الطابور طويل أمام مصالح بريد المغرب لإرسال السفوف أوسلو والحلوى الشباكية لأبناء المغرب بمختلف بقاع المعمور، والمخادع الهاتفية مكتضة بالراغبين في تبليغ تبريكات حلول الشهر الفضيل، ناهيك عن التعبئات الخاصة بالهواتف النقالة لإرسال رسائل التبريكات التي تتفنن بعض الشركات في تحديد نماذج التهاني بالمناسبة الكريمة، أما عن تهاني البريد الإلكتروني بالصور والعبارات فحدث ولا حرج. أما ركوب الحافلات وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة فإنها أيضا مدمجة في وسائل المشاركة في المهرجان الأسري السنوي الذي لا ينتهي بانتهاء حكومة من الحكومات. إنه مهرجان صلة الرحم بامتياز، شعاره: صلة الأرحام من معضدات الصيام، ففي رمضان تذوب الخلافات الأسرية ويبادر المتباعدون بالاقتراب، ويصل الأبناء الآباء ويصل الإخوة إخوانهم ويتناسى الجيران مساوئ جيرانهم، وتشتعل شموع الصفح والتسامح لتنير ظلام الشجار والشقاق. الهدايا سلعة رائجة في مهرجان صلة الأرحام أليست الهدية رسول الحب وعدو البغض، فهذا يشتري جلبابا تقليديا للتقرب من والده بعد غياب وانشغال بالأسرة النووية، وهذه تختار من أثواب القفاطين أو الأحذية أجودها لاسترضاء حماة نالت من غضبها ما كان سببا في البعاد الأسري، وأخرى تهيئ أصناف الحلوى الخاصة برمضان لتهديها إلى أقاربها حتى تزيل بحلاوتها صخور مرارة الشقاق وبالبعاد التي ترسبت بينهم في لحظة من لحظات الغضب لأسباب تافهة. في المهرجان السنوي الرمضاني ينتعش قاموس الكلام الطيب: عواشر مبروكة، تكونوا حاجين، أو تكونوا عرائس وعرسان إن شاء الله، أو تكوني نفيسة.. إلى غير ذلك من قائمة المتنميات الجميلة التي يسعى الإنسان جاهدا لتحقيقها في كل مرحلة من مراحلها العمرية. الموظفون والمهاجرون منهم من يصر على أن لا تفوته فرصة مشاركة أسرته في المهرجان الرمضاني، فيؤجل إجازته السنوية إلى حين حلول شهر رمضان، ليقضي أيامه ولياليه في أجواء أسرية دافئة، فهذا يغادر الديار الإيطالية والآخر الديار الفرنسية وهكذا دواليك، كلهم يريد أن ينعم برمضان بين الأهل والأحباب لا يكدره دخان المصانع ولا برودة البلدان التي يقيم فيها. مندوبو المهرجان الرمضاني ينتقلون من كل حدب وصوب في اتجاه الحرم المكي والمسجد النبوي بالمدينةالمنورة، إنهم المعتمرون الذين يختارون عمرة رمضان التي تعدل حجة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويتركون أسرهم الصغيرة ليلتقوا بأعضاء أسرتهم الكبيرة الأمة الإسلامية ينعمون بزيارة المدينة ومزاراتها ومكة وجبالها يصلون أرحامهم خارج الحدود يعلنون للمشاركين في المهرجان الأسري الأممي أن المهرجانات الأسرية المحلية تتشوق للمشاركة بصفة أممية في مناسبات لاحقة. ففي العمرة تتجدد أواصر الأخوة الإسلامية التي لا تعترف بفوارق اللوان ولا الجنس ولا النسب، يوحد الثوب الأبيض الإحرام رجالها كما يوحد الستر نساءها في تناغم تستقطبه جاذبية الكعبة المشرفة ليطوف حولها القادمون والمغادرون في نظام أبدي. وكل مهرجان أسري رمضاني وأنتم بألف خير.