إن تدخل أعلى سلطة في البلاد في شخص جلالة الملك من أجل فتح تحقيق حول بعض التعسفات التي تعرضت لها الجالية المغربية خلال مرحلة العبور إلى أرض الوطن يطرح العديد من التساؤلات. فمن ناحية هذه الالتفاتة المولوية تبين جليا مدى اهتمام المؤسسة الملكية بشؤون المغاربة قاطبة لكنها في نفس الوقت تطرح سؤال مدى فاعلية مؤسسات الدولة في تطبيق القوانين و السهر على ضمان حقوق المواطنين. إن المتتبع لقضايا الجالية المغربية ليلاحظ جليا أن هذه الفئة التي تمثل تقريبا أكثر من % 10 من الساكنة المغربية هي خارج الحسابات السياسية و الخطط الاقتصادية و الأنشطة الاجتماعية للمؤسسات و الأحزاب و الحكومات الوطنية و كأننا أمام وضع نرى فيه أن جاليتنا المغربية في بلاد المهجر كأنها في صحراء خالية يحرم الذهاب إليها و السؤال عن الرعية فيها، بل ننتظر حتى تأتي تلك الجالية لعبور الحدود الوطنية من أجل أن نعلق بعض اليافطات و الشعارات البالية التي ترحب ببرودة بقدوم الجالية. صحيح أن جل الدول تهيئ العتاد و العدّة من أجل الدفاع عن ثرواتها الطبيعية و خيراتها الوطنية لذلك وجب على الدولة المغربية العلم أن الجالية المغربية هي ثروة وطنية حقيقية يجب الدفاع عنها و الاصطفاف في خندقها من أجل الحفاظ على صيرورة العلاقة الطيبة بين مغاربة المهجر و بلدهم الأم. كيف لا تعتبر الجالية المغربية ثروة حقيقية و هي تتوفر على خيرة شباب المغرب من كفاءات و أطر فرضت وجودها في بلاد المهجر و حلقت عاليا بعلم الوطن في المؤسسات و المنظمات الدولية. كما أن التحويلات المالية السنوية تعتبر شعرة معاوية التي مازالت تحفظ اقتصاد البلاد من السكتة القلبية. ناهيك عن الدبلوماسية الموازية التي تقوم بها الجالية من خلال الدفاع عن القضايا الوطنية في جميع أرجاء المعمورة. إن المتعمق في أحوال الجالية المغربية و المضطلع على المطالب التي تنادي بها هذه الفئة المهمة من المجتمع المغربي ليلاحظ بأن مطالبها ليست مطالب فرعونية أو أمور تعجيزية يصعب على الدولة توفيرها. بل مطالب الجالية المغربية جد بسيطة يمكن اختزالها في اربع نقط: الجالية المغربية: الكرامة أولا 1. المشكل الاول هو مشكل الكرامة، إن سقف مطالب الجالية لا يتعدى توفير الكرامة لهم و معاملتهم بطريقة تحفظ لهم كرامتهم. فالمواطن المغربي في بلاد المهجر يعرف جيدا أن مغربيته لا تسمن و لا تغني من جوع، فجنسيته هاته لا تضمن له استرجاع أي حق مهضوم أو رفع أي مظلمة عليه, ناهيك أن ذلك المواطن حينما يذهب إلى قضاء بعض المصالح الإدارية في القنصليات المغربية يصطدم بواقع مرير يزيد من فك ارتباطه ببلده الأم، لذلك يبحث العديد من المغاربة عن التجنيس عوض الخوض في العديد من المتاهات الإدارية. لذلك فإن على الحكومة و المجتمع المدني تحمل مسؤولياتهما في هذا الباب من أجل رفع الحيف عن الجالية المغربية, و وجب تفعيل الآلة الدبلوماسية المغربية من أجل جعلها المدافع الأول عن مصالح الجالية, كما يجب إصلاح جدري لقنصليات المملكة و مواكبة التزايد الديموغرافي للجالية بإنشاء قنصليات جديدة من أجل ضمان خدمة المواطن المغربي بأسرع وقت ممكن، لذا