يفترض وجود بطالة أن يكون العمل الاجتماعي محط تبادل تجاري أو تسويقي، بمعنى أن العامل يبيع قوته في العمل الى مشغل. من ثم فإن عدم إيجاد مشتري لقوة العمل (قوة العامل ) هو الذي يحدد وضع العاطل. وإذن لا تكون هناك عطالة عندما يكون العمل الاجتماعي منظما في إطار علائق خضوع شخصي أو جماعي، فالعامل لا يتوفر على إمكانية للمشاركة في العمل الاجتماعي والحصول بالتالي على مدخول إلا بحصوله على شغل بأجرة» يعرض كتاب عن البطالة (1) الى المفهوم، المحددات، آليات البطالة ومواصفات الشخص العاطل. هنا بعض النماذج من مقاربة البطالة. أي تعريف للبطالة؟ يعتبر وجود عشرات الملايين من العاطلين في العالم اليوم، فضيحة قبل كل شيء. أولا فضيحة فردية لهؤلاء الذين يبحثون بلا جدوى عن شغل، ويجدون أنفسهم في حالة إقصاء في وضعية دونية ونقص. إنها دونية لا يشعرون بها فقط على مستوى مدخولهم، بل ينظرون إليها كإقصاء يخلق اضطرابا في علاقتهم مع محيطهم المباشر ومع توازنهم وتطورهم الشخصي. ثم ثانيا فضيحة على المستوى الاجتماعي: كيف يمكن لأنظمة اقتصادية بعيدة عن ضمان مستوى مقبول من تلبية حاجيات الجميع، كيف يمكن لها ان تهدر كميات هائلة من القدرات القادرة على العمل، أي قدرات على الانتاج، وإذن أمام هذه الوضعية تحدث نزاعات بالضرورة اجتماعية وتوترات سياسية. يخلق التقسيم الاحصائي للساكنة ثلاث فئات: الفئة النشطة الممارسة لعمل، الفئة غير النشطة والعاطلين، العديد من الصعوبات في التعريف، إذ قد يؤدي الامر الى تصور اختزالي للبطالة. تكون معرفة صورة العاطلين نتيجة لإجابات عن سؤالين متعاقبين: هل يشغل شخص عملا أم لا؟ وإذا كان الجواب لا، هل يبحث عن عمل أم لا؟ هنا تظهر صعوبة أولى في تعريف البطالة، صعوبة تقوم على التوليف بين معيار وضعية كون الشخص لا يشغل عملا معيار سلوكي البحث عن عمل يمكن ان يكون النظر الى الاول على أنه موضوعي، أما الثاني فيتضمن بالضرورة جانبا ذاتيا. في 1954، صادق مؤتمر دولي لعلماء الاحصاء في الشغل أقيم في مقر المكتب الدولي للشغل BIT على تعريف للبطالة وتم تغييره في 1982. تفسير هذا التعريف يكون أحيانا صعبا ويجب ليكون عمليا أن يدقق بواسطة إحصائيين من كل بلد. ثمة ثلاثة شروط اعتمادا على أدبيات المكتب الآنف الذكر بالخضوع لتعامل كل بلد وإحصائياته: _ أن يكون الشخص بلاعمل محروما من شغل بأجرة وبغيراجرة _ أن يكون جاهزا للعمل في شغل بأجرة أو بغيراجرة _ أن يكون في بحث عن عمل. يفترض الشرط الاول تدقيقا مهما : وحده يؤخذ في الاعتبار العمل الذي يكون موضع أجرة .هذا الامر يتماشى مع تعريفات النشاط أواللانشاط . وهي تعريفات لا تقوم على صراع بين عمل وغياب عن العمل،بل عن صراع بين عمل بأجرة وعمل بلا أجرة، فالعمل غير المؤدى عنه (العمل المنزلي بين التطوعي الذي لايخرج صاحبه من دائرة الساكنة المسماة «غير نشطة» و البطالة لاتعني الغياب عن العمل بل غياب عمل بأجرة . يستبعد الشرط الثاني من البطالة الاشخاص الراغبين في العمل،والذين لا يكونون غير جاهزين للتو - أما بسبب مرض أو أنهم في طور تكوين . أما الشرط الثالث فهو الذي يخلق الكثير من الخلافات، هل يجب الإكتفاء بتصريح المعنيين بالأمر أم هل يجب أن نراقب- و إلى أي حد- حقيقة مسعاهم في البحث عن عمل؟ يتمثل حساب معدلات البطالة في أداتين ؛ بحث عن طريق إستطلاعات الرأي لدى الساكنة ، ويتمم بإحصاء ، عام للسكان، ثم التسجيل من طرف طالبي العمل داخل الهيئات المكلفة بالتشغيل. و مهما تكن جودة الاداة، فإن صحة القياس تتوفق كذلك على التعريف العملي الذي نعطيه عن البطالة . إذا كان من الصعب قياس البطالة، فهدا أساسا لأن شرائح مهمة من الساكنة تجد نفسها في مواقف وسطية بين الشغل، اللانشاط والبطالة، يحيل مفهوم منصب الشغل عادة الى منصب شغل بانتظام ولوقت كامل لفترة تعتبر عادية ومتوسطة. يفضي التعريف الاعتيادي للبطالة ضمنيا الى نوع من التبسيط الذي يفسد فهم الظاهرة. فالقول إن البطالة تتشكل من مجموع الافراد الباحثين عن شغل ولا يجدونه، معناه فتح الطريق أمام فهم للبطالة على انها فارق متبقي. فالبطالة قد تكون ناتجة عن الفارق بين عدد الوظائف المحدثة من طرف البعض وعدد مناصب الشغل التي يتم البحث عنها من طرف البعض الآخر. كيف يتم تحديد مستوى الشغل داخل المقاولات؟ يمكن أن ندرج إجابة أولى: على مدى قصير تقدم تقنيات الانتاج، وهي تحدد مستوى معينا من الانتاجية في العمل (الانتاج عن كل عامل)، على مدى متوسط تتطور تقنيات الانتاج وتحدث تناميا في الانتاجية. ليس هذا الجواب كاف، إذ يكشف التحليل المفصل لتطور الانتاج ان هذا الاخير لا يتوقف فقط عن تحول على المدى المتوسط لتقنية الانتاج، بل تكون الانتاجية متأثرة على مدى قصير بالتقلبات الظرفية انحسار الانتاج، تدفق الانتاج. لا تكون البطالة رصيدا ناتجا عن تحديد منفصل لمستوى الشغل ومستوى الساكنة النشطة. فالشغل، البطالة والركود عوامل مرتبطة فيما بينها بواسطة شبكة من التداخلات. يكون ثقل البطالة داخل مختلف فئات الساكنة دائما غير متكافئ. من ثم لا يكون خطر التعرض للبطالة وفرص الخروج منها متكافئين وفقا للفئات التي تشكل الساكنة النشطة. يمكن تحديد حالات البطالة كالتالي: تكررية، تحويلية (الى تخصص آخر)، إقصائية. وفي معظم الحالات تكون لتجربة هذه الانواع من البطالة صدمة عميقة لدى المعانين منها: اهتزاز نفسي، انهيار العلائق مع المحيط، وحتى عندما تكون مؤقتة، فإن البطالة تترك أثرا لا رجعة فيه في المصير المتعلق بالعاطلين. يتحدد التعرض للبطالة والهشاشة تجاهها كاحتمال للدخول في وضعية عطالة في فترة معينة داخل ساكنة معينة. يمكن تصنيف أسباب الدخول الى العطالة الى: التسريح وانتهاء مدة العمل المؤقت، الاستقالة، عدم ممارسة شغل إطلاقا، فالاستقالة من العمل تكون قرارا يتخذ من طرف الأجير بحثا عن عمل أفضل دون أن ننسى «الاستقالات» بسبب ضغط من طرف المشغل أو بسبب منحة المغادرة «الطوعية». إلا أن هذا الصنف بدأ يقل مع تدهور سوق الشغل. يمكن أن يأتي الدخول في وضعية عطالة نتيجة قرار للمشغل، والشكل الكلاسيكي لهذه الظاهرة هي التسريح الذي تتحكم تقلبات النشاط الاقتصادي، سيما في قطاع الصناعات. يتحدد تعريف التشغيلية كاحتمال داخل مجموعة من العاطلين للعثور على شغل خلال فترة معينة. وتكون التشغيلية تبعا للأقدمية في وضعية عطالة، من ثم يكون احتمال العثور على شغل متناقصا عندما