ذات صيف من سنة 1950 حصدت البرازيل إحدى أكثر الهزائم الكروية إيلاما وقسوة في تاريخها٬ وكانت حينما استضافت كأس العالم لأول مرة وخسرت نهايته أمام الأوروغواي في مباراة اجتمعت فيها كل تفاصيل النكسة. النهاية المأساة٬ التي تتبعها نحو 200 ألف متفرج٬ كانت على أرضية ملعب "ماراكانا" الشهير بمدينة ريو دي جانيرو٬ ومن ثمة جاءت عبارة "الماراكاناصو"٬ كصيغة مبالغة تفيد التضخيم والتهويل من حجم ما حدث٬ والتي بات البرازيليون يستخدمونها لرسم وقع الهزيمة في ذاكرتهم حتى اليوم. "هذه الكأس كانت لنا...أكبر ملعب في العالم شيد من أجل هذا الفوز... التعادل كان كافيا... هدف مقابل هدفين للأروغواي... سكت قلب البرازيل"٬ هكذ يلخص شريط بالأبيض والأسود لا تتجاوز مدته الدقيقة والنصف تلك الخسارة التاريخية٬ يعرض ذات الصباح والمساء على شاشة بإحدى قاعات متحف كرة القدم بمدينة ساو باولو٬ لعل الذكرى تنفع صيف سنة 2014. الأداء غير المقنع للسيليساو تحت إشراف المدرب الحالي٬ مانو مينيزيس٬ الذي خلف مواطنه دونغا عقب خروج منتخب البرازيل من ربع نهاية مونديال 2010 بجنوب إفريقيا على يد المنتخب الهولندي٬ أعاد شبح "الماراكناصو" بقوة إلى أذهان البرازيليين في الشهور الأخيرة٬ وهم المقبلون على استضافة التظاهرة الرياضية العالمية للمرة الثانية سنة 2014٬ ولايرغبون في أن "يسكت" قلب البرازيل من جديد. التخوف من الأسوء زاد مؤخرا من الأصوات المطالبة برحيل مينيزيس على عجل واستبداله٬ قبل فوات الأوان٬ باسم قادر على أن يطمئن البرازيليين على فرحتهم الموعودة في عقر دارهم٬ خصوصا وأن نهاية المونديال القادم ستكون بدورها بملعب ماراكانا. النجم السابق والنائب الفيدرالي٬ روماريو٬ كان من بين أكثر الأصوات انتقادا لمينيزيس ومطالبة بإبعاده٬ حيث بلغ به التخوف حد مناشدة رئيسة البلاد٬ ديلما روسيف٬ بالتدخل لدى الاتحاد المحلي لكرة القدم لاستدراك الوضع قبل فوات الأوان. أكثر من ذلك٬ استبد التشاؤم بتخمينات روماريو حد استبعاد تخطي منتخب بلاده الدور الأول من المونديال القادم٬ لو بقي أداؤه على حاله٬ وتحت قيادة مينيزيس. صك الاتهام الموجه من اللاعب السابق لمينيزيس يشمل٬ بالخصوص٬ عدم القدرة على تحديد طريقة لعب فعالة للمنتخب البرازيلي٬ وعدم الإقناع رغم التفوق في بعض اللقاءات٬ وغياب الشجاعة والجرأة في الخطط التكتيكية التي ينهجها خلال المباريات وعدم إشراك اللاعبين المناسبين. أما أسطورة كرة القدم البرازيلية والعالمية٬ بيلي٬ فلم يكن أقل تحاملا على مينيزيس وصرح مؤخرا أن استبدال الأخير هو "التغيير الوحيد" الذي ينبغي أن يطرأ على المنتخب البرازيلي٬ واعتبر أن المدرب لم ينجح في تكوين فريق رغم وجود نجوم برازيليين في أغلب الأندية الأوروبية. وبدوره٬ أشهر الجمهور البرازيلي ورقة "التغيير" في وجه مينيزيس في المباريات الأخيرة التي خاضها المنتخب مؤخرا بالبرازيل (الأرجنتين وجنوب إفريقيا والصين)٬ بل واستفزه بترديد إسم المدرب السابق٬ لويس فليبي سكولاري٬ الذي سبق أن قاد البلاد لنيل لقب مونديال 2002. سكولاري فك ارتباطه مؤخرا مع فريق بالميراس المحلي وقد تعاقدت معه وزارة الرياضة البرازيلية بعد ذلك٬ كمستشار لها بالنسبة للمونديال٬ وهي الخطوة التي اعتبرتها الصحافة المحلية مناورة من القائمين على الشأن الكروي بالبلاد "لتأمين" خلف لمينيزيس في حال الاستغناء عنه قبل التظاهرة الكروية العالمية. وإذا كان الاتحاد البرازيلي لكرة القدم٬ قد جدد ثقته٬ في أكثر من مناسبة٬ في مينيزيس٬ من باب طمأنته ليواصل عمله بعيدا عن الضغوطات والانتقادات التي اشتدت عليه في الشهور الأخيرة٬ فإن رئيسه جوزي ماريا مارين٬ "أمهل" مدرب السيلساو حتى كأس القارات التي ستستضيفها البرازيل في يونيو من سنة 2013٬ لإثبات أحقيته بقيادة المنتخب خلال المونديال في العام الموالي من عدمها. قراءة أغلب النقاد الرياضيين المحليين تشير إلى أن مشكلة البرازيل ليست في قلة المواهب٬ بل في سوء توظيفها من طرف مينيزيس٬ على كثرتها٬ وفي مكوث المدرب٬ أكثر من اللازم٬ في حقل التجارب وعدم قدرته بعد سنتين ونيف٬ على بناء تشكيلة أساسية قارة ومنسجمة تكون لها الكلمة الفصل خلال المونديال القادم وتبعث الإطمئنان في قلوب البرازيليين قبل وخلال الحدث الموعود. صحيح أن البرازيل٬ البلد الوحيد الذي شارك في جميع دورات المونديال٬ حصدت٬ بعد "الماراكاناصو" المشؤوم٬ لقب كأس العالم خمس مرات (رقم قياسي) وكانت خلال سنوات 1958 و1962 و1970 و1994 و2002. لكن الرهان سنة 2014 سيكون٬ من دون شك٬ مزدوجا: تحقيق رقم قياسي جديد بلقب سادس و٬ ربما قبل ذلك٬ عدم السقوط في "ماركاناصو" جديد.