تختلف التهاني بحلول شهر رمضان المبارك في المغرب من منطقة إلى أخرى ومن فئة اجتماعية إلى أخرى، لكنها تلتقي جميعا في كونها تعبر عن متمنيات غالبا ما تكون شخصية وذات دلالات معينة بين المهنئين. ويحرص الكثيرون خصوصا بين الرجال على أن تكون تهنئتهم بقدوم الشهر الكريم عبارة عن أدعية مختصرة بنيل فرصة الحج، وزيارة الكعبة المشرفة وقبر النبي صلى الله عليه وسلم. وتتبادل الفتيات التهاني الرمضانية بأمنية الحصول على زوج صالح، أما بالنسبة للأمهات والآباء فالتهاني تكون شاملة دون تخصيصها، وتتضمن أحيانا كثيرة الدعاء بدوام الصحة وبحفظ الأولاد من كل سوء، وتحقق الأماني في الحياة قبل الممات. عواشركم مبروكة ويتداول المغاربة عبارة "عواشركم مبروكة" بحلول اليوم الأول من رمضان أو حتى قبل ذلك بأيام قليلة، وتمتد هذه التهنئة طيلة الأسبوع الأول من الشهر الكريم للدلالة على الفرحة والحبور بقدوم الضيف الجليل. ويُقصد بالعواشر عند المغاربة تقسيم الشهر الفضيل إلى ثلاثة أقسام، العشر الأوائل مخصصة للرحمة، والعشر الوسطى لمغفرة الله تعالى، ثم العشر الأواخر للعتق من النار. ويتبادل الكثيرون هذه التهاني الرمضانية سواء مباشرة أو عبر الرسائل القصيرة للهواتف المحمولة، كما تتزايد التهاني في المنتديات الالكترونية ومواقع الدردشة أيضا. وتنتشر التهاني على شكل تمنيات وأدعية مختصرة وخفيفة من قبيل: "تكون عريس" في التهنئة الموجهة للشباب الأعزب، وعبارة "تكوني عروسة" بالنسبة للفتاة في سن الزواج. وتسعد الفتيات بمثل هذه الأمنية عند بداية شهر رمضان لتفائلهن به، وبأن الله تعالى يستجيب للدعاء في هذه المناسبة الدينية العظيمة حيث تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم. وتلعب هذه الأمنيات والتهاني بالزواج دورا مطمئنا نسبيا داخل نفسية الفتاة خاصة أن العنوسة تتفشى في المجتمع المغربي، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى كون مليون ونصف مغربية ممن تجاوزن سن 35 عاما يعانين من العنوسة. عروس وحاج وتقول ثريا، في العشرين من عمرها، إن سرورا يغمرها بسماع عبارة "تكوني عروسة" من لدن العديد من أقربائها وصديقاتها وأفراد أسرتها أيضا. وأضافت ثريا بأنها تتفاءل بمثل هذه الأمنيات لكون أعز صديقاتها تزوجت مباشرة بعد شهر رمضان المنصرم بفضل الله، ثم بفضل هذه المتمنيات والأدعية التي تتضمنها تهاني رمضان. وزادت المتحدثة بأن التهنئة ببلوغ رمضان بتلك العبارة تهنئة شخصية لا تصدر إلا من قلوب محبة للخير، وتداولها بين الفتيات دليل على رغبتهن في إعفاف وستر أنفسهن بالزوج الصالح. ويتبادل الرجال خاصة عبارة "تكون حاج إن شاء الله"، والمقصود بها الدعاء للآخر بأن يرزقه الله تعالى حجا مبرورا في مستقبل أيامه، خاصة إن لم يكن قد حظي بالحج من قبل. ويتوق أحمد، رجل أعمال شاب، لسماع هذه التهنئة وتحققها لكونه مشتاق لزيارة البقاع المقدسة في الحج رفقة زوجته ووالديه خلال السنوات القليلة القادمة. ويتمنى هذا الشاب أن ييسر الله له سُبل أداء فريضة الحج، مضيفا أنه بدوره يهنئ أصدقاءه وأفراد عائلته بنفس هذه الأمنية، لكونها أجمل ما يمكن أن يحدث للمسلم الصالح. دلالات اجتماعية ويعلق الخبير الاجتماعي الدكتور حسن قرنفل على هذه التهاني الرمضانية بكون دلالاتها تختلف في العلاقات الاجتماعية، حسب السن والانتماء الطبقي والمستوى الثقافي أيضا. وقال قرنفل إن هذه التهاني لا يتم تبادلها بنفس الطريقة ولا المضمون، فالشباب لديهم تهاني تعكس أمانيهم في الحياة، وكبار السن أيضا لديهم أمنيات خاصة يسعون إلى تحقيقها. وبالنسبة للفتاة المغربية، يضيف المتحدث، يعتبر تتويج مسار حياتها بأن تصبح زوجة وربة بيت بأن يأتيها فارس أحلامها ليطلب ودها، ويأخذها إلى عش الزوجية وفق الموروث الاجتماعي والثقافي السائد. ويسترسل قرنفل بأن أقصى ما تتمناه بعض الفتيات العازبات لحظة حضور العريس الموعود ليطرق بابها للارتباط بها في خضم تفشي نسبة العنوسة في المجتمع المغربي. ويضيف الخبير المغربي: إذا ما تزوجت الفتاة وصارت ربة بيت وأُمّا للأولاد، فإن التهاني تتغير حينها حيث تتخذ صيغة تمنيات برؤية الأبناء في مراكز اجتماعية مرموقة. أما تهاني الرجال بحلول رمضان فترتبط، حسب قرنفل، بما يشكله معطى الدين من وضع هام في المجتمع المغربي، وبما يمثله الحج خاصة من مكانة دينية واجتماعية كبيرة. ويستطرد الخبير الاجتماعي: تمثل صورة الرجل الورع والتقي أقصى ما يتمناه المسلم وفق المخيل التراثي والاجتماعي العربي الذي يمنح صورة سامية لمن يزور الديار المقدسة، باعتبار أن ذلك أفضل ما يمكن أن يحصل للمسلم.