ما أن تغادر حي الأحباس المدهش بهدوئه وسط صخب العاصمة الاقتصادية، وتستعد للانضمام إلى تلك «المظاهرة» اليومية في ذلك الشريان الكبير في قسارية الحفارين الممتد من عقبة الشلوح إلى ساحة السراغنة بحي درب السلطان العتيد، حتى يثير انتباهك طابور طويل لأناس ينتظرون تحت أشعة الشمس الحارقة علهم يفوزوا بحظهم من « الشباكية» من المحل الذي طبقت شهرته الآفاق في الدارالبيضاء.. يقفون بالساعات ترقبهم أعين الغرباء الذين لابد أن يتساءلوا عن سر هذا الإقبال على حلوى وجودها ليس حاسما في غذاء المغاربة في الشهر الفضيل. في الأشهر الأخرى من السنة لا أحد يلتفت إلى ذلك المحل سوى من يسعى إلى شراء فطيرة « الشفنج» التي لا تعرف رواجا يستحق الانتباه، لكن في الشهر الفضيل، يتحول المحل إلى علامة فارقة في درب السلطان، فلا أحد يتجاهل الطابور، إلى درجة أن أحد ظرفاء درب السلطان خلع على صاحبه لقب « هتلر» ليس لفظاظة في سلوك من تعاقبوا عليه من ملاكه أو لتطلع راسخ لديهم في فرض « شباكيتهم» على الناس، وإنما استرعى انتباهه منظر أولئك الناس الذين يمدون أيديهم إلى صاحب المحل كي يفوزوا ببغيتهم، فيما يشبه التحية التي كان يحظى بها «الفوهرر» من أتباعه. فكان اسم «هتلر» الذي ينتزع ابتسامة كل من يعرف سبب نزوله. ما سر الجاذبية التي تمارسها « شباكية» ذلك المحل في قلب درب السلطان رغم وجود العشرات من المحلات التي توفرها في الشهر الفضيل؟ من لا يريدون أن يقلقوا راحتهم بالبحث عن الأسباب الخفية، يقدمون تفسيرا جاهزا «الحوانت مساتفة والأرزاق مخالفة». جواب لايقنع آخرين يرون أن أهل «الخفاء» يقفون بجانب صاحب المحل، فلابد أن صاحب المحل قد بذل في سبيل خدمات « فقيه» كي يحظى ب«القبول» ويشد إليه الزبناء الذين لم يولوا وجوههم طيلة تلك السنوات، لكن آخرين يرون في هذا التفسير ضربا من الرجم بالغيب الذي يوحي به الحسد لا أقل و لا أكثر، فهم يعتبرون أن تلك الشباكية اكتسبت شهرتها لخصائص تميزها عن سواها، ليس أقلها أنها تصمد لشهور أمام عاديات الزمن و لا تفقد طراوتها ومذاقها الذي يحرض من يزين بها مائدة الإفطار على السعي إليها كلما حل الشهر الفضيل. بعض الراغبين في الفوز بحصتهم من تلك الشباكية يزهدون في النوم في رمضان، ويلتحقون بالطابور بعد صلاة الفجر أو يسخرون من ينوب عنهم للقيام بتلك المهمة. لا ينال من رغبتهم في الحصول على بغيتهم طول الانتظار في الشهر الفضيل. يظلون على تلك الحال إلى أن يفتح المحل. و من زبناء المحل الأوفياء من يلتحقون بالطابور بعد الإفطار مباشرة أوصلاة التراويح. وفي جميع الحالات لابد أن يجدوا في محيط المحل من يعرض عليهم تخليصهم من عناء الانتظار، فلتلك الشباكية سوق سوداء ما فتئت تتسع في السنوات الأخيرة. في السنوات الأخيرة ارتجل العديد من الشباب والمراهقين في الحي الذي يوجد فيه المحل حرفة تتيح لهم الحصول على دخل محترم من الدوران في فلك «الشباكية»، فقد اهتدوا إلى إحداث «مارشي نوار» يقوم على شراء «الشباكية من صاحب المحل، وإعادة بيعها لقاء هامش ربح محترم للزبناء الذين يتحاشون الانتظار في ذلك الطابور الطويل. ويبدو أن بضاعتهم تعرف رواجا كبيرا، ما دام عددهم في تزايد سنة بعد أخرى، بل إن ثمة من النساء و الرجال من يرابضون أمام المحل حيث يبيعون أوعية بلاستيكية، تعبأ فيها الشباكية، خاصة أن العديد من الزبناء يشترون العديد من الكيلوغرامات.