المجال الاقتصادي بدوره عرف تراجعا خلال السنوات الأخيرة مقارنة بما حقته العديد من دول العالم، فقد احتل المغرب المرتبة 73 على سلم التنافسية الدولية في التقرير السنوي الذي أنجز بمبادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي بتعاون مع البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، الذي يعتمد على 12 معيارا لتصنيف الدول؛ منها المعيار المؤسساتي، ومعيار الاستقرار الماكرو اقتصادي.. ومن المعايير التي تراجع فيها المغرب مجالات الصحة والتعليم الأولي التي احتل فيها (الرتبة (87) التكوين والتعليم العالي (الرتبة (99)، ودينامية سوق العمل الرتبة (129) ، وجاء المغرب متأخرا عن كل من قطر التي احتلت الرتبة (22) ؛ السعودية (28)، والبحرين ()38، وتونس (40) ومصر (70) . فسواء تعلق الأمر بتقرير التنمية البشرية أو تقرير التنافسية الدولية، نجد أن الأداء الاجتماعي الضعيف للحكومة في مجالي الصحة والتعليم هو الذي يؤثر بشكل سلبي في ترتيب المغرب في بعض تقارير المنظمات الدولية. كذلك، مازالت الحريات العامة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، تعترضها نفس الممارسات القديمة. ففي ما يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات، أشار تقرير صدر مؤخرا عن منظمة Humain Right Watch إلى حجم الصعوبات التي تعترض تأسيس الجمعيات بالمغرب؛ منها بالخصوص «غياب أسباب واضحة لعرقلة الاعتراف» بالجمعيات(ص10). ويعود ذلك في نظر هذا التقرير إلى أن «العديد من التطورات لا تزال هشة وقابلة للانتكاس لأنها لم تتم مأسستها». وقد أكدت تلك المنظمة، في التوصيات التي تضمنها التقرير، ضرورة «التأكيد علنيا على حق المغاربة في ممارسة حقهم في حرية تكوين الجمعيات على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات والمواثيق الدولية». دائما في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، أشار تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي لسنة 2009)، على أن العديد من حالات انتهاك حقوق الإنسان، ناتج عن استخدام «السلطات القوة المفرطة لتفريق مظاهرات مناهضة للحكومة»، حيث أن قوات الأمن، مثلا حسب التقرير، «أفرطت في استعمال القوة لمنع مسيرة احتجاجية طلابية» (ص 327). وإذا كان البعض يقول إن« أكبر غنيمة للانتقال كانت هي حرية الصحافة» (حسن طارق: ندوة أي توصيف للانتقال الديمقراطي، لأي وضع؟ ولأي مستقبل؟ الجريدة الأولى عدد الجمعة 442، 23 أكتوبر 2009)، وأن المغرب، قد حقق مكتسبات في مجال حرية الصحافة إلى الحد الذي جعله يتقدم في هذا المجال على مجموعة من الدول العربية، فإنه خلال السنوات الأخيرة سجل (المغرب) تراجعا خطيرا في مجال حرية الصحافة. ففي تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لسنة 2009، الذي صدر مؤخرا حول وضعية الصحافة في 175 دولة في العالم، اعتمادا على مجموعة من المعايير مثل: مدى التزام سلطات الدولة بالحرية الصحافية، والتدخلات القمعية ضد الصحافة، والتسهيلات المقدمة للعاملين في المؤسسات الإعلامية..،و احتل المغرب في هذا التقرير المرتبة 127 مواصلا بذلك تراجعا كبيرا في هذا المجال، في وقت تتقدم فيه مجموعة من الدول العربية، حيث احتلت الكويت المرتبة 60 متقدمة برتبة واحدة، كما تقدمت لبنان بخمس درجات واحتلت المرتبة 61 . وبالرغم من أن المغرب متقدم في مجال حرية الصحافة عن مجموعة من الدول العربية مثل الجزائر (المرتبة 141)، وإيران ((172، ومصر ((143، وتونس ((154، فإن ذلك لا يعني أن وضعية الصحافة بالمغرب بخير. بل أصبحت تتعرض للمزيد من المضايقات والمحاكمات التي تشهد عليها المتابعات القضائية المتلاحقة والمتسارعة للعديد من الصحفيين بالمغرب فيما يشبه «حربا» بين الدولة والحكومة من جهة، وجزء من الصحافة المستقلة من جهة ثانية. ثانيا: أسباب التراجع، وموقف الحكومة منها تقف وراء تراجع المغرب في المجالات التي ذكرناها سابقا العديد من الأسباب. ففي ما يتعلق بالتراجع الحاصل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، لاشك أن سببها يعود إلى السياسات التي اتبعتها الحكومات المغربية منذ مدة، والتي لم تقم سوى بتعميق سياسات التقويم الهيكلي التي بدأت منذ سنة 1983، والاستمرار في توسيعها لتشمل العديد من الميادين التي لم تصلها من قبل مثل التعليم والصحة...، وشروع الدولة في التخلي عن الأدوار المحدودة التي كانت تقوم بها في مختلف المجالات. وذلك على خلاف الدول الأخرى، خاصة الأسيوية، التي اعتمدت على تدخل الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وهو ما انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم المواطنات والمواطنين المغاربة مثل ما يؤشر على ذلك الواقع المغربي من جهة ويؤكده تقرير التنمية البشرية لسنة 2009 من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، لم تحقق حتى تلك التدخلات العمومية المحدودة النتائج المأمول منها، والتي لا توازي حجم الميزانيات التي يتم صرفها؛ وذلك لضعف فعالية الجهاز الإداري المغربي الذي يتم بواسطته تنفيذ مختلف البرامج الحكومية. يتبع