نشر بالجريدة الرسمية عدد 4977 صادر في 11 فبراير 2002 الظهير الشريف رقم 1.02.09 المؤرخ في 29 يناير 2002 بتنفيذ القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق. فرغم أن التعليم العتيق كان هو التعليم الشامل والوحيد الذي يلجه الجميع ذكورا وإناثا لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والنهل مما تيسر من العلوم الدينية وغيرها من العلوم البحتة ورغم كون جامع القرويين أول جامعة في التاريخ، فإن هذا التعليم الذي كان المجتمع يتحمل أعباءه في إطار التكافل والتطوع والوقف في سبيل الله، لم يعرف تطويرا بل تهميشا وتجاهلا منذ دخول الحماية الفرنسية إلى الآن. إلا أنه بقي مع ذلك واسع الانتشار بين المواطنين كما بقي "تمسكهم به وإقبالهم عليه لمكانته وخصوصية منهجيته وملاءمته للظروف الاقتصادية والاجتماعية". جاء في ديباجة القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق أن هذا النص تجسيد لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وأتى لتمكين خريجي التعليم العتيق وهو غير التعليم الأصيل من الحصول على الشهادات والمؤهلات العلمية اللازمة.. كاعتراف بأهمية هذا التعليم وبمدى انتشاره ورغبة في مساعدته وتطويره. يبتدئ التعليم العتيق الذي يشتمل على خمسة أطوار كما هو الشأن في التعليم العمومي، بالتعليم الأولي العتيق الذي يعطى في الكتاتيب القرآنية وينتهي بالتعليم النهائي (وليس العالي) الذي يلقن في جامع القرويين والجوامع الأخرى ومؤسسات التعليم النهائي العتيق. والذي يتوج بشهادة العالمية. بينما تتوج الأطوار الثلاثة الأخرى شأنها شأن التعليم العمومي، بشهادة التعليم الابتدائي العتيق بالنسبة للطور الابتدائي العتيق، وشهادة التعليم الإعدادي العتيق بالنسبة للطور الإعدادي العتيق، وشهادة باكالوريا التعليم الثانوي العتيق بالنسبة للطور الثانوي العتيق. وحدد القانون هدف التعليم العتيق في تمكين التلاميذ والطلبة المستفيدين منه من إتقان حفظ القرآن الكريم، واكتساب العلوم الشرعية والإلمام بمبادئ العلوم الحديثة، وتنمية معلوماتهم ومعارفهم في مجال الثقافة الإسلامية وضمان تفتحهم على العلوم والثقافات الأخرى في ظل مبادئ وقيم الإسلام السمحة. وتحدد برامج ومواد الدراسة والمعامل المقرر لكل مادة وكذا طرق التقويم والامتحانات الخاصة بكل طور بنص تنظيمي. ويجب أن تتضمن البرامج الدراسة المطبقة بمؤسسات التعليم العتيق حسب القانون، حصصا إلزامية من المواد المقررة بمؤسسات التعليم العمومي في حدود الثلثين من الحصص المخصصة لهذه المواد بما في ذلك مادتي اللغات والرياضيات والرياضة البدنية. ويحدد القانون شكل هذا التعليم في تعليم عتيق عمومي وتعليم ،عتيق خاص. بحيث يمكن أن يقوم بفتح مؤسسات للتعليم العتيق الأشخاص الذاتيون أو المعنويون من القطاع الخاص أو العام على أن تحافظ هذه المؤسسات على طبيعتها الدينية. ويلزم القانون هذه المؤسسات بضرورة الحصول على ترخيص مسبق من الإدارة أي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكذا التقيد بعدد من الالتزامات منها الخضوع لمعايير التأطير والتجهيز وللبرامج والمناهج المقررة، وكذلك للشروط الصحية والوقائية، والتأمين الإجباري عن الحوادث المدرسية. غير أن هذا التأمين يكون بكيفية تدريجية بالنسبة لمؤسسات التعليم العتيق الموجودة بالمناطق القروية. كما يجب أن تخضع مؤسسات التعليم العتيق لنظام داخلي نموذجي تضعه الإدارة لتحديد القواعد العامة لسير هذه المؤسسات. وهناك عقوبات بالغرامة تطال المؤسسات التي تفتح أو توسع بدون ترخيص مسبق. أو ترفض الخضوع للبرامج والمراقبة. وتمنح مؤسسات التعليم العتيق القائمة حتى تاريخ صدور القانون، مهلة أربع سنوات لتقديم تصريح بوجودها قصد الاستمرار في مزاولة مهامها. ومقابل هذه الالتزامات والواجبات يمكن للدولة أن تصنع مجانا رهن إشارة مؤسسات التعليم العتيق محلات ملائمة لحاجيات هذا النوع من التعليم وتمدها بمساعدات حسب الإمكانيات المتوفرة، وبأطر تربوية تتكفل بتأدية أجورهم أو مكافآتهم كما تنظم لهم دورات التكوين الأساسي والمستمر بالمجان. ورغم أن هذا القانون الذي يحدث لجنة وطنية ولجنا جهوية للتعليم العتيق وكذا هيئة علمية استشارية، هو في حد ذاته تطور إيجابي، إلا أنه وحتى لا يطغى عليه الطابع الإلزامي والزجري، إذ أن معاينة المخالفات تتم من لدن موظفين محلفين علاوة على ضباط الشرطة القضائية، يحتاج إلى الإسراع في توفير ترسانة من القوانين التنظيمية الخاصة بالوسائل الإدارية والمالية اللازمة لحسن التنفيذ. فإلى جانب النص أو النصوص التطبيقية التي يستوجبها هذا القانون كما تشير إلى ذلك بعض مواده، يتطلب الأمر مثلا إعادة النظر في اختصاصات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي أسند إليها القانون مهمة تنظيم وتسيير التعليم العتيق العمومي. وذلك بإحداث مديرية جديدة خاصة بهذا النوع من التعليم، كما هو الشأن بالنسبة للتعليم الأصيل الذي يشرف عليه قسم خاص تابع لمديرية التعليم الثانوي بوزارة التعليم الثانوي والتقني. ومعلوم أن هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتضمن فقط مصلحة لتكوين الأطر الدينية المتوسطة والعليا والوعاظ في إطار مديرية الدراسات والشؤون العامة (حسب ظهير 8 نونبر 1993). وبالمقابل ينبغي تحديد موقع التعليم العمومي ما قبل المدرسي ومحو الأمية الذي يدخل ضمن اختصاصات وزارة التربية الوطنية من حيث التسيير والمراقبة، علما بأن هذا التعليم ما هو إلا تطوير للكتاتيب القرآنية العتيقة. وحتى يتسنى للتلاميذ والطلبة الذين يتابعون دراستهم حاليا في التعليم العتيق، الاستفادة من مزايا هذا القانون ينبغي أن تدرس في إطار النصوص التطبيقية كيفية إدماجهم في هذا النظام الجديد. علما بأن القانون لم يشر إلى هذه النقطة خصوصا في الأحكام الانتقالية وسيما وأن الباب الخامس المتعلق بجسور التعليم العتيق مع التعليم العمومي يقر المعادلة سنة بسنة في جميع أطوار التعليمين. عبد الله المتوسط