" و"الهوياتية" للدولة ،والخوف هو أن تتحول الوعود تدريجيا إلى أوهام والآمال إلى مشاكل واحتجاجات ،وان ينتج مشروع "خارطة الهوية " نوعا جديدا من التطرف لم يعرفه المغرب من قبل ،فالعدالة والتنمية فاز بالانتخابات الجزئية ،لكن الوضع مختلف عن مناخ 25 نونبر ،مادامت الاحتجاجات تتعبا في الميدان، إذ انه رغم رقم 26 ألف منصب شغل ،التي يبدو ان جلها (باستثناء مناصب الجيش والأمن) سيتم ترحيله ،بسبب خلل تدبيري ،الى السنة المالية القادمة رغم الحاجة الى الشغل ،فان هذا الرقم لا يثير نسبة كبيرة من الشباب، اغلبهم بات بدون أمل في الحصول على وظيفة او سكن .
هل يقبل حزب العدالة والتنمية بنتائج انتخابات المجالس الجماعية القادمة؟
وداخل الاحتفال الحماسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالفوز بمقاعد الانتخابات التشريعية الجزئية ، يبرز مشكل تاريخ الانتخابات الجماعية من جديد ،فالنتائج خلقت حالة من الذعر في الأوساط الحزبية ،الأغلبية منها قبل المعارضة ، كما أن الدولة تلقت فيها رسائل ضعف المشاركة ، ويبدو ان تاريخ إجراء الانتخابات الجماعية كان يتوقف على هذا التمرين السياسي ،وتجد الدولة اليوم نفسها أمام سيناريوهين ،يتمثل الأول في تأجيل الانتخابات الجماعية المحلية وانتظار ما ستسفر عنه "التمارين الاجتماعية" لسياسات حكومة العدالة والتنمية، وقد يقود هذا السيناريو الى مزيد من الاحتجاج الوطني على الحكومة و المحلي الترابي على النخب المحلية في العمالات والجهات ،او سيناريو ثاني وهو إجراء الانتخابات المحلية خلال منتصف سنة 2013 ،والاستعداد لكل الاحتمالات بما فيها فوز حزب العدالة والتنمية بقيادة مجالس المدن والبوادي، او احتمال احتجاج حزب العدالة والتنمية على النتائج في حالة عدم فوزه ،مادام الحزب يحس ويعتقد اليوم سيكولوجيا انه الوحيد في الميدان وانه مالك "الشرعية الانتخابية المستديمة" .
وعليه، فان اخطر ما حملته الانتخابات الجزئية للرابع من أكتوبر هو "أوهام" الشرعية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية ،التي قد تطول وتنتج احتجاجات الحزب نفسه على نتائج انتخابية قادمة في حالة عدم فوزه ،والكل هنا يتذكر صورة السيد "مصطفى الخلفي" وزير الاتصال الحالي مساء يوم 25 نونبر 2011 على الفضائيات العربية والدولية وهو يربط بين خيار فوز حزب العدالة والتنمية أو حدوث "كارثة" في المغرب.
مقابل ذلك، يبدو أن استمرار حزب الأصالة والمعاصرة في النيابة عن باقي الأحزاب السياسية في قيادة معارضة العدالة والتنمية ستكون ذات تكلفة سياسية مرتفعة، ليس على الحزب وحده ولكن على الدولة أيضا ،هذه النيابة التي تسهل عملية ربط العدالة والتنمية في مخيال الناخبين بين حزب الأصالة والمعاصرة والدولة ، رغم أن حزب العدالة والتنمية يحكم اليوم ويمارس السلطة في الدولة .
وبين هذه الصور، تبرز في العمق بوادر صراع قيمي يحاول رسم "خارطة هوية " للمجتمع والدولة ،ويجر نحو انزلاقات بدأت تظهر معالمها ،وبالتالي فالدروس المستفادة من ماوقع في الرابع من أكتوبر أعمق من صراع بين "عادل الرفوف" و"عبد اللطيف برحو" في دائرة طنجة –اصيلة او بين " احمد المتصدق" و"زكية المريني" في دائرة جليز –النخيل
* رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.