خلق للجميع مشكلا لغويا وسبب للفقهاء إشكالات فقهية في الميراث والصلاة الحديث عن نور أو نور الدين يخلق الكثير من المتاعب والتجاوزات، فإما أن تكون مع الرجل أو المرأة، وستتهم حينها بالفجور ونشر الرذيلة وبالحرية "حبتين زيادة"، وإما أن تكون ضده وبالتالي ستصبح متزمتا ورجعيا ومتخلفا توصف بكل قاموس العصور الغابرة. وكما يخلق أو تخلق نور مشكلا في المواقف والمبادئ، فإنه، وكما تلاحظون، يخلق إشكالا لغويا كبيرا يجعل من الخطأ الحديث عنه بصيغة المؤنث ومن الإجحاف الحديث عنه بصيغة المذكر. والمشاكل التي تحدثها نور وأمثالها ليست جديدة أو وليدة اليوم، فقد خلق الجنس الثالث أو كما نسميه نحن "خنثى" جدلا فقهيا قديما، وحير الفقهاء وعلماء الدين في الكيفية التي يجب التعامل معه بها. وكان "الرجل المرأة" أو "المرأة الرجل" تخلق أزمة حيرت جهابذة الفقه: فكيف يمكن التعامل مع هذا الصنف الغامض؟ وهل يجب توريث هذه الكائنات بقسمة الرجل أم بنصف قسمة المرأة؟ وهل يجب أن تؤدي الصلاة في صفوف الرجال فتخلق الفتنة داخلهم، أم في صفوف النساء فيتمتع بعوراتهن، أم "يدير مناقص" ويصلي في بيته؟ لكن مع إلحاح الحالات وتعددها، تفتقت قريحة بعض الفقهاء النجباء عن حل سحري في زمن لم يكن يعرف الجراحات التجميلية، ولا جراحات تصحيح التشوهات، ولا جراحة تصحيح الأخطاء الطبيعية وكأن الطبيعة أصيبت بدوار، وأجرمت في حق هؤلاء وعاقبتهم على ذنب لم يقترفوه، فكان يطلب الفقهاء ممن شكوا في أمره التبول أمامهم ليروا من أي ثقب يسيل ماء الرجل المرأة ويعتدون (بالشدة على الدال) به لتحديد جنسه. ومع ذلك بقي الخنثى رمزا مشوشا لاختلاط الجنسين، وكائنا عجيبا يثير الاشمئزاز حينا، والسخرية الشعبية حينا آخر، لكنه يثير الغرائز في كثير من الأحيان وإلى أبعد حدود في السلطة. أما اليوم وإن كان موقف الثقافة الشعبية من هذا الكائن الهلامي لم يتغير، إلا أن التقدم الطبي بدد الكثير من المعتقدات، ومنح المخنثين الكثير من الحرية. فلم يعودوا مطالبين لا بالتبول ولا بالتعري أمام الفقهاء، فليحيا إذن السيليكون والبوتوكس والمانيكير والبيديكير، ولتحيا مرهمات نزع الشعر من الجسد كله، وجلسات الليزر، وأصباغ الشعر بكل ألوان الطيف، والعمر المديد لأطباء جراحة التجميل وإصلاح التشوهات راضين مرضيين، وزاد الله في عددهم وكثر من أمثالهم أأأكثر مما هو عليه الحال اليوم، من أجل التصدي لكل أشكال القبح وكأن المغاربة خلية تضم الملايين من أشباه "شريك" بطل الأفلام الكرتونية البشع. والأكيد أن نور الدين أيقونة المخنثين في العالم العربي، مادام الرجل المرأة يدافع عن خياراته بشجاعة يحسد عليها وبوجه مكشوف على القنوات التلفزيونية، وصفته بعض الألسن الخبيثة ب"المقزدر"، محظوظ جدا لأنه أولا ولد في زمن غير الزمن، وفي بلد محترم اسمه المغرب، وإلا تلاعب به صغار طالبان في أفغانستان وكأنه "باربي" آدمية، وتراشقته الحجارة في بلدان التخلف الذهني كأنه قنينة زجاجية لجعة رخيصة تستهدفها أيادي أطفال حاذقين. لكن المزعج في قضية نور الدين هو أن الرجل جعل من تحوله إلى امرأة "فون دو كوميرس" ومن اختلافه رأسمالا يتاجر به ويسوق صورته، فيظهر في كل مكان (مهرجانات السينما وعروض الرقص والأزياء..) ليبيع صورته ويستشهر بها. فلا أحد يعرف نور الدين الممثلة ولا نور الدين الراقصة ولكننا جميعا نعرف نور الدين الرجل الذي تحول إلى أنثى. صحيح أن الصحافة تتحمل مسؤولية لأنها ارتمت على "موضوع غريب لكائن عجيب"، لكن نور الدين يتحمل مسؤولية أكبر لأنه انخرط في اللعبة وذاق فوائدها. فليكف نور الدين عن ضجيج تصريحاته ولقاءاته الصحافية التي لا تنتهي والماركوتينغ الإعلامي الذي لا حصر له، ولتقرع له الطبول، و"رقصها يا جدع"! ""