ما أن يشعرن بالحركة تدب بأحشائهن، حتى يستوعبن أن قادما جديداً سيرى النور بعد شهور، فيقعن في الحيرة الممزوجة بالخوف والتيهان. يحزمن حقائبهن أو ينفذن بجلدهