لعبد الهادي بلخياط، أغنية جميلة بعنوان "قطار الحياة" كتبها الراحل علي الحداني ولحنها عبد الرحيم السقاط، يُعجبني فيها مقطع يسأل فيه بلخياط بطريقته المعهودة في الأداء فوق المنصة "فين الشباب؟"، فيكون الجواب من الجُمْهور "عْيَا وذْبَالْ". لا أعرف لماذا تذكرت هذا المقطع من أغنية مغربية خالدة، وأنا أقوم بتغطية صحفية للملتقى الوطني الثامن لشبيبة العدالة والتنمية بمدينة طنجة ؟ ربما لأن سهرة الملتقى سيشارك فيها فنان في حجم عبد الهادي بلخياط، وربما لأن هذه المحطة السنوية تجيب على سؤال "فين الشباب ؟"، بقولها "هأنذا"، سيما وأن هذه الفئة العمرية كانت مُتهمة بالعزوف عن اقتراف جريمة اسمها "السياسة". يأتي ملتقى طنجة بعد حراك 20 فبراير الذي تزعمه الشباب، أو "الدراري" كما يحب أن يناديهم البعض، ليبرهن بأن الشباب المغربي استعاد عافيته وعاد ليلعب دوره في نهضة بلاده، وما أعجبني في الملتقى مشاركة شباب من مغاربة العالم حرصوا على قطع مسافة طويلة من أجل متابعة فعاليات الملتقى، شباب من إيطاليا وفرنسا واسبانيا، وبطبيعة الحال شارك بقوة شباب من "الداخل"، (كما ينعتنا سكان مدن الشمال). يأتي أيضا ملتقى الشبيبة، وحزب العدالة والتنمية يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، ومع ذلك فإن مجموعة من المتدخلين خلال اللقاءات التي حضرها وزراء الحزب، امتلكوا الجرأة لتوجيه سهام النقد للحكومة، و"سلخوها" في بعض الملاحظات، ناهيك عن تفاعلهم الكبير مع ندوة اجتمع فيها "الثلاثي أمنا"، كما سمعت أذناي اللتان سيأكلهما الدود والتراب، ذلك من أحد المشاركين، ويقصد عبد العالي حامي الدين وكريم التازي، وتوفيق بوعشرين، لأن هؤلاء الثلاثة تحدثوا لغة بعيدة عن لغة الخشب، وانتقدوا "المخزن" بشكل صريح، كما توافق معهم في لقاء في اليوم الموالي أحمد الريسوني، الذي تحدث أيضا بوضوح عن علماء "الوظيف" الذين طالب (الريسوني طبعا، وليس الوظيف) من المشاركين البحث لهم عن اسم آخر غير اسم العلماء. الضيف الذي خيب ظني شخصيا، عبد المنعم أبو الفتوح الذي يبدو أنه لم يكن "مذاكر" جيدا، كما يقول المصريون ربما بسبب فشله في الظفر برئاسيات مصر، وهكذا اكتفى بنصيحة الشباب بممارسة الرياضة لأنها تحمي من الأمراض. وتحدث بالعامية المصرية في الوقت الذي نصحنا بالحديث باللغة العربية..واسي أبو الفتوح، عْلاَشْ فكرتينا فالرياضة راها سيدة مريضة تنام في المستشفى منذ حلول طبيب اسمه "غيريتس". هل فعلت ذلك لأنك طبيب؟ عندما تابعت تفاعل الشباب المغربي المشارك في الملتقى مع مداخلات المغاربة، طرحت سؤالا على نفسي، لماذا نحرص على دعوة هؤلاء الأشقاء المصريين، في الوقت الذي يحفل فيه وطننا بفعاليات فين يْبَان أبو الفتوح، وفين يْبَانْ خفاجي وغيرهما؟ آعباد الله، عندنا طاقات "تفجر" قليل منها في فعاليات الملتقى مثل عبد الحق الطاهري في الفكر، وأيوب ورشيد وشيماء وإيمان في الإذاعة، والمهدي ونبيل وعثمان وزكرياء ومصطفى والعربي في السمعي- البصري، شاب آخر يغني فن "الراب"، يلقب نفسه ب"الشيخ صار" رغم أنه مازال في مقتبل العمر، وشاب ألف كتابا في اللسانيات والفلسفة، شعراء وشاعرات خطباء وخطيبات (من الخطبة بضم الخاء). إنه قبس من النبوغ المغربي، بتعبير المفكر المغربي الراحل عبد الله كنون، ابن مدينة طنجة، النبوغ المغربي الذي أبان عنه بعض المشاركين من الشباب ذكورا وإناثا، هؤلاء وغيرهم من الشباب الغيور، يعيدون كتابة التاريخ من جديد، فبعدما كان الشباب في فترة مقاومة الاستعمار الواجهة وفي قيادة الحركة الوطنية، وبعد تسلم السلطة بعد الاستقلال، بدليل أن الحكومة الأولى لبلادنا كانت حكومة شابة. لامجال لتكرار الأسطوانة المشروخة، "يجب فسح الآفاق الحزبية أمام الشباب"، حاليا الشباب يفتحها لنفسه بنفسه، انتبهوا الشباب قادمون. المطلوب، كما أوصى الكاتب الوطني السابق لشبيبة العدالة والتنمية، ووزير النقل والتجهيز عبد العزيز رباح، شبيبة حزبه، بالاستمرار في التواصل مع المواطنين، مؤكدا بأن ذلك "رأس مال" ثمين، وإلا ستكون "الصدمة"، وقوية بتعبير مرة أخرى عبد الهادي بلخياط في أغنية "قطار الحياة" التي يحكي فيها عن حاله "الصدمة كانت قوية..حرقت مشمومي في يدي وطاح رماده فوق رماد..ومشات أيام وجات أيام". بالفعل مضت أيام عزوف الشباب، وجات أيام يقول فيها الشباب كلمته، والذي مازال فينفسه ذرة شك اقترح عليه زيارة ملتقى طنجة، ليسمع بلخياط يغني "يْبان لك الفرق يا مسكين". [email protected]