فإني أقترح في هذا الباب: • أولا؛ أن تعطى الأولوية في التوظيف داخل القنصليات لأبناء المهجر كون أنه و كما يقال أهل مكة أدرى بشعابها،فلا يعقل ارسال شخص تشبع بمفهوم الادارة المغربية و تطبع بالكتير من مساوءها من الرباط الى اوسلو، على سبيل المتال لا الحصر، دون اعطائه التكوين المناسب حول مفهوم الادارة في ذلك البلد. • ثانيا؛ يجب في إطار الزيادة في عدد القنصليات عدم إنهاك ميزانية الدولة عن طريق بناء بنايات ضخمة أو اكتراء مكاتب فخمة بل يجب اكتراء مكاتب بسيطة في العديد من مدن و ولايات بلاد المهجر, لكن مع توظيف كفاءات كبيرة من أجل التسيير السلس لأمور الجالية • ثالثا؛ يجب تسهيل الإجراءات الإدارية لمغاربة المهجر سواء داخل أو خارج الوطن من خلال إنشاء شبابيك خاصة بهم تعطيهم الأولوية. و العمل على تغيير الصورة القائمة داخل المجتمع المغربي حول الجالية المغربية, التي تختزلهم في صورة الأورو و الدولار و تراهم على أنهم سياح يأتون للمغرب من أجل الاستمتاع و الاستجمام. العدل الصدمة الكبرى للجالية المغربية 2. المشكل الثاني هو مشكل العدل، فمغاربة المهجر سواء كانوا في بلاد العم سام , في القارة العجوز, في دول الخليج أو في آسيا, يعيشون تحت سقف قوانين تضمن لهم العدل و تساويهم بأهل الدار في تطبيق القوانين ، و ما إن يرجع المغربي إلى أرض الوطن حتى يصطدم بواقع مرير. و أول العنقود في هذا الواقع المرير هو ذلك الجمركي أو الشرطي الذي يمارس سلطته التقديرية من أجل هضم حقوق المواطنين, فيضطر المواطن إلى تحمل كثير من المظالم من أجل أن يقضي مصالحه لأنه يعرف جيدا أنه إن احتج أو قاوم فإن سلطة القانون ليست سوى حبرا على ورق. كما أن المساطر الإدارية في محاكم المملكة جد طويلة، لذا فإن المغربي إن جاء من أجل الترافع عن حيف مسه أو المطالبة بحق فإنه يواجه مشكلة طول المساطر التي تدفعه إلى التخلي عن حقه مجبرا لا بطلا. لذلك فقد وجب على حكومتنا و والبرلمان وضع قوانين و خطط واضحة يتم فيها زجر كل من سولت له نفسه الشطط في استعمال السلطة و وجب إنشاء شبابيك خاصة في محاكم المملكة مختصة بقضايا الجالية المغربية من أجل تبسيط المساطر و تسريع الأحكام. الجالية المغربية وإشكالية ممارسة المواطنة 3. المشكل الثالث هو مشكل المواطنة، و السؤال الذي يطرح نفسه هو هل مغاربة المهجر هم فعلا مواطنون حقيقيون. ففي ظل عدم إمكانية مغاربة المهجر التصويت المباشر في الانتخابات التشريعية و عدم وجود تمثيلية لهم داخل قبة البرلمان فهذا يطرح إشكال مدى رغبة الدولة في إشراك هذه الفئة في النسيج السياسي للبلاد، لذلك فإن على المجتمع المدني و الفاعلين السياسيين الترافع على أربع أمور من أجل رد الاعتبار للجالية و ترسيخ قيم المواطنة لديها: • أولا؛ إعطاء حق التصويت المباشر في الانتخابات التشريعية انطلاقا من بلدان المهجر و ذلك عن طريق قنصليات و سفارات المملكة كون حق التصويت حق يضمنه الدستور لكل مواطن مغربي. • ثانيا؛ إعطاء كوطا تمثيلية داخل قبة البرلمان تتناسب مع تعداد الجالية المغربية و التي تمثل أكثر من % 10 من ساكنة البلاد. كما أن على الأحزاب