يفاجأ من ساقته أو تسوقه أقدامه إلى حلقة نقاش،أوقارئ للجرائد المغربية المختلفة الأهواء والمآرب والتوجهات ،أومتتبع لبرامج القنوات التلفزية الأرضية منها والفضائية ، متصفح الشبكة العنكبوتية ، منذ مدة ليست بالقصيرة بسييل من الأوصاف والنعوت ، الأفكار والأقوال ، الأطروحات و الكتابات التي تتخذ من القضية الأمازيغية هدفا و موضوعا للنقاش ، نقاش تختلف مستوياته ،وتتضارب مقاصده ، وتسمو أو تبتذل غاياته ومراميه تبعا لموقع صاحب الفكرة ومنشئ الإنشاء الأدبي– قلت إنشاء حتى لا توسم كل الخربشات بالمقال والمقال منها براء- ومرجعيته الفكرية والإيديولوجية وتموقعه - ليس الجغرافي أو الاجتماعي بل العلمي وتكوينه المعرفي ، ومدى فهمه من عدمه لتمازغا أو المغارب كأرض للأمازيغ عرفت نظرا لموقعها الإستراتيجي المسيل للعاب وتعرضت للاحتلال والاستعمار من فبل أجناس وأقوام اختلفت وسائلهم ومطاياهم ، لكن هدفهم كان واحدا هو استيطان الأرض ، استعباد ساكنتها واستنزاف خيراتها ، احتلالات اختلفت أساليبها ووسائلها وتفاوتت مددها حسب الأحقاب والعصور ولعل أطولها هو الاحتلال والاستيطان العربي- عند بداية تطلع العرب إلى فضاءات أرحب وأخصب و بحثهم عن السبايا والغنائم و الأراضي الخصبة بعيدا عن أرض الجزيرة الجرداء القاحلة - والمستمر إلى اليوم، وكان آخرها هو استقدام سليلي الدوحة الشريفة لمن يحميهم من أبناء القبائل الأمازيغية المنتفضين ضد النخبة المدينية الفاسدة عند مطلع القرن الماضي. "" وقد شهدت السنوات الأخيرة، حملة غير مسبوقة من قبل من يعتبرون أنفسهم أوصياء على سلامة وأمن هذه الأرض، حملة سمتها الأساسية استهداف كل الأصوات الواقعية التي صارت بالفعل تهدد معاقل الأسطورة والخرافة، أسطورة عمرت منذ 1956 إلى اليوم، أركانها السلطة الواحدة ، العرق الواحد، الأصل الواحد ، الدين الواحد ، المذهب الواحد ، اللغة الواحدة ، المصير الواحد ،يحرص على حماية صرحها المستفيدون منها ممن تسلطوا على رقاب الناس ، عبر مسخهم ، تهميشهم ، تجويعهم ، وردمهم في برك احتقار الذات والجهل الآسن ، بينما هم يعيشون وذووهم من حفدة الشرفاء وسليلي الأعراق النقية وقطعان الوصوليين والانتهازيين والإنبطاحيين ، في أبراجهم العاجية ، يدافعون عن الوضع السائد ومستعدون لتقديم كل المغاربة قربانا لنزواتهم وأطماعهم الجهنمية، وقد دشنت الحملة منذ عقود وصارت عيانا مباشرة بعد قدوم فرنسا وتخليصها النخبة المدينية المستكينة للكلام من خطر القبائل الأمازيغية المنتفضة والتي لم تكسر شوكتها نهائيا إلا بعد تضحيات جسام من قبل فرنسا واسبانيا التي استخدمت كل أنواع الأسلحة المسموح بها والمحظورة، وكل الأساليب والدسائس لنزع الشرعية عن المقاومة الحقيقية وإضفائها على من كانوا بالأمس يهللون للمقيمين العامين وينشدون في إقاماتهم قصائد التهنئة والنصر عند اكتساحها لمنطقة أمازيغية جديدة ، تمهيدا لاستلام المشعل كمخاطب وحيد أثناء مفاوضات ما سمي بالاستقلال التي حافظت بموجبها فرنساعلى كامل امتيازاتها في المغرب ، مقابل احتلال خونة الأمس لمراكز القرار وإرثهم كامل حقد أسلافهم وولية