تطول مدة البطالة، وفترتها. والاسباب تتوقف أولا على سلوكيات طالبي العمل (إحباط تدريجي) ثم تدهور القدرات المهنية لطالب الشغل، الخ من ثم تتناقص التشغيلية مع سن العاطل (تلاؤمية أو عدم تلاؤمية طالبي الشغل، معايير الانتقاء من طرف المشغلين). على العكس من ذلك من الصعب إقامة علاقة بسيطة بين التشغيلية والتأهيل المهني. ثلاثة أنواع من البطالة لقد أبرزت الأبحاث، بصفة خاصة، العلاقة بين التشغيلية و الماضي المهني لطالبي العمل، بما في ذلك اسباب وجودهم في عطالة. يعتبر الحاصلون على مناصب شغل مؤقتة في نفس الآن هم هؤلاء الذين يدخلون في الغالب إلى خانة البطالة، وهم الذين يعثرون بسرعة عن شغل، لكن هذا الشغل في الغالب مؤقت، على النقيض من ذلك يعاني الذين فقدوا عملهم المستدام صعوبات اكثر للخروج من فترة البطالة، لكنهم يتوفرون - عندما يتمكنون من الخروج من فترة العطالة - على فرصة اكبر للحصول على إعادة ادماج مهني مستقر. «فالحركية عربون على التشغيلية، لكن للااستقرار تأثير متواتر» (كارلا ساغليتي) تبرز هذه الملاحظة الخطر الذي قد يكون بخصوص دراسة اسباب الدخول في بطالة بمعزل عن شروط الخروج منها. فسوق الشغل تشتغل مثل مضخة سفاطة (ماصة) مبعدة. فخلال كل فترة، تتم تغذية السوق بواسطة مصادر مختلفة. من جهة، هناك المخزون من طلبات العمل التي تتم تلبيتها خلال الفترة السابقة، من جهة أخرى، تدفق على سوق الشغل خلال الفترة (نهاية عقد العمل بمبادرة من المشغل أو بمبادرة من الاجير، الدخول الى النشاط او استئناف النشاط). خلال نفس الفترة، يقترح سوق العمل حجما معينا من امكانيات التشغيل: عروض لم تتم تلبيتها في نهاية الفترة السابقة، خلق مناصب شغل جديدة، التعويض داخل مناصب عمل اصبحت شاغرة. فالالتقاء بين هذه العروض وتلك الطلبات لا تكون نتيجة لمسار احتمالي، فهو محكوم بسياسات التوظيف من طرف المشغلين، المعدلة الاتجاه، الى حد ما بواسطة توجهات سياسة التشغيل. ثمة ثلاث ديناميات تتجه إلى أن تصبح غالبة: بطالة متكررة، بطالة التحويل الى التبديل، بطالة الاقصاء. تطال البطالة المتكررة اشخاصا عرفوا عدة عبورات من سوق الشغل تتميز هذه الفئة بنسبة مائوية عالية من العمال الاقل تأهيلا، ومن مزاولين سابقين لأشغال مؤقتة. فترات البطالة عند هؤلاء لاتطول كثيرا لأنهم بدون شروط بالعمل الموجود، بأجرة ضعيفة ولا يتمتعون بتعويض عن العطالة. من ثم تعاقب فترات عمل وفترات بطالة، وبينهما احيانا بفترات تكوين متقطعة. تطال بطالة التحويل بالاساس من لا يكونون عرضة لتسريح اقتصادي، وكانوا حتى عهد قريب يتمتعون بعمل قار. وهذه الفئة تتمتع بتعويض عن البطالة، لأن مدة استقرارها في العمل تضمن لها ذلك، بالاضافة الى مدخولها المرتفع سابقا. وسيكون بإمكانها أن تعرف اندماجا جديدا في سوق الشغل بعد تحويل او تبديل تخصصها المهني. بطالة الاقصاء تهم العمال الذين يتقدمون الى سوق الشغل بمعيقات صعبة، بحيث يكون احتمال ادماجهم ضعيفة في سياق انتقائية جادة. وباستثناء ما اذا استفادوا من اجراءات خاصة. فانهم مرشحون لبطالة ذات امد طويل تولد تدهور مؤهلات العمل لديهم، يصابون بالاحباط ويتخلون عن فكرة البحث عن عمل، سيما عند