تكوينات من الأنترنيت و شباب مآله..... البطالة كما يبدو أن الخاصية الأساسية للإصلاح الجامعي تتمحور حول نفي جملة وتفصيلا كل التجارب السابقة في ميدان التربية والتكوين وخلق قطيعة معها. فهل هذا اعتراف ضمني محتشم بان التجارب السابقة كانت كلها سلبية وغير مجدية ولم يكن وراءها أي طائل؟ ومهما يكن، فإن الهدف من أي إصلاح جامعي، من المفروض أن يكون هو الجودة في التكوين واكتساب المهارات، لكن هل الإصلاح الجامعي كما هو مبلور حاليا في إمكانه تحقيق هذا الهدف؟ ليست الموارد البشرية و المادية وحدها هي التي أخرجت الإصلاح الجامعي عن مساره، بل المسكوت عنه في الجامعة المغربية سبب من الأسباب الرئيسية في إخفاق هذا الإصلاح الجامعي، ومع الأسف أصبح العديد من الأساتذة الجامعيين (ليس الكل طبعا) لا يقدرون حتى على النقد البناء مخافة عميد الكلية أو رئيس الجامعة طمعا في منصب قد يأتي أو لا يأتي كنائب عميد، أو نائب رئيس، أو عميد أو مكلف بكلية، أو لأن من الأساتذة الجامعيين الجدد (العشر السنوات الماضية) من مازال لم يصدق أنه اشتغل و أصبح يتقاضى أجرا يخاف زواله!!! بل يصل ببعضهم الخوف حتى درجة عدم مرافقة من ينتقد هذه الوضعية أمام العميد أو رئيس الجامعة، وحين يصل الأستاذ الجامعي إلى هذه الدرجة من "التقفقيف" فما عسى الإصلاح أن ينفع حتى ولو أوتي جميع الموارد فسننتج جيلا "قفقافا". "" حين أتى هذا الإصلاح الجامعي استبشر الناس خيرا، ولكن الإصلاح لم يأت دون تحفيز وهمي للأساتذة الجامعيين، و هو ما أصبح يصطلح عليه بشبكة الترقية و هي عبارة عن جدول يحدد كل مجهود بتنقيط، و بمجموع هذه النقط يمكن للأستاذ أن يستفيد من الترقية السريعة و ربح سنتين على سبيل المثال حتى لا ندخل في تفاصيل هذا الجدول. هذا التحفيز الصوري كان سببا في السرعة وراء تطبيق الإصلاح، و تحول الأستاذ الجامعي إلى تلميذ يجري وراء كسب أكبر حصة من النقط. و تهافت العديد و ليس الكل وراء مسؤولية المسالك. لقد وعد الأستاذ (بضم الواو) في خطابات شتى بأن المسؤول عن المسلك سيصبح كعميد "صغير" و أكثر درجة من رئيس الشعبة التي ينتمي إليها و هو الذي يتصرف في ميزانية و مناصب المسلك، في حين لم يكن هذا الوعد إلا فخ ما زال مفعوله سائرا, و أحضرت المسالك من الأنترنيت في وقت قياسي، و أفرزت هذه السرعة على تكوينات لا علاقة لها في أغلب الأحيان مع الواقع المغربي. العديد من التكوينات تحضر وحتى الآن في يومين !!! وتوافق عليها اللجنة المكلفة بالسهر على اختيار المسالك!!! فإذا قلنا أن واضعي هذا الإصلاح الجامعي انطلقوا، ليس من مرجعية مغربية، وإنما انطلقوا بالأساس مما يراه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان يريان أن العالم منقسم إلى دول تصنع وتنتج ودول تستهلك وتتاجر فقط. ويرون أن العالم الثالث في حاجة إلى عامل متمدرس فقط و إلى مستهلك متلهف إلى الاستهلاك، فالأساتذة الجامعيون قد ساهموا هم كذلك في ترسيخ هذا المفهوم لأن جل هذه التكوينات أخذت من الأنترنيت أي من دول لا علاقة لنا بواقعها، و لا بمواردها سواء المادية أو البشرية، و لا بنسيجها الاقتصادي، ولا حتى بالديموقراطية داخل الجامعة بحيث أن الأستاذ الجامعي بهذه الدول ليس في حاجة للتملق للعميد أو رئيس الجامعة لكي يكلف بمهمة، بل مجهوده العملي و العلمي يغنيه عن ذلك و هذا واقع تعيشه الجامعة المغربية و مسكوت عنه. فالجامعات التي تفكر في مصلحة الشباب و مستقبلهم فإنها تختار تكوينات تناسب معطيات واقعية، و ترجع بالأساس إلى إحصاءات مدققة للحاجيات في ميدان الشغل، ولا يفتح المسلك إلا لسد حاجيات خاصة يكون النسيج الاقتصادي في حاجة إليها و حين يصل إلى الفائض فإن المسلك يغلق و يفتح آخر ليلبي غاية و ليس هكذا لوجه الله كما هو الحال عندنا. فروح الإصلاح لا تطبق إلا في الدول التي تخطط تخطيطا سليما لشبابها و ذلك حتى لا يصبحوا عرضة للبطالة و نعرف جميعا مآسي هذه المعضلة التي تجعل الشباب يكره وطنه إلى حد الرمي بنفسه في البحر و هو الحد الأقصى الذي يمكن أن يعبر به الإنسان عن كرهه لنفسه و لوطنه. هذه الوضعية وحدها عار في جبين المسؤولين عن هذا الشباب، حكوميون و جامعيون، و لا داعي لمناقشة لماذا لا يرمي الأوربي أو الأمريكي الشمالي أو الإسرائيلي أو الأسترالي