انتكاسات تلو الأخرى، تلك التي نعيشها في المغرب، والتي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، سنوات عرفت تراجعا في عدد من المكتسبات، التي كنا نحن أهل المغرب نفتخر بها عن دون باقي العربان، حتي صدقنا مقولة الزميل فيصل القاسم في إحدي حلقات برنامجه، أن شمس العرب تشرق من المغرب . "" في الآونة الأخيرة، تعرض المغاربة لكثير من الصدمات تخص واقعهم الرمادي ، منها ما هو آت من الخارج، ومنها ما هو صادر من الداخل.. أبرز المبشرات الآتية من الخارج، أن المغرب الذي يفتخر ساسته ونخبته بلسانهم الفرنسي، وبالتطور الذي تعرفه بلادهم مقارنة ب المشرق المتخلف المبني علي اقتصاد الريع ، علي حد تعبير البعض، بات يحتل المرتبة الأخيرة من حيث جودة التعليم، اللهم إذا استثنينا اليمن والعراق الجريح وجيبوتي، بل إن التعليم في الضفة وغزة المحتلتان، هو أحسن من التعليم المغربي العتيد. من هذه المبشرات أيضا، أن مغرب العهد الجديد المحكوم بحكومة جل وزرائها ينتمون لمدينة فاس، كما لو أن نساء باقي المدن والمناطق المغربية عاجزات عن ولادة من يكون في المسؤولية، ومتخصصات فقط في ولادة من يحترف الغناء والرقص والجري وراء الكرة بات في مؤخرة ترتيب دول العالم علي مستوي التنمية البشرية. ذات المغرب تراجع وفقا لآخر الإحصائيات والدراسات الدولية عشر نقط كاملة في لائحة الدول ذات الجاذبية السياحية، في بلد يخطط لاستقبال 10 ملايين سائح مع العام 2010. أما تلك المبشرات الصادرة عن الداخل، فلا يمكن جمعها في هذه الأسطر، لكن أبرزها أن أبناء الشعب من رجال الأمن بمختلف تشكيلاته بات لهم موعد شبه يومي مع الدكاترة المعطلين عن العمل، حيث يدخلون معهم في جولات قمعية قبالة مبني البرلمان رمز الأمة، فنجد أصحاب الشهادات العليا خرجي الجامعات المغربية، وبعد أن أنفقت عليهم الدولة مئات الملايين من الدولارات، تداس يوميا كرامتهم أمام البرلمان منهم من يحمل إلي المستشفيات، ومنهم من يحمل إلي مخافر الشرطة، وذنبهم الوحيد أنهم يطالبون بحقهم في الشغل، إسوة بأبناء أهل فاس الذين درسوا في جامعات الجسور والقناطر الفرنسية، والذي يعينون في مناصب سامية في الدولة قبل إنهاء دراستهم لحكم أبناء الشعب من العاطلين والفقراء. بالإضافة إلي ذلك، هناك مبشرات أخري تؤكد أننا في المغرب في الطريق الصحيح نحو الهاوية بالطبع ، يتعلق الامر هنا بالحرب التي تخوضها الدولة ضد الأصوات الشريفة في مجال الإعلام، وآخر ملامح هذه الحرب، الغرامة المالية الكبيرة الصادرة في حق أحدث اليوميات المغربية، وأكثرها مبيعات، وهي يومية المساء ، حيث تجاوز مبلغ الغرامة 800 ألف دولار، ما يعني الحكم عليها بالإعدام، كما حدث مع أسبوعية لوجورنال حينما تم الحكم عليها بمبلغ تجاوز 350 ألف دولار، ما أرغم مدير تحريرها أبو بكر الجامعي إلي الرحيل عن المغرب، واختيار الولاياتالمتحدةالأمريكية كمنفي اختياري، دون إغفال الحكم بسجن الصحفي مصطفي حرمة الله بالسجن سبعة أشهر