الفئات المسنة المشرفة على التقاعد، بحيث تصبح مهمشة وفي وضعية اقصاء. البطالة وقت فارغ لا وقت حر ثمة حالة بطالة تسمى العاطل «المزور» وهي حالة نادرة. وهم تلك الفئة من العاطلين الذين يتبنون هذه الوضعية، لأنها تتيح لهم فرصة للاستفادة من نظام للحماية الاجتماعية، بطريقة مغشوشة الى حد ما (اشخاص لا يرغبون في العمل، اشخاص يعملون عن قصد في «الشغل السري او المتستر» فالمشكل المطروح هنا مشكل مراقبة. والملاحظ هو أن البطالة الحقيقية عندما تكون مكثفة تجعل من الصعب اكتشاف الغش. البطالة هي قبل كل شيء فقدان وضعية، يترافق العمل بمسار تملك بسيكولوجي لوسائل العمل ومكان العمل بحيث ينظر الى التسريح من العمل كإقصاء تعسفي من مسار انتاجي ساهم العامل في تطوره. من هنا تعاش البطالة كمسار للتقليل من قيمة العامل. كذلك تعاش البطالة لا كوقت حر،بل كوقت فارغ. من المحاولات المتعددة لتحديد عوامل موضحة للبطالة. هناك ثلاثة تستحق الدرس، وهذا على الاقل، بسبب الاهمية المخصصة لهم في النقاشات السياسية او في الوسائط. - تعود البطالة الى تدفق قادمين جدد لسوق العمل او للوجود غير المبرر لبعض الفئات من الساكنة في السوق - تعود البطالة إلى العاطلين، فالإرادة السيئة، المعلومة الرديئة، الكسل، كلها عوامل تفسر لماذا يظل البعض بدون شغل، فالذي يريد ان يعمل يصل في النهاية الى ايجاد عمل - هناك الاداة التفسيرية الكونية لكل ظاهرة اجتماعية: التقدم التقني بخصوص هذه النقطة الأخيرة، ثمة بالفعل علاقة بين التغيير التقني والتوظيف، غير ان هذه العلاقة ليست اوتوماتيكية في شيء، انها تكون وفقا لمسارات اقتصادية واجتماعية تشتغل في ثلاثة مجالات رئيسية - معايير توجيه البحث وانتقاء التجديدات - مستوى وانماط تلبية الحاجيات - ظروف استعمال قوة العمل فالتغيير التقني ليس بطبعه، محدثا او مقوضا لمناصب الشغل. انه يغير شروط الحتمية على مستوى الشغل. هل ينجم عن ذلك استهلاك اكثر، وقت حر اكبر، بطالة اكثر؟ لا تكمن الاجابة في التقدم التقني، بل في انماط ضبط النظام الانتاجي، فالبحث عن حتميات جزئية يبدو مخيبا. اذا كان معدل البطالة بصفة شاملة مرتبط بوتيرة النمو في كل بلد، فإن بالمقابل من المستحيل اقامة علاقة او ربط قار بين معدل البطالة والمبادئ الرفيعة الماكرو اقتصادية. هنا يبرز وجود بطالة غير ارادية و هي تظهر عندما يكون مقدار العمل المقدم أعلى من العمل الاتي من المشغلين. خلال نفس الفترة يمكن ان تكون اختلالات في نفس الاتجاه او في اتجاه معاكس في سوق الشغل. في هذه الشروط يظهر نوعان من البطالة. -البطالة الكينيزية (نسبة لعالم اقتصاد الانجليزي، جون مايناركينز، الذي تحدث عن بطالة غير ارادية) و هي ناجمة عن انتقاء العروض الفائضة في السوق. اذ تكون المقاولات مستعدة لانتاج اكثر، لكنها لا تفعل ذلك نظرا لنقص الطلب. والعمال يتقدمون إلى سوق العمل ولا يجدون عملا. -البطالة الكلاسيكية. وهي تتأتى من وجود فيوضات في اتجاه معاكس داخل السوق. كما في الحالة السابقة تكون مصادر اليد العاملة المتوفرة اعلى من مستوى الشغل. التكوين أداة لمحاربة البطالة ليست النقاشات النظرية حول طبيعة البطالة المعاصرة فقط تمحيصات