قال المؤرخ المغربي عبد الحق المريني "إن عيد العرش بالمغرب يعتبر عيد الأمل والاستمرارية والبيعة والنهضة الشاملة والإخلاص لله والوطن والملك". وذكر المريني٬ في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة تخليد الشعب المغربي الذكرى 13 لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه٬ بأن فكرة الاحتفال بعيد العرش ابتدأت في أول عهد السلطان سيدي محمد بن يوسف خلال فترة الحماية٬ وبعدها أصبح لقبه الشريف للملك محمد الخامس بعدما حقق "النقلة الكبرى" من "سلطان المغرب" إلى "ملك المملكة المغربية" الممثل الأعلى للأمة المغربية. وأضاف المريني أن هذه الفكرة أنشأتها جماعة من الشباب الوطنيين المتحمسين الذين كانوا يقفون في وجه الاحتلال الفرنسي للمغرب ويحررون المقالات تلو المقالات في الصحف الوطنية كالأطلس والمغرب وعمل الشعب وغيرها٬ ويدافعون فيها عن كيان المغرب ووحدته الدينية والترابية. وكان أول احتفال بذكرى عيد العرش بصفة غير رسمية٬ يستحضر المريني٬ هو يوم 18 كانون الثاني (يناير) 1933م بمنتزه جنان السبيل بفاس٬ وبمدينة سلا بمعية جماعة من شباب الرباط٬ بمقر "المكتب الإسلامي" الذي صار يدعى فيما بعد مدرسة النهضة٬ وجرى كذلك هذا الاحتفال بمراكش بقيسارية السمارين. وأقيمت هذه الاحتفالات بعد أن مرت ست سنوات على تربع محمد بن يوسف على العرش المغربي يوم الجمعة 23 جمادى الأولى سنة 1346í موافق 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1927م٬ خلفا لوالده السلطان المولى يوسف الذي توفي يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1927م بعد أن قضى 15 سنة في السلطة. وكان من المفروض٬ يقول المريني٬ أن يتبوأ العرش المغربي من بعد المولى يوسف أكبر أبنائه وهو مولاي إدريس إلا أن الاختيار وقع على أصغر أبنائه ألا وهو سيدي محمد وعمره آنذاك 22 سنة وذلك لتميزه بذكاء وقاد ونباهة نادرة. وأخذت له البيعة من طرف علماء ووجهاء وقضاة مدينة فاس ورجال المخزن اليوسفي بعد صلاة الجمعة بمشور الدكاكين بفاس (باب المكينة). وبعد ذلك انتقل إلى مدينة الرباط يوم 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 1927 هذه المدينة التي جعل منها الجنرال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب من سنة 1912 إلى سنة 1925 عاصمة للمغرب لموقعها الاستراتيجي على شاطئ المحيط الأطلسي٬ وإشرافها على الطرق الرئيسية المؤدية لفاس ووجدة ومراكش وأكادير. ثم أقام حفلا كبيرا بالقصر الملكي بالرباط بحضور رجال المخزن ووجهاء الدولة والمقيم العام الفرنسي الثاني تيودور ستيغ الذي خلف الجنرال ليوطي سنة 1925 قبيل نهاية الحرب الريفية٬ وتبادلا الخطب بهذه المناسبة. وأضاف المريني الذي يعد مؤرخ المملكة المغربية أنه في سنة 1934م٬ أي سنة الذكرى السابعة لجلوس سيدي محمد بن يوسف على عرش أسلافه المنعمين٬ أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ حيث صدر قرار وزاري أصدره الحاج محمد المقري الصدر الأعظم (وهذا اللقب الذي كان يطلق على الوزير الأول في الحكومة المخزنية٬ وقد عاشر هذا الرجل خمسة ملوك من الحسن الأول إلى محمد الخامس وواكب عهد الحماية من مبتدئها إلى خبرها) وذلك بتاريخ 16 رجب 1353 موافق 26 تشرين الاول (أكتوبر) 1934م بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي وقتئذ وهو هنري بونسوت الذي مكث في هذا المنصب من سنة 1933 إلى سنة 1936م. وكان هذا القرار الوزاري٬ المؤرخ ب31 تشرين الاول (أكتوبر) 1934 والذي نشر بالجريدة الرسمية يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1934 مؤلفا من عدة بنود أهمها أن يقوم باشا كل مدينة من المدن المغربية بتنظيم الأفراح والحفلات الموسيقية٬ وتزيين المدن٬ وتوزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية٬ وأن يكون يوم عيد العرش هو يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل سنة٬ ويكون يوم عطلة بشرط أن لا تلقى فيه الخطب السامية (بوصية من رجال الحماية). ومنذ تاريخ 1934 أصبح الشعب المغربي يحتفل بذكرى عيد العرش المجيد في المدارس والمعاهد ومراكز الأحزاب السياسية والجمعيات وفي الأسواق والمنتزهات٬ وتلقى فيها الخطب والقصائد الشعرية الطافحة بتمجيد الجالس على العرش المغربي وبمسعاه الحميد للعمل على رقي شعبه وإنقاذه من مخالب الاستعمار. وأضاف مؤرخ المملكة أنه لما حلت الذكرى الفضية لعيد العرش التي صادفت يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1952 ألقى السلطان سيدي محمد بن يوسف خطابا ساميا بالقصر الملكي بالرباط٬ كان بمثابة الشرارة القوية التي سبقت "ثورة الملك والشعب" يوم 20 اب (اغسطس) من سنة 1953م حيث قال فيه٬ جملة فاصلة أحدثت اضطرابا كبيرا في وسط أركان الحماية الفرنسية ومن كان في ركبهم٬ وهي أن "الحماية مثلها كمثل قميص لطفل صغير٬ كبر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله وبذلك أصبح غير صالح لأن يلبسه هذا الرجل الراشد" (أي المغرب). ولما عاد الملك محمد الخامس٬ من منفاه السحيق هو وأسرته سنة 1955 أصبح يوم عيد العرش واحدا من الأعياد المجيدة الثلاثة : عيد العودة وهو يوم 16 تشرين الثاني (نوفمبر) وعيد الانبعاث وهو يوم 17 وعيد العرش وهو يوم 18 من الشهر نفسه.