لا أعرف لماذا أصبح التبادل والنقاش صعبا هذه الأيام ؛ أصبح طريق التحاور والاختلاف ملغوما ؛ محشوا بالفخاخ ومدججا بالمعابر ونقط التفتيش ؛ اليوم في ظل بعض حرية التعبير والتنقل ؛ تعذر التعبير دون استحضار آيات لتبريره ودون تقييد العبارات بكثير من الحشو والوصف والنعت فقط من أجل الإدلاء برأي مختلف أو معارض؛ أصبح ضروريا مؤخراً أن تستنجد بالجمل الواقية والعبارات المقاومة للشك والاحتراق وبصكوك الثقة في الذمة وفي سجلك العدلي وأن تنجز عقد تأمين على نواياك وصحتك النفسية والسياسية المعرضة للحجر ؛ وأن تحمل معك شجرتك الجينية التي تثبت أنك تنتمي لفصيلة آدم وأن سلفك الجيني ليس فأرا أو جرذاأو تمساحا وأنك متأكد بشهادة اثني عشر شاهدا ليس فيهم أبوك ولا أمك أنك لست عفريتا ؛ ولا ضير أن تختبر تعويذة أو تحرق بخورا ليتأكد محاورك أنك بالفعل لست كذلك! أستسمح في التطرق الى أشياء استوقفتني في كلمة السيد المحترم الكاتب الوطني لشبيبة حزب العدالة والتنمية في الملتقى الوطني الثامن لشبيبة الحزب ؛ كادت تغطي مضامينها على تداعيات منع نشاطها الاحتفالي الأخير ؛ هذا المنع الغير القانوني مادام لاشئ في القانون يمكن الاستناد عليه لفهم القرارأو استيعابه ؛ ظهر بيان الحكومة غير متماسك يدفع بمسؤولية الادارة المحلية ويستشهد بدستورية القرار فيما يتعلق بتكافؤ الفرص في قراءة غير مقنعة ؛ فمن حق أي هيأة سياسية أو مدنية أن تستصدر ترخيصا لشغل الفضاء العام والشارع وعليها أن تمتثل للمكان والزمان ونوعية النشاط المرخص له. وما على الهيئات الأخرى إلا أن تستصدر هي الأخرى تراخيص لإقامة أنشطة وتظاهرات مماثلة ؛ وتحقق لصالحها شرطا من شروط تكافؤ الفرص؛ وعلى الجميع أن يقبل بالاحتفاليات التي ستتهاطل على ساحة الأمم بطنجة والسابقة لأوانها وأن ينضبط الجميع الى هوس شغل الساحات بالتظاهرات الفنية الموقعة برموز الأحزاب المشاركة في النزال الانتخابي المرتقب؛ والتي تستبطن مخططاتها المشروعة في توفير ظروف استعراض الشعبية وعرض القدرات التعبوية والخطابية بعيد أيام من الانطلاق الرسمي للحملات الانتخابيةأما إذا كانت الدواعي أمنية فعلا ؛فكان للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان شروط الأمن لمواطنين تعاقدوا معها عبر القانون والسلطات العمومية على ضمان سلامة أرواحهم وأسرهم وممتلكاتهم ؛ وما لها إلا أن تختار درجة من درجات التأهب الأمنية تكفي لترتيب شروط السلامة لضيوف الملتقى ؛ دون اللجوء الى عصا المنع الفجائي اللاقانوني. وبالمناسبة هذه ليست سابقة في ممارسة منع التظاهرات في ظل دستور حق التجمهر والاحتجاج ؛ فتاريخ منع حركة 20 فبراير من الوقفات والمسيرات حافل وكذا مجموعة من الهيئات الحقوقية والمهنية ومسيرات المعطلين التي تنتهي غالبا بمجازر دامية تبرر بالتجمهر بدون ترخيص أو عدم الامتثال لقرارات المنع الغير المبررة. هل يجب أن يستسمح المتتبع للشأن العام إن هو أراد أن يمارس مسؤوليته في تناول كلمة كاتب وطني لشبيبة حزبية منشورة بالصوت والصورة في مجموعة من المواقع الالكترونية؛ بالقراءة والملاحظة ؛ أعتقد أن الواجب يقتضي أن نتأمل في كلمة الموقع والمسؤولية القيادية الموجهة الى الرأي العام وإلى أعضاء شبيبة حزب العدالة والتنمية وأن ندرج بصوت عال بعض الملاحظات في الشكل والمضمون: بدا القيادي الشاب رئيس مشتل القيادات المستقبلية حاسما ؛مصرا على بث روح الحماس والتعبئة ؛ وترتيب وضع الحرب ؛ وتنظيم مدرعات القصف في وضع الأهبة ؛ لا شئ كان يوحي في كلمته أنه بصدد طرح أفكار أو فتح حوارأو حتى بسط لقناعات أو مفاهيم مطروحة أو أخرى مقترحة؛ الأمر يتعلق بحالة دفاعية هجوميةحادة وفي وضع طوارئ غير مستوعب ! وحالة استنفار مرشحة للتطور! الكلمة افتتحت بدعاء جميل قريب الى القلب مع استطالة في كلمة الركوع ؛ في رغبة واضحة في إذكاء النقاش حول الطقوس المصاحبة للبيعة ومحاولة استثمار حالة الآمان أو الجوار التي أهدتها كل الأشكال النضالية لحركة 20 فبراير و قبلها القوى الديمقرطية التقدمية حين اخترقت المسكوت عنه وحملت الى الرأي العام قبل سنوات كل مايتعلق بالممارسات الماسة بالكرامة والشاردة انسانيا ودستوريا؛ موقف القيادي هذا ينضح بطعم الترامي الفاقع والسطو المعنوي الالتفافي على منجزات لم تساهم فيها هيأة القيادي الشاب إلا بالهرولة في استصدار الفرص والتصريحات من أجل الالتحاق الاستدراكي والتدافع من أجل تحقيق موقع في مقدمة الركب المطالب بالكرامة. أعتقد أن رسالة التخليق ونداءات الشفافية والنزاهة ومحاربة تزوير الانتخابات والحديث عن مناهضة وسائل الالتفاف على إرادة الناخب ؛ كل هذه المنظومة التخليقية يجب أن تكرس أيضا من أجل حماية الفرز و ضد الاستنساخ الناسخ لملكية المبادرة وحقوق الاستباقية وحق تملك الفعل والموقف والرأي الملزم ؛ وتقعيد وسائل الضبط والفرز في المواقف والأجوبة التي تتبناها الهيئات السياسية في أوراقها وممارستها والقطع مع التعويم والتعميم الممنهجين والاستيلاب وتقسيم الأدوار؛ ومع كل أشكال الالتفاف على حق الناخب والمتتبع في ملامسة القسمات الحقيقية للفاعلين السياسيين وملامح مشاريعهم المجتمعية. استوقفني أيضا أنين المفاهيم بين زمجرة تعبيرات الكاتب الوطني المحترم ؛ سمعنا عن حداثتين وديمقراطيتين ؛ في معسكرين متناحرين ؛ متواجهين ؛ داخل وغى دام بين رسل الخير والصلاح والقيم السامية وزبانية الشر والفساد والانحلال والقيم الدونية؛ تحدث عن حداثة طالحة وأخرى صالحة وعن ديمقراطيتنا -كما قال- وديمقراطيتهم؛ في نسق يثير ذاكرة الخطابات الديماغوجية المحورة للمفاهيم ؛ ويذكر بتكتيكيات الأنظمة الاستبدادية المعاصرة التي تمارس بذكاء الاستيلاب المفاهيماتي وتستلهم القوالب والعناوين المشرقة وتفرغها بمهارة من معانيها وروحها؛ وتتدافع عبرها في منتديات الديمقراطية والعدالة بنماذج على المقاس؛ حصرية خاصة للديمقراطية تكفيها شر سؤال شعوبها وهيئاتها السياسية وكل مسميات الآخر ؛ وتجيش من أجل شرعنتها انزالات اديولوجية وشعارات؛ متى كانت الحداثة زنى محارم أو عريا؛ أو ذلك السيل الجائر من التجني والتقريع والقذف ؛ والتسميم المتجني ؟ومتى كانت الديمقراطية نكرة تخضع لرأسمالية النحو والتركيب والسبي ؛وتتلون بشطحات الطموحات والديماغوجيات والاديولوجيات، الديمقراطية اسم معرف ضاغط موحد جامع غير قابل للصرف ؛ لا يحتمل الاستحواذ أو الاستفراد ولا يصمد أمام الاستبداد بالرأي أو الاستفراد بالتأويل أو بالوصاية أو القوامة في إعادة تشكيل المفاهيم على مقاس المصالح والحسابات. استغربت كثيرا حديث الكاتب الوطني الشاب عن العري مثلا؛ ظننت لوهلة أنه سيتطرق لظاهرة عميقة في المشهد المؤسساتي المغربي، ظننته سيستغل فرصته الثمينة أمام عدد مهم من الشباب المغربي في الحديث عن العري المزمن للممارسة السياسية من الضمانات وعري الدستور المغربي من الوضوح والحسم ؛ وعري المؤسسات من الصلاحيات الكافية المحددة ؛وعري الفاعلين السياسين من الثقة بينهم وفي المغاربة وفي امكانية الاصلاح ؛انتظرت أن يبدي رأيه في عري مؤسسة رئيس الحكومة من سلطاتها التنفيذية كاملة؛ وأن يتحدث عن ضرورة ستر عورة الثقة المتخلخلة في صدقية الرغبة والارادوية في التغيير ؛ أسفت كثيرا لأن العري الذي يعنيه المسؤول المحترم كان مرتبطا بحجم وكثافة الملابس التي تغطي أجساد مرتادي الشارع ؛دون الاشارة الى حمولتهم -أي مرتادي الشارع- من الثقة في امكانية التحصن بلباس الحق والقانون ؛ ولباس الكرامة مثلا وكل أزياء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إضافة إلى الحقوق الأساسية . حتما سيقف المتتبع طويلا أمام الاستعارات اللانسانية واللاقانونية المستعملة في حق الآخر ؛ سيحاول الانصياع للغة القيادي المحترم مجبرا وسيهدهد روعه الانساني ؛ وسيتحمل غصة العنف اللغوي ؛ وسيتتبع السلسلة الشيقة ؛عساه يفك لغز حكاية الجرذان ويلمس ملامح باقي الزملاء من الحيوانات والمخلوقات التي يشهد للحزب الأغلبي بالسبق في إقحامها في المعجم السياسي المغربي ؛ محبط حقا أن يدبر الاختلاف في الرأي أو النزال الفكري والاديولوجي والتوجهات السياسية بلغة الاستصغارو النعوت والتشبيهات والاستعارات التحقيرية والقذفية ؛المخلة بأبسط قواعد الحوار؛كيف ضاقت اللغة على التعبير والتبادل وكيف لم تتمثل معاجمنا ديمقراطية الاختلاف ، ولم تنتج من أجل تجديرها حروفا وقواعد تعلمنا كيف نختلف دون أن نتقاتل ؛ كيف لم يجد القيادي الشاب من معين لغوي إلا قاموس القذافي من جرذان وجحور بشكل ينسف عمارة الحق في الاختلاف الراقي ويضرب ضمانات التشاورية والتشاركية البناءة رغم الإختلاف وتباين القراءات والتصورات. لا شك أن أقسى ما في السيل الجارف من الهجوم هو ترتيب العلاقة بحركة 20 فبراير ؛ فبقدر ما بعث الكاتب الوطني من التحايا والشعارات الداعمة المعجبة و المدح والحمد وآيات الإكبار والإعجاب ورسائل الولاء والتقديس للحراك الشبابي في ميادين الاحتجاجات التونسية والمصرية؛ بقدر ماكال الشتائم والاستصغار والتحقير والاتهامات المباشرة بالوصولية وركوب الموجة ؛ لرمز الحراك المغربي ولبؤرة دينامية الاحتجاجات من أجل الكرامة ومحاربة الفساد في الصيغة المغربية بشهادة كل الأرقام السياسية والمدنية بما فيهم رئيس الحكومة ؛ قدم دفوعات هون وضعف الحركة والتجأ الى لغة حجم الاحتجاجات وعدد المنخرطين في وقفاتها ومسيرتها ؛في مقاربة حسابية ميكانيكية ؛ لم يستحضر أن أهم ما في دينامية 20فبراير لا يكمن في انكشارية الجيش الفبرايري بل يتجسد -في اعتقادي- في جرأة التشخيص وقوة المطالب وبلاغة الشعارات وسلاسة التنظيم وتوزيعه الجغرافي والأثر البناء في المواطنة. لا يمكن أن ننخرط مثلا في قراءة الخفوت أو النكوصية في دينامية الحركة بعد انسحاب فصيلها العدلي ؛ لأن هذا القرار لا يلغي إيمان المنسحبين من الدينامية النضالية ببنود أرضية الحركة وبياناتها؛ ولا ينقض تعاقد النضال المشترك من أجل تحقيق الشعارات ؛ عبر الخروج أو المكوث خارج الشارع؛ ولا يغير شيئا من وضع الريادة والشرعية الشعبية الأعمق دلالة من شرعية علوم الجبر؛ وبالتالي يصون للحركة كثافة الإيمان بضرورة التغيير لصالح مطالبها ؛ ويجعلها فتيلا تعبويا ورقيبا شعبيا وآلية سلسة لإعلاء صوت الشارع ، فمالذي يدعو "ديمقراطيا" للتطاول على حق المغاربة في الايمان بصيغة حراكهم الشبابي من أجل الديمقراطية والكرامة ومحاربة الفساد في كافة تمظهراته ؟ ولماذا ينصب العداء المجاني لدينا مية يصر رئيس الحكومة أنها سبب وصوله إلى رئاسة الحكومة؟ وأنها الطبعة المغربية للربيع الديمقراطي هنا. أختم بأخطر مافي الكلمة الافتتاحية وهو تجاهل التعاقد الأخلاقي والسياسي المتمثل في الوثيقة الدستورية ؛ لا يمكن استيعاب عدم تطرق ممثل الشبيبة المحترمة إلى أهم تعاقد لبرنامج حكومة زعيمه ؛ والمتمثل في الحرص على إتمام الورش الدستوري بكتابة القوانين التنظيمية المنصوص عليها والتي تمثل أدوات الممارسة الملموسة للإصلاح ؛ شدد الشاب على إحداث المجلس الاستشاري للشباب ؛ دون أن يشير إلى أكثر من خمسة عشرقانونا تنظيميا مؤسسا وموجها للإصلاح المطلوب ؛ سيختبر المغاربة عبرها وجه الإصلاح ومنسوب الديمقراطية والتشاركية في تأويل الدستور؛ هل نفهم أن شبيبة حزب العدالة والتنمية تثمن موقف بنكيران في التخلي عن مسؤوليته في تفعيل الدستور ؛ هل تؤمن هي أيضاً أنها مسؤولية رئيس الدولة لا رئيس الحكومة؛ وأن خيار التضحية بالدستور أصلح لسفينة التدبير الحكومي؛ هل تثمن نموذج الاصلاح الذي اقترحته حكومة العدالة والتنمية- كما أكد القيادي الشاب في كلمته - وتبارك مثلا الصيغة الحكومية لمشروع قانون الضمانات الاساسية للعسكريين وقانون التعيينات على رأس المؤسسات والمقاولات. هل كان تسويق صفة غير المدخنين لشباب الحزب مثلا أهم وأكثر وقعا على المغاربة من توضيح موقف شبيبة حزب رئيس الحكومة من مخططهاالتشريعي ؛ من ترتيبها للأولويات في إصدار مشاريع القوانين ؛ من برامجها من أجل محاربة الفساد ؛من طبيعة بدائلها في السياسات العمومية وسلامة قراءتها للاشكاليات الاجتماعية والاقتصادية، أما آن الأوان كي تخرج المنظمات الشبيبية للأحزاب السياسية من أدوارها النمطية المترسبة من أزمة السياسة الخانقة ؛ التي تختصر دور هذه الامتدادات العضوية الحيوية في آليات للتجييش الجسدي لفئة الشباب لصالح طروحات ومواقف لم يساهموا في تشييدها؛ ومشاريع مجتمعية لم يشركوا في بنائها ؛ ورؤى استراتيجية لا تستحضرهم إلا كمعطيات في الهرم السكاني والاحصاءات الديمغرافية وعمليات الاستدراك البعدي الترقيعي لسياسات عمومية واختيارات سياسية وأخرى استراتيجية لم تصنع من أجل مستقبلهم ؛ أعتقد أن على التنظيمات الشبيبية أن تفهم رسائل الحراك الشبابي الذي احتل الشوارع والساحات وجدران الصحف والأوراق الالكترونية وغزا اللغة والقواميس؛ وقطع أذرع المستحيل واستنبت الزهر في إسمنت غيرالممكن ؛ وعليها أن تؤمن بإمكانية نحت صخر الذهنيات والعقليات وتحقيق التطور لمجتمعات لازال مفكروها يعشقون سؤال لم تطور الغرب ولم نتطور نحن ؟؟؟ هل أخلفت شبيبة العدالة والتنمية محطة من محطات التاريخ بعد هبوب مطالب حراك الشارع ؛ وتخلفها عن ركب الاحتجاج ؛ وهل ستبقى مقتنعة بدور ممون حفلات القيادات الحزبية ومتعهد المهرجانات الخطابية ومعد المنابر والآذان والأفئدة للاستهلاك دون الانتاج!!! هل ستكتفي بمهمات استجلاب الأصوات وترتيب المواعيد وحرق الزمن الثمين بين أبوية الحركة الدعوية ضمير الحزب و قوامة الخط السياسي القسري ؛هل ستستمر في تشييد القلاع العازلة وشق الخنادق الإقصائية وقطع أسلاك الاتصال وفرض حالة حظر التجول في باحات التواصل والفكر والجدل المفترضة ؛ ألن يفصلنا هذاأزمنة عن شواطئ التعددية والاختلاف والتعايش والرقي في ظل الديمقراطية !!