السياسية ضخ دماء جديدة من مغاربة المهجر في مختلف لجانها و تنظيماتها لكي يكون للجالية من يترافع عنها من داخل الأحزاب السياسية. • ثالثا؛ إعطاء كوطا لمغاربة المهجر من أشخاص يشهد لهم العالم بكفاءاتهم و مؤهلاتهم و ممن تسلقوا مناصب سامية في العديد من الشركات و المؤسسات و المنظمات الدولية من أجل تسيير بعض المؤسسات العمومية. إذ من شأن هذه المسألة أن تجعل المغرب يستفيد من الخبرة و التجربة الكبيرة التي راكموها, كما أن هذا الأمر من شأنه أن يرد الاعتبار لهؤلاء الكفاءات و يمثل لهم مقابلا أو اعترافا لما اسدوه من مجهود للرفع بعلم البلاد. • رابعا، و في ما يتعلق بشق الشباب، و بما أن المجلس الأعلى للشباب هو مشروع في إطار الدراسة، فيجب أن يكون لشباب مغاربة الخارج نصيب في هذا المجلس و أن يكونوا حاضرين داخله من أجل الترافع عن قضايا الجيل الثاني و الثالث من مغاربة المهجر. إستثمار الجالية المغربية: عراقيل إدارية وغياب التسهيلات 4. المشكل الرابع هو تعطيل بدل تيسير الاستتمار، فان كان قطاع العدل يتسم بطول المساطر الادارية فان الاستتمار يعاني من الكتير من العراقيل الادارية ناهيك عن تفشي الرشوة والزبونية، ان خارطة الهجرة العالمية لتشهد العديدة من التحولات وإن أي تاخير في توفير مناخ حر لمزاولة الأعمال يتسم بنزاهة و الشفافية سيضيع على المغرب العديد من فرص الاستتمار. يجب على الحكومة، إضافة إلى توفير شبابيك وحيدة من أجل تسهيل الاجرات الادارية لعمليات الاستتمار، توفير مكاتب مختصة تستقبل أي شكاية لمغاربة المهجر حول تعرضهم لآي مضايقة أو إستبزاز خلال مرحلة الاستتمار ومن شان مكاتب من هدا القبيل إعطاء التقة للمهاجر المغربي كون أن هناك من يحمي دهره و يعطي إشارات قوية للادارة المغربية أن تعطيل مصالح المواطنين لن يمر دون مقص رقيب. كما اقترح أن تقوم الدولة أن تشتري العملة باتمان تفضيلية لكل من قام بتحويل مبلغ يجاوز 100000 درهم من أجل إستتمارها في المغرب اضافة إلى تقديم تحفيزات جبائية مهمة لهده الفئة من المستتمرين. هده الخطة من شانها أن تمكن الدولة من درب عصفورين بحجر واحد فمن جهة هدا الاجراء من شانه أن يضخ العملة الصعبة في خزائن الدولة التي تعاني من نقص حاد و من جهة أخرى سوف يمكن من خلق فرص شغل من شانها إمتصاص الحراك الاجتماعي وتخفيض نسبة البطالة داخل المجتمع. خاتمة: إن مصلحة و تقدم بلدنا هو القصد من أي عمل أو قانون يخرج إلى أرض الواقع لذلك وجب على كل من الحكومة و المجتمع المدني و مغاربة المهجر الخروج من أي حسابات ضيقة و أن يعملوا بتكامل من أجل إرساء دعائم دولة الحق و القانون و من أجل وضع المغرب داخل المسار الحقيقي الذي سيؤدي ببلدنا إلى النهضة و التقدم. فحبذا لو تكون الحكومة لمقترحاتنا آذانا صاغية و أن تمارس سلطتها التنفيذية من خلال إخراج القوانين لتعطي إشارات واضحة لاهتمامها بشؤون الجالية و على مغاربة المهجر و المجتمع المدني الاشتغال سويا من أجل أن يكوّنا قوة اقتراحيه و استعمال كامل حقوقهم الدستورية من أجل حل جميع الإكراهات و المشاكل التي يعيشونه بدلا من الاكتفاء بمجرد لعب دور الضحية.