لخبراء، إنها في صلب المواجهة بين استراتيجيتين للسياسة الاقتصادية. - دينامية الاستثمار / التشغيل / المردودية: يجب أن تقدم إقامة مردودية للمقاولات وسائل مالية وتحفيزات لمستثمرين جدد في نفس الآن. فتحقيق هذه الاستثمارات هو الشرط لخلق غير اصطناعي لوظائف منتجة. - دينامية الطلب / الانتاج / التشغيل: وهي قائمة على وجود متزامن لقدرات الانتاج وقوى العمل غير المشغلة ولحاجيات لم تتم تلبيتها. في هذا السياق قد يكون بإمكان نمو مستوى الإنتاج أن يقلص البطالة ويرفع الانتاج في نفس الآن بفضل استعمال أقوى للمصادر الانتاجية. للنقاش حول طبيعة البطالة - بطالة كلاسيكية أو بطالة كينزية - أهمية عملية أساسية في المرحلة المعاصرة لأنه مرتبط باختيار المحور الذي يشكل أولوية في السياسة الاقتصادية. بيد أنه يجب أن نتساءل حول صحة أسسه النظرية، أي حول وثوقية تعارض - في اقتصاد السوق - بين منطق الربح ومنطق الطلب يحكمه رهان النقاش بين بطالة كلاسيكية وبطالة كينيزية في التشخيص المطروح على الظرفية الاقتصادية، تشخيص ينبع منه اختيار سياسة اقتصادية. مهما يكن الاختيار، فإن التشخيص يهدف - على مدى طويل - إلى إقامة انسجام بين مردودية الاستثمارات والطلب الموسر. يحظى تطوير التكوين المهني بالإجماع باعتباره أداة لمحاربة البطالة. لا يتعلق الأمر فقط بالتكوين كعامل للادماج المهني للعاطلين، بل - بشكل أوسع - بالتكوين كعامل للتقليص من هشاشة البطالة، سواء بالنسبة للشباب الذين مازالوا داخل المنظومة التربوية أو بالنسبة للحاصلين على شغل. ينصب النقاش الأول على وظيفة التكوين في سياق بطالة مكثفة: هل التكوين الأداة للإدماج المهني الفعلي أو فقط أداة لتدبير / تمويه على البطالة؟ يتولد السؤال أولا بسبب مميزات عرض التكوين. والسؤال الثاني هو: هل التكوين المهني عامل للتقليص من البطالة أو فقط مصدر لتحسين التشغيلية بالنسبة للمستفيدين منه؟ فاحتمال العثور على عمل مرتبط عموما بمستوى التكوين، فطالب شغل يزيد من حظوظه - بالتأهيل - في إيجاد عمل، حتى وإن كان هذا المنصب لا يتماشى مع التأهيل المكتسب. بالمقابل، لا شيء يسمح بتأكيد أن يكون التكوين، لوحده، عاملا للتقليص من البطالة، ماعدا في حالة وجود خصاص نوعي في اليد العاملة. كقاعدة عامة، لا يمكن أن يشكل التكوين غير عنصر، ضروري ولكنه جزيئ، في سياسة خلق الوظائف. ثلاثة تصورات لسياسة التشغيل لمفهوم سياسة التشغيل مصدر تاريخي محدد: كان هذا المفهوم أحد أعمدة نموذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي وضعته السويد بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم غالبا ما نجد تحت نفس المفهوم منطقا مغايرا. في السويد كانت السياسة النشيطة للتشغيل هي أداة الاعتراف الفعلي بالحق في الشغل. داخل اقتصاد مدمج في التقسيم الدولي للعمل، يفترض الحصول على شغل بصفة تامة، إعادة تنقيل اليد العاملة من الفروع الانتاجية المتراجعة نحو فروع في حالة ازدهار. يقتضي هذا الأمر مساعدة دائمة للحركية المهنية والجغرافية. فإذا ما تسببت انحسارات اقتصادية أو حجم إعادة الهيكلة في طفرات من البطالة، فإن على المجتمع أن يمنح العاطلين حلولا انتقالية