قال أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إن دفاع المجلس عن رفع الأحكام الحبسية من قانون الصحافة لا يعني أن المجلس يسعى إلى إعطاء "حصانة استثنائية" للصحافيين في ما يتعلق بالجنح وجرائم الحق العام. "" وفي لهجة شديدة، أبرز حرزني، الذي كان يتحدث خلال لقاء نظمه المجلس، أمس الخميس، بالرباط، حول "قانون الصحافة بين المعايير الدولية والتشريعات الوطنية"، أن "ما نسعى إليه، ليس هو إعطاء امتياز استثنائي لفئة معينة، ولكن تأسيس حرية التعبير على أسس متينة"، مضيفا باللهجة الحادة نفسها "الصحافي يبقى مواطنا". وأبرز حرزني، في اللقاء الذي نظمه المجلس، بعد مرور خمس سنوات على العمل بالقانون رقم 00.77 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف بمثابة قانون الصحافة، "نحن، في المجلس، كليا مع حرية التعبير، كأحد أسس البناء الديمقراطي، وموقفنا مبني على هذا المبدأ، إلا أن هناك أشياء يجب توضيحها، وقانون الصحافة لا يعني أن الصحافي فوق القانون"، مشددا على ضرورة توفر أخلاقيات المهنة، باعتبار الصحافة مهنة تتعامل مباشرة مع المواطنين، و"يجب أداؤها بأمانة". وطالب حرزني بضرورة توفر مهنة الصحافة على مجالس مهنية، مثل مهن أخرى كالمحاماة، يكون دورها الحرص على أن تحترم الأخلاقيات، وقال "لم نجتمع اليوم لتبادل المجاملات، ولكن لطرح القضايا التي يجب أن نتطرق إليها". وأضاف "أنا أخجل من الموضوع، وأخجل من أن يسجل على صحافتنا أحيانا تقصير في بعض القضايا الوطنية". ومن بين الأمثلة التي يرى حرزني أن الصحافة الوطنية "قصرت فيها، تقديم المغرب أخيرا، في جنيف، تقريره حول حقوق الإنسان، الذي حظي بإشادة قوية من طرف الهيئات الدولية، على عكس بعض الصحف الوطنية، وبعض الجمعيات المحسوبة على المجتمع المدني"، مضيفا "أنا لا أقول إنه يجب التصفيق لكل شيء، ولكن النازلات، التي ذكرتها تثير الكثير من التساؤلات". وأوضح حرزني أن ما يثير الدهشة أن إحدى الصحف الوطنية، التي فضل عدم ذكر اسمها، كتبت بالبنط العريض، قبل تقديم المغرب لتقريره، أن المغرب فشل في امتحان حقوق الإنسان، لكن تبين، بعد تقديم التقرير، أن المغرب تفوق في هذا الامتحان الكوني. وقال حرزني إن استعمال حرية التعبير، أحيانا، "يجانب الصواب، وهو ما لا يخدم مصلحة البلاد ولا الصحافة، ويجب أن نتدارك أنفسنا". كما استدل حرزني، بخصوص مجانبة بعض الصحف الصواب، "بأسلوب بعض الصحافيين إزاء بعض الأوراش الإصلاحية التي يعرفها المغرب". وقال "نحن لا نطلب شيكا على بياض في أي مسألة، لكن في بلد في طور الانتقال، المطلوب من الصحافة أن تواكب هذا الانتقال بالنقد البناء، وإبراز ما يتحقق من منجزات، لكي ترفع معنويات الشعب". كما يرى حرزني أن بعض الصحف تحيي رموز الماضي "بشكل مصطنع". وطرح المشاركون في هذا اللقاء، الذي عرف مشاركة القطاعات الحكومية، الثغرات التي ما زالت تشوب الإطار القانوني، والإشكالية المتعلقة بممارسة مهنة الصحافة، واستخلاص البدائل لتعديله وتحيين القانون. ودعا المشاركون إلى إغناء النقاش العمومي حول التشريعات المتعلقة بالصحافة والنشر، من أجل استشراف مستقبلي لتنظيم قانوني يتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومع التطورات الحديثة والتحولات المجتمعية والإعلامية. كما طرحت النقاشات إشكالية حرية الرأي والتعبير في ممارسة المهنة، وحدود تلك الحرية، ضمن ضرورات الحفاظ على النظام العام، والالتزام بأخلاقيات المهنة، واحترام حقوق وحريات الآخرين، لاسيما مع تزايد المواقف المساندة لمنح حريات أكبر للصحافة والصحفيين، وحمايتهم من المتابعات القضائية، ومع ترسيخ المبادئ الداعية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وضمان شروط أفضل لممارسة مهنة الصحافة والنشر، وبروز أصوات تنادي بتنظيم تلك الحريات بمقتضيات قانونية، تضمن الموازنة بين الحق في الحصول على المعلومة ونشرها، وواجب الالتزام بالتحفظ والمهنية أثناء ممارسة المهنة. وأشار المتدخلون إلى الجدل الذي أفرزه إعداد مشروع قانون جديد لممارسة مهنة الصحافة والنشر، بين مؤيدين ومعارضين، إذ في الوقت الذي يرى المؤيدون أن من شأنه ضمان تنظيم متقدم للمهنة، يعتبره المعارضون استمرارا للقانون الحالي، ومن شأن اعتماده أن يحافظ على استمرار الوضع الحالي للصحافة والنشر. ويرى خالد الناصري، وزير الاتصال، الناطق باسم الحكومة، أن إصلاح قانون الصحافة جاء ثمرة لمسلسل معمق من التشاور مع المنظمات المهنية، وصيغت مواده في إطار لجنة ثلاثية، ضمت ممثلين عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وأطر وزارة الاتصال، واستهدف إقرار جملة من المبادئ العامة، المستوحاة من القانون المقارن ومواثيق الأخلاقيات. وأبرز الناصري أن هذا القانون عمل على تدقيق مفهوم الصحفي المهني، وتعزيز حقوقه وواجباته، وتقوية ضمانات حق النشر، والحق في الوصول إلى مصادر الخبر، بالإضافة إلى تعزيز الضمانات الممنوحة للصحافة الأجنبية، موضحا أن أبرز مستجدات هذا المشروع هي النص على إحداث المجلس الوطني للصحافة، كصيغة أرقى لتمهين الممارسة الصحفية وتأهيلها، وتنظيم المهنة على أساس الطابع التشاركي، والاختصاصات الواسعة والملائمة، التي تمكن من الإشراف على المزاولة الحرة للمهنة، وتأهيلها بشريا وماديا وتقنيا. وأضاف أن مشروع القانون اعتمد مقاربة جديدة لزجر الجنح والجرائم المرتكبة بواسطة الصحافة، تقوم على الدور الوقائي الذي سيضطلع به المجلس الوطني، وحذف جل العقوبات الحبسية الواردة في القانون الحالي، واستبدالها بغرامات مالية، وتمكين القضاء من الاختيار بين إحدى العقوبتين، مع إمكانية الأخذ بظروف التخفيف في كل الأحوال.