نافذة.. كل هذا يحدث في مقابل السماح بازدهار كل ما يزيد أفراد طبقات الشعب المسحوقة تخلفا وبلادة، من انتشار الإذاعات التي لا تقدم أي فائدة لمستمعيها سوي، برامج قاسمها المشترك لغة الشارع، وبرامج الموسيقي والطبخ، وإن كانت هناك برامج سياسية، فهي لن تخرج عن أنها تطبل فقط للنظام وجوقته.. ومن المظاهر المثيرة للغثيان في بلاد المغرب الأقصي، أنه في الوقت الذي تنشغل فيه وسائل الإعلام البصرية في تقديم دروس الدعم للتلاميذ والطلبة مع اقتراب موعد الامتحانات، نجد أن أصحاب الحل والعقد في المغرب، وعكس التيار يخرجون الطلبة والتلاميذ من أجواء الكآبة هذه، بتنظيم مهرجانات للغناء والرقص، في فترة الامتحانات، من قبيل مهرجان موازين في الرباط، ومهرجان بولفار في الدارالبيضاء، مستبقين عطلة الصيف بأزيد من شهر تقريبا.. وفي الأخير يأتي أحد المسؤولين المنبثقين عن 27 في المائة من الإنتخابات الأخيرة، ليتساءل عن أسباب تراجع التعليم، حيث وصل الأمر بوزير التربية والتعليم في المغرب وفق ما ذكرت صحف مستقلة مغربية، إلي اقتراح أن تتابع الدراسة باللغة الدارجة، لتقريب المواد الدراسية للتلاميذ، ولم لا فأبناء المسؤولين والطبقات الميسورة يدرسون باللغات الاجنبية في أرقي الجامعات الفرنسية والأمريكية، بعد أن يكونوا قد تابعوا دراستهم الأولية في مدارس البعثات الفرنسية، وأبناء الشعب عليهم متابعة دراستهم بلغة الشارع.. بل إن هذه الدولة ومؤسستها العملاقة، كمؤسسات الاتصالات، باتت متخصصة في هذه المهرجانات، ودعم الفرق الغنائية الغريبة الشكل مضمونا وشكلا حيث أن لباسها يصدق عليه مقولة عادل إمام في فيلمه الأخير مرجان أحمد مرجان : البنطلونات في النازل والقمصان في الطالع ، فيما أن مجموعات الفن النبيل والملتزم مستبعدة عن أي دعم. كل هذا يؤكد أننا في المغرب، بلد الخيرات المسروقة واقتصاد الريع بامتياز، نسير عكس التيار، وهو ما دفع بالكثيرين من المتعلمين، ومن أبناء الطبقة الوسطي للتفكير في مستقبل أسرهم وأبنائهم قبل حدوث الكارثة، عبر دق أبواب الهجرة المنتقاة التي تلجأ إليها بعض الدول كالولاياتالمتحدة وكندا، ما دام أن الوضع في المغرب لا يبشر بخير... ويمكن من الآن أن نتنبأ بعد عشرين سنة بوضع المغرب الأقصي الذي ستتقاسمه طبقتان: الأولي موغلة في الثراء، يمكن لأبنائها أن تفوت لهم محطات إذاعية ، ومحطات للإستراحة علي طول الطرق السريعة بسومة كرائية تصل لدرهم واحد للمتر واحد في السنة، تصوروا، أي 10 آلاف متر بما يقارب 1200 دولار سنويا . وطبقة مقهورة جاهلة وأمية، مهمتها الأولي المساعدة في العمل علي مضاعفة أموال الطبقة الغنية الحاكمة، وتفوت لها شقق بمساحة 60 مترا، مقابل 12 ألف درهم للمتر المربع الواحد. وبالتالي تكون هذه هي العدالة في تقسيم خيرات العهد الجديد في مغرب القهر والمقهورين، الذين اختاروا الابتعاد عن ممارسة العمل السياسي وامتهان اللا مبالاة، التي تهدد فقط إذا ما هدد رغيف الخبز والعيش. عن الراية القطرية