بنفسه في البحر مغامرا بحياته. الجواب في جملة مختصرة: هذه الدول تعتبر الإنسان هو أول ثروة للبلاد وليس البترول أو الفوسفاط أو الخوزعبيلات وخير مثال على ذلك هو اليابان الذي بدون أي ثروة طبيعية ما عدا الإنسان الياباني استطاع بناء اليابان من جديد بعد أن خرب إبان الحرب العالمية الثانية و أصبح الآن من متزعمي الاقتصاد العالمي. هذه الدول التي تحرص على خفض معدل البطالة فإنها تعمل أولا على معرفة حاجيات النسيج الاقتصادي الذي هو أصلا مقننا و مهيكل داخل جمعيات تعمل على تطوير القطاع (الصناعة الغذائية، الصناعة الكيماوية، الخدمات، الفلاحة، الإدارة، المقاولات،......) أي أن كل قطاع له معطياته و حاجياته تتكلف بها جمعية القطاع على مستوى و طني. و آنذاك تعمل الجامعة بتنسيق مع جميع هذه المعطيات على فتح مسالك لها علاقة بالواقع و ذلك تحت إشراف الوزارة التي تقدم الموارد لذلك و تنسق بين الجامعات. مع الأسف، ما يقع الآن هو سباق بين الكليات، و خصوصا عمدائها، لتقديم أكبر حصة من المسالك و.......السلام. وفي اجتماعهم مع رئيس الجامعة أو في مجلس الجامعة، كل عميد يتباهى بعدد المسالك و التكوينات من نوع "كوكوت مينيت" حتى يكون السيد رئيس الجامعة راض عنهم و مستقبل الشباب......."ما سقهومش". إلى هذا الحد و صلت الجامعة و لهذا تدنى المستوى بالجامعة و إن بقي الحال على ما هو عليه فلن يسير مستوى البطالة إلا في الارتفاع ومستوى الخريجين إلا في التدني. كل مسؤول لا يسعى إلا لملأ سيرته الذاتية لضمان النجاح في مباراة أخرى و البقاء في المنصب مع كل ما يحمل من امتيازات أما مستقبل الشباب فلا.....يهم. و الأساتذة المقربون للإدارة و المحبوبون و المرغوب فيهم هم الذين يدخلون هذه اللعبة الجامعية الجديدة، و يساهمون في رفع البطالة فهم الذين يعينون نواب العميد أو تعطى لهم مسؤوليات أو يكلفوا بمهمة....فإلى أين تذهب جامعتنا !!! لم يعد الأستاذ الجامعي مطالب بالتفكير و التخطيط لمستقبل الشباب و البلاد، بل أصبح إما أن يدخل في اللعبة لكسب بعض النقط أو بعض المسؤوليات أو أن ينعت بالمشاغب أو المتكاسل، إنه مفهوم الوطنية الجديد.ومن المسكوت عنه كذلك أن هناك مجموعة كبيرة من الأساتذة الجامعيين في المدن الصغرى، حيث يتغيب الأستاذ الذي هو مستقر بمدينة كبيرة و ذلك بمباركة العميد حتى يتسنى للعميد الراحة و لا يجد من يحاسبه )اعطيني نعطيك)، وهكذا يعمل هؤلاء الأساتذة شهرا واحدا و يتلقون أجرة 12 شهرا (10000 درهم/شهر على الأقل) أليس هؤلاء أساتذة أشباح ؟ ومنهم من يقطن بالديار الأوروبية، ومنهم من يقضي معظم وقته في أوربا ليضيف أجرا آخرا لأجره، في حين هناك عدد من الدكاترة المعطلين والأطر العليا الأكفاء يعتصمون أمام البرلمان والحكومة غير آبهة بهذه التجاوزات أو تعمل على تبخيس الدكتوراه الوطنية و تضعهم يدرسون في قرى مهمشة في حين أن الدكتور مهمته التدريس و البحث العلمي والإطار العالي مهمته التكليف بمهمة أو مسؤولية كما تضعهم في سلم لا يوازي مستوى شهادتهم، فما عسى أن يكون مردودهم. حين تصل الجامعة و الجامعيون إلى هذا المستوى فماذا يمكن لنا أن نرجو بعد ذلك إلا لطف الله. فلا نستغرب لما يقع داخل الأحزاب السياسية و داخل المجتمع بصفة عامة إذا كانت الجامعة نفسها تعيش نفس المواقف الاجتماعية. حتى على مستوى التوظيف في الجامعة فإنها لا تخلو من شبهات: لجن مفبركة، و انتقاء المقربين تحت حجة اسمها "المباراة و الشفافية"، وهنا لا نعمم طبعا ولكن هذا واقع يعلمه كل أستاذ جامعي و يدخل في خانة المسكوت عنه. وليس كل الدكاترة الذين يحتجون أمام البرلمان ليست لهم مؤهلات بل لهم أكثر ممن هم محظوظون أو "دفعوا أكثر" و كان لهم دعم في اجتياز ما يسمى "مباراة" هذا هو حال الجامعة الآن مع الأسف. و نحمد الله أن هناك من الأساتذة من ما زال يدافع بكل ما أوتي من جهد على ألا تصاب الجامعة بفيروس المحسوبية و الرشوة و تبدير المال العام بدون رقيب و لا حسيب و ...الفيروس قد دخل بعض الكليات مع الأسف، ورغم ما يكتب عن بعض الكليات و مسؤوليها في تبدير المال العام فإن المجلس الأعلى للحسابات لا يكلف نفسه عناء التنقل للمراقبة......"ما سوقهومش حتى هما"، فلهذا نقول.....وداعا يا جامعة، آجركم الله يا شباب. سليم فؤاد-أستاذ جامعي