مجدية لهم وللجماعة (تكوين مهنهي، أعمال للمنفعة العاملة). من ثم تتم صيانة كفاءاتهم المهنية وتنشئتهم الاجتماعية. بالنسبة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE تعتبر نظريتها مختلفة. لا يمكن أن يكون هناك خلق «سليم» لمناصب شغل، إلا داخل القطاع التجاري الخاضع لمنطق المنافسة. والهدف هو وضع قوة عمل رهن اشارته باستمرار، قوة تستجيب نوعيا لحاجيات القطاع من جهة (تكوين ملائم - تكوينات - لطلب المقاولات)، وأن يكون القطاع مستعدا لقبول (أو ملزما بالقبول) مناصب الشغل (وضعية، أجرا، إلخ) بشروط يحددها سوق العمل. لا يمكن أن تحدد سياسة التشغيل فقط بعدٌ آلياتها، إذ لا يظهر مغزاها إلا على ضوء أهداف تسطر لها. فقد أبانت تجربة العقود الأخيرة ان سياسات التشغيل المطبقة في بلدان مختلفة كانت محصلة للتحكيم بين ثلاثة تصورات أساسية: العمل على تفادي أو الحد من حذف مناصب شغل، خيار لتسريع تحولات صناعية، محاربة الفوارق بخصوص الولوج الى العمل، إلا أن أي واحد من التصورات الثلاثة لم يفرض نفسه كليا أبدا. ذلك أن علائق القوة داخل الحقل السياسي، الاقتصادي والاجتماعي تفرض توافقات. أن المحور الأولوي الذي يمكن أن يقدم لسياسة التشغيل هو أولا التقليص إلى أدنى حد من حجم حذف مناصب الشغل والتخفيف - في الحدود التي يكون فيها هذا الحذف حتميا - من التكلفة الاجتماعية بالنسبة لهؤلاء الذين هم الضحايا. يجد هذا المنطق مبرره عندما تكون مشاكل التشغيل مرتبطة بانحسار نتصور أنه ذو طابع دوري. وإذن يكون دور سياسة التشغيل هو التمكين من العبور بأقل تكلفة لمرحلة صعبة مع التهييء للعودة الى الشروط «العادية» للنمو. تطال البطالة بشكل غير متكافئ مختلف الشرائح داخل الساكنة. ولأسباب منصفة ولمواجهة مسارات الاقصاء، يمكن أن توجه سياسات التشغيل كأولوية باتجاه الفئات الأكثر هشاشة: - الشباب الباحث عن أول منصب عمل، سيما منهم ذوي التكوين الضعيف: - العاطلون لأمد طويل (سنة من البطالة) ثم بصفة خاصة عاطلون لمدد أطول (أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات). - الساكنات في مناطق تمركز العطالة - العمال ذوو المستوى التأهيلي المتدني. للدفاع عن التشغيل وعن سياسة التشغيل، تمة أدوات متميزة يمكن اللجوء إليها: - كل أشكال الدعم المالي للمقاولات في وضعية صعبة (دعم للمقاولات التي تقبل التخلي عن حذف مناصب شغل). - كل أشكال التقليص من التكلفة الأجرية للمقاولات - إعادة هيكلة منظومة الانتاج للخروج من الأزمة - التقليص من التحملات الاجتماعية والجبائية. في هذا الأفق يتأتى تقليص البطالة من عملين: من جهة، إن وضع العاطل يصبح أقل «اجتذابا» للمستفيدين منه، من جهة أخرى، يصبح التوظيف أكثر «اجتذابا»بالنسبة للمشغل، لأن تكلفة اليد العاملة تكون أضعف وتدبيرها أكثر مرونة. وإذا افترضنا أنه يمكن فرض سياسة تشغيل مرنة على العمال، فإن الحاجز المركزي لهذه السياسة يكون ناتجا عن منظورات نمو شامل. غير أنه لا يكون مستبعدا أن يحرك تبني برنامج من هذا القبيل قطاعا تجاريا ويساعد بالتالي على إزالة بعض الحواجز التي تقف في وجه التوظيف. هامش: (1) كتاب (Le chomage) لمؤلفه جان افريسيني، 122 صفحة.