إفلاس التعليم العمومي، من حيث مناهجه ونتائجه، ليس النقطة السوداء الوحيدة في حصيلة تسيير الشأن العام ببلادنا، بل واكب هذا الإفلاس انتشار ثقافة التفسخ والانحلال في أوساط مؤسساتنا التعليمية. المسؤولون الذين ما فتئوا ،منذ عقود، يجربون على الأجيال وصفات غير عشوائية، لا يكلفون أنفسهم معاينة المشاهد المأساوية التي تدور تفاصيلها أمام وداخل الإعداديات والثانويات، مشاهد تظهر بالواضح لا المرموز أن الأجيال الصاعدة المعول عليها لمواصلة حمل مشعل البناء، قد تم الزج بها في دوامة الضياع والانحراف. لن نعيد التذكير بمظاهر الأزمة، في عمومياتها، والتي أصبحت أمرا واقعا لا يناقش صحته أحد، ولكننا سنسرد حالات تدفع كل غيور على حاضر ومستقبل البلاد والعباد إلى دق ناقوس الخطر ودفع الجميع إلى التحرك قبل أن ينخر السرطان جسم المجتمع. بإحدى الثانويات الكائنة بحي شعبي في العاصمة(نتحفظ عن ذكر اسمها رأفة بالآباء والأمهات المغفلين)، قررت مجموعة من التلميذات، في سن المراهقة، إحداث "صندوق للتضامن" من خلال مساهمة كل منهن بمبلغ 100 درهم شهريا. قد تبدو الفكرة لمن يسمع عنها، للوهلة الأولى، فكرة رائعة تعكس تطورا نوعيا في سلوك الأجيال الجديدة، لكن الصدمة ستكون قوية حين يتم اكتشاف الغاية من هذه المبادرة "التكافلية". بكل بساطة، يخصص هذا "الصندوق" لتغطية تكاليف عمليات إجهاض التلميذات !!! سريان الخبر في أوساط التلاميذ الذكور في هذه المؤسسة التعليمية، خلف لديهم شعورا كبيرا بالإحباط، خاصة أنهم تحولوا، رغما عن إرادتهم، إلى "متفرجين" نعلى مشاهد منحطة يؤثث فضاءها سيل من أصحاب السيارات و الدراجات النارية الفخمة الذين يستغلون صغر سن التلميذات و حاجتهن إلى المال و في غياب المراقبة الأسرية و المدرسية من أجل تفريغ مكبوتاتهم الجنسية. و قد ساهم الصمت المطبق إزاء هذه الظواهر،و الذي ميز مواقف و ردود فعل المسؤولين عن التعليم بل و حتى الأمن،إلى تحويل الفضاءات التعليمية إلى فضاءات مشاعة لترويج المخدرات و تفريخ الإجرام و تشجيع الدعارة. و من شأن مواصلة نهج المسؤولين لسياسة النعامة ،أن يؤدي ذلك إلى منزلقات أخرى مجهولة لم تكن قط في الحسبان،خاصة أن ما يقع يهدد بتخريج أجيال ضائعة بدون قيم أو روح. ""