نعمتهم ضد الأمازيغ ، وهو ما سيتجلى واضحا مباشرة بعد 1956 حينما استهدف الكيان الأمازيغي في كل تجلياته ، بإقصاء الأمازيغي من المسؤولية ، واتهامه بالخيانة ، قصفه ، حصاره ، تهميشه ، وإلغاء هويته وتحقيرها ، واستبعادها من كل مناحي الحياة العامة ، وإقصاؤها من كل أسباب الاستمرار والحياة، ليستمر المشروع ، مشروع القضاء على الأمازيغية ، عبر حصارها وتصييرها مرادفا للجهل والتخلف والأمية ، وحاملها وحاميها إلى هدف لأعتى وأفظع أساليب القمع المادي والرمزي ، فعنف الإنسان واستبيحت كرامته وآدميته ، واستصدرت ظهائر وقوانين تحرمه من أبسط حقوقه في الكينونة وممارسة المواطنة الحقيقية ومنها حقه في التعليم بلغته الأم ، والتواصل بها في كل مناحي الحياة ، وفلكرت ثقافته رغم عراقتها بل تفهت ، وضاعت أجيال وأجيال لا تجد بين جدران المدارس مكانا لها مادامت لا تسعى إلا إلى تغيير أسماء الأشياء والكائنات بأسماء جديدة ، وما يعنيه ذلك من نية مبطنة في تعريب سريع للحجر والبشر في انتظار إلحاقه بأمة العرب ، حلم لم يتحقق ، بل تخرجت من نفس المدرسة نخبة رأت الواقع بعين غير عين تنظر إلينا من مناظر شكيب أرسلان وعلال الفاسي والمهدي بنبركة وعابد الجابري ومصطفى العلوي ، عين تمتح من معين الحقيقة ، الواقع ، الجغرافيا ، التاريخ ، الأنتروبولوجيا ، اللسانيات ...عين يوجهها عقل حي مستيقظ يبحث باستمرار عن الحقيقة وليس عقولا عشش فيها العنكبوت منذ أربعة عشر قرنا ، وقلوب تخفق لأرض وإنسان ولغة تعايشوا منذ الأزل فإذا بتاريخها يختزل في اثني عشر قرنا... لقد أيقن أعضاء هذه النخبة العظيمة أن قدر الأمازيغية بين أيديهم ، فأخرجوا مشعل يوكرتن ويوبا وماسينيسا وتيهياوكسيلةوميسرة وبورغواطة وبن تاشفين وبن تومرت وعبدالكريم الخطابي وموحا أوحمو أزايي وعسو أوباسلام وعبدالله زاكور وأنفلوس وعباس المساعدي وعدي أوبيهي ولحسن اليوسي وغيرهم ، أخرجوه من تحت رماد القرون والإطمار القصدي والنسيان ، فحملوه وتلظوا بلهيبه ، فسجن من سجن وخطف من خطف وكابد الويلات من كابد ، لتنبعث حركة أمازيغية ، ما فتئت تتعقلن وتتنظم ، وتنمو وتكبر ، ويسطو حامو الأسطورة محميوها ويتجبرون ، فاصطف لمعاداة الأمازيغية أطياف وألوان ، تمتح كلها من معين العقلية المتحجرة المذكورة سماتها آنفا ، فتتحدث تارة عن الوحدة الوطنيةوالإنفصال ، وطورا عن محاربة لغة الله والقرآن والجنة ، وطورا عن الخيانة والعمالة والإستقواء بأعداء أمة لا وجود لها إلا في خيالات متوهمي وحدة أبدا لن تتحقق... أساليب لم ولن توقف مد الوعي بالذات الأمازيغية الأصيلة ، التي تعرضت لكل أشكال الإبادة والتذويب والمسخ ، وتتعرض لكل أساليب التأجيل والاحتواء حينا ، الترغيب والترهيب أحيانا ، فضيق على التنظيمات ، بل هوجمت وحلت ، وحوربت العقول والأقلام والأصوات المتحررة ونبذت ، ومنع الإنسان الأمازيغي من أبسط حقوقه اللغوية والثقافية ، الاجتماعية والاقتصادية ومؤخرا السياسية ، كل هذا سيرا على منهج السلف الصالح ومشروعه الإجرامي في إبادة الذات الأمازيغية وإلحاقها بمنظومة العرب... يتبع الطيب أمكرود [email protected]