مرحبا بمقرب المسافات، ومنعش حركة المخادع الهاتفية وعلب البريد الإلكتروني، ومنعش حركة الحافلات وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، ونافض الغبار على المذكرات الشخصية المحتوية على أرقام هواتف الأحباب والأصحاب. إنه شهر رمضان، ما إن يحل حتى يسرع الناس لاستعمال إحدى الوسائل المذكورة لبعث رسائل التهاني وإحياء صلة رحم سواء في العقيدة أو القرابة. محظوظ من امتلك وسيلة من الوسائل المذكورة إذا استعملها في شهر الصيام لصلة الأرحام يبعث رسالة بالبريد الإلكتروني للبعيد عن بلده الأصلي، ويستخدم المخدع الهاتفي للاتصال بمن هم في غير مدينته، ولا بأس إن أخرج دريهمات ثمن نقل بحافلة للنقل الحضري أو سيارة أجرة صغيرة لزيارة أقربائه وأحبائه في مدينته، أو مشى راجلا إذا كان أقرباؤه في قريته الصغيرة، والمهم من كل هذا أن ينفض الغبار عن تواصل أنسته فيه كثرة الانشغالات اليومية أو عداوة زرعها مشكل من المشاكل العائلية وما أكثرها أو غفلة لم تجد من يعوضها إلا حلول هذا الشهر الكريم. شهر رمضان فرصة للتواصل العائلي بين زوجين جمد جليد الأعباء اليومية حرارة المودة بينهما، وفرصة لابن أثقل كاهل والديه بالطلبات التي تعجز جيوبهما فهجرهما بغير رجعة، وفرصة للصلح بين أخوين حالت حوائل بين تآلف قلبيهما، كما هو فرصة لكنس كل مثبطات ومعيقات التواصل العائلي والاجتماعي وفرش أسباب التواصل والتراحم حتى يصبح الأهل والمجتمع برمته حصنا منيعا وقلعة صامدة، تنشأ عنها أسر متماسكة تحمل مشاعل البناء والتنمية على أساس المودة والرحمة. والمغاربة مهما حاولت معاول الهدم أن تزرع فيهم روح الأنانية والفردانية تجدهم في رمضان يهنئون من يعرفون ومن لا يعرفون، وترى المخادع الهاتفية بعد صلاة التراويح مليئة بالمتكلمين، هذا يهنئ، وهذا يطلب السماح على ما صدر عنه، وآخر يدخل بخيط أبيض ليصلح بين متخاصمين لأتفه الأسباب. والطريف أن من النساء المغربيات من تستغل مهارتها في صنع الشباكية أو السفوف لتصلح ما أفسدته الأيام بينها وبين حماتها، ويا ليت كل عمليات الصلح تكون بالأشياء الحلوة. المهم كما قالت إحدى السيدات أن تزول المرارة وتحل محلها الحلاوة. ولا يخفى على أحد منا قيمة صلة الرحم سواء في البناء النفسي للإنسان، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن الشخص الذي يكثر صلاته بأقربائه وعلى علاقة جيدة معهم يكون أكثر حظا من ناحية التوازن النفسي. ولا ننسى أن لنا في سنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بشارات لكل من غلب كبرياء نفسه، وأقدم على صلة رحمه بأي وسيلة متاحة له. من هذه البشارات أن صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر. فكل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه رواه البخاري. وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه. رواه البزار والحاكم. ومن البشارات أيضا الوصل بالله فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله رواه مسلم. وقد استجاب الله الكريم سبحانه، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً. وصلة الرحم علامة على الإيمان فحري بمن أراد أن يتوج بتاج التميز بالإيمان فيصل رحمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت رواه البخاري. إنها أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبة بين الناس وهي: إكرام الضيف وصلة الرحم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فصلة الرحم علامة على الإيمان ورمضان فرصة لتحقيق هذه الأمور الثلاثة بيسر لمن وفقه الله.