قصة قصيرة اغرورقت عيني بدموع النوم ، حين رجعت من رحلة بحث كَلَّت فيها أطراف قدماي ، مذ استقبلت يومي بكرش خاوية على عروشها ، رحلتي هذه تختلف عما هو متعارف عليه في الرحلات، فلقد أصبحت من هواياتي كل أسبوع إن لم أقل كل يوم ، غريبة لأنها أولا هوايتي المفضلة ، و ثانيا لأنها تشبه إلى حد بعيد أفلام نسجت من الخيال ، و ثالثا لأنها تحولت من البحث عن تقرير المصير والبحث عن الإستقرار إلى هواية لا أجد طعم الراحة والسعادة إلا حين أزاولها . "" والغريب في الأمر أنني نسيت ما أبحث عنه عندما قررت خوض غمار البحث ، ودخلت متاهة لم استطع منه خروجا ولا إلى الهدف ولوجا ، أقرأ في كل مساء عندما أرجع قصة كتبتها من رحتلي ، فتعددت الرحلات وتعددت معها قصصي ، أخرج كل يوم باحثا عن ( نسيت ما أبحث عنه) المهم أنني أبحث . سنتين مرت من عمري بسرعة البرق بعدما قررت أن أستقر في بيتي ، وأن أبحث ( الآن تذكرت ما كنت أبحث عنه) عن شريكة عمري ، ورفيقة حياتي ، بعدما ضاقت بي الدنيا بما رحبت أيام كنت عازبا أكتوي بنار الوحدة ، ووحشة الغربة . الآن بعد أن قصدت فراشي الذي رمتني إليه عيني المغرورقتين بدموع تغشي عيني فأغيب في شطآنها، أبدأ قصصا أخرى في الأحلام ما أسعدني حينها . لكن ما أقصر الزمن عندما تحس بالسعادة . طبعا سعادتي أتذوق طعمها الحلو فقط حين أحلم ، فعندما لا أسمع إلا صمت الصمت، تكبر في داخلي رغبة جامحة في إحداث شركة الأسرة مع شريكة أشترط فيها شروطا لا تجمعها إلا رؤوس الأصابع عندما أعدها على كل من صدفته من أصدقائي القدامى عساني أظفر بهذه الإنسانة التي قدرها الله لي أن أعيش معها بقية عمري القليل . بثمن بخس أصرف لقوت يومي ، ودراهم معدودات راتبي كل شهر ، فيما الاقامة بالعمارة سكني ، فلا ناقة لي فيها ولاجمل . وأنا أبحث ذات يوم ، ظهرت لي فتاة في مقتبل العمر ، مرتدية حجابا أفغانيا ، اقتفيت آثارها إلى حيث تسكن ، ولم أتردد في طرق بابها ، بوجه جريئ كلمت أباها عندما فتح الباب ، لقد كان إنسانا لطيفا وبسيطا ، استقبلني و أحسن مثواي ، إنه كان من المحسنين ، لكن جرأتي انتهت عند هذا الحد ، فتنكرت عما جئت لأجله ، وهكذا خرجت بخفي حنين إلا طعاما يكفي معدتي مدة غير يسيرة . فهذه واحدة من قصصي المتعددة التي أطرق فيها بيت الغرباء ، باحثا عن فردوسي المفقود ، كل أسبوع أصادف فتاة أبدا الكلام معها قاصدا التعرف إليها ، لكن وساوس عقلي تنهي بسرعة مدة لقاءاتنا فأرجع إلى سيرتي الأولى ، فتارة أتهمها بزيف رغبتها في ما أصبو اليه ، وتارة أخرى أتهم سنها الذي يقترب من سني ، فبين التارتين يكبر وسواسي ، وتلف الضبابية ما أطمح إليه . ولعل أغرب وأطرف جواب صدفته من أحد رفاقي في الزمن الغابر، هو عندما سألني سؤال الحريص على صديقه ، فَلَا ألتقيه إلا ويصوب إليَّ نصائحه المتكررة ب "امْتَى تْجْمَعْ رَاسْكْ ، وكان جوابي إذاك أن عددت عليه شروطي ،(أن تكون بيضاء ، وكبيرة ، وتعمل ) ، فأجابني جوابه المضحك : لم أجد لك أحسن من الثلاجة، فهي كبيرة وطويلة ، وبياضها يفوق بياض ثلوج الأطلس ، وتعمل ليل نهار .. فهو لا يتردد في إسداء النصح إلي بأن أقرر مصيري يوما ما بعد كل هذه المدة التي قضيتها في الأحلام . وأن أتوكل على الله ، واقصد بنتا "على قد الحال" . بعد أن نمت تلك الليلة استيقظت صباحا فقررت أن لا أخوض غمار تجربتي ، وأن أخالف المعتاد ، وأدع هوايتي التي أدمنت عليها، فكان شيئا فريا ذلك ، وكأنني مدمن تبغ يريد أن يترك رآتيه تستريحان من جو أسود يصبغهما به مع كل شهيق وزفير . صبرت يومه أن أكف عن تلك الحماقات ، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وبمجرد أن خرجت من البيت رن هاتفي ، فكلمت السائل فإذا هي أمي الحبيبة ، شددت معي لهجتها ب "اجمع راسك" ووضعت ثمن رضاها أن أتزوج هذا الصيف دون تأجيل ، فلبيت طلبها دون تأجيل .أملا في رضاها الجليل. عن مدونة عبد الله المعتوقي