كثير هم المغاربة الذين ترتبط ذاكرتهم، منذ 13 سنة، بتاريخ 30 يوليوز كذكرى عيد العرش، لكن قليل منهم من يعرف أن أول احتفال شعبي غير رسمي بهذه المناسبة يرجع ليوم 18 يونيو من عام 1933، ثلاث سنوات بعد فرض الاستعمار الفرنسي لما أطلق عليه آنذاك "الظهير البربري"، حيث كان رجل من أصل جزائري مقيم بالمغرب هو صاحب الفكرة: "محمد الصالح ميسة"، مدير مجلة "المغرب" التي كانت تصدر من الرباط آنذاك. قصة أول احتفالات شعبية.. يذكر محمد الحسن الوازاني، رئيس تحرير "عمل الشعب" عام 1933 ومؤسس حزب "الشورى والاستقلال" عام 1946، في كتابه "حياة وجهاد"، كيف أن رجلا مغمورا كان وراء فكرة الاحتفال بعيد العرش، وهو محمد بن صالح ميسَّة، مدير مجلة "المغرب"، التي كانت تصدر خلال فترة الثلاثينيات باللغة العربية بالرباط، "إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسَّة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة..".. حيث كان ميسة أديبا وشاعرا وناقدا جزائري الأصل مقيما بالمغرب، واستطاع أن ينشر فكرته عبر جريدة أخرى هي "عمل الشعب" التي كان يكتب فيها باسم مستعار. كما يصف عبد الهادي بوطالب، المؤرخ ومستشار الملك الراحل الحسن الثاني، في "فكرة إحياء عيد العرش"، أجواء أول احتفال شعبي وغير رسمي بعيد العرش في جو ماطر، قائلا: "كان اليوم 18 نونبر من سنة 1933.. وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيت.. على مقربة من باب أبي الجنود بفاس.. لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال من رشاش المطر المتهاطل.. ولم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة.. للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش..". ترسيم الاحتفالات بعد ترسيخ الفكرة.. وهكذا، وضع محمد بن صالح ميسة عبر جريدة "عمل الشعب"، بدعوته إلى سن تقليد الاحتفال بذكرى الجلوس الملكي كعيد وطني، عبر تعطيل العمل يوم 18 نونبر من كل سنة، سلطات الحماية الفرنسية في مأزق واختبار صعب، والتي لم تستجب فيه لهذا النداء، متعللة بأن السلطان كان خارج العاصمة في ذلك العام. ورغم ذلك، انطلقت أولى الاحتفالات الشعبية بذكرى مرور 6 سنوات على جلوس محمد الخامس على العرش، بمنتزه جنان السبيل بفاس٬ وبمدينة سلا بمعية جماعة من شباب الرباط٬ بمقر "المكتب الإسلامي"، الذي صار يدعى فيما بعد مدرسة النهضة٬ وكذلك بقيسارية السمارين بمراكش. بعد ذلك بسنة، أي 18 نونبر عام 1934، بات الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ بصدور قرار وزاري للصدر الأعظم المغربي محمد المقري، بتاريخ 31 أكتوبر 1934م، بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي وقتئذ "هنري بونسوت"، يعلن فيه يوم 18 نونبر عيدا وطنيا، كيوم عطلة تنظم فيه الحفلات الموسيقية٬ وتُزين المدن٬ مع توزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية.. بشرط أن لا تُلقى فيه الخطب "السامية". يقول عبد الهادي بوطالب في نفس السياق: "..فعيد العرش الذي فرض الشعب المغربي على الحماية الفرنسية إعلانه عيدا قوميا أصبح عيد تحدي الوطنيين للاستعمار الفرنسي، الذي أخفق في محاولة عزل السلطان عن شعبه ورعيته، مثلما فشلت تدابير قمع هذا الاستعمار في محاولة إقبار الحركة الوطنية في مهدها". من 18 نونبر إلى 20 يوليوز بعد ذلك التاريخ، استطاعت الحركة الوطنية أن تفرض على الحماية الاستعمارية الفرنسية ترسيم الاحتفالات بعيد العرش، حيث شكلت هاته الأخيرة ورقة رابحة وقوية للضغط الشعبي على السلطات الفرنسية من أجل إنهاء استعمارها للمغرب.. كما كانت مناسبة لتوطيد العلاقة والالتحام بين الشعب والملك.. وفي عام 1953، تم توقيف هاته الاحتفالات، باستثناء شمال المغرب، حين تم تنصيب محمد بن عرفة ملكا على البلاد، ونفي محمد الخامس وعائلته يوم 20 غشت 1953، إلى جزيرة كورسيكا ومن ثم إلى مدغشقر. في 18 نونبر 1955، ألقي محمد بن يوسف أول خطاب للعرش بعد عودته يومية من المنفى، حيث صار هذا التاريخ عيدا للإستقلال ولحدود الآن. بعد وفاة محمد الخامس، اعتلى الحسن الثاني عرشه أبيه يوم 3 مارس من عام 1961، وهو التاريخ السنوي الجديد للاحتفال بعيد العرش، قبل أن يصبح 30 يوليوز في عهد الملك محمد السادس في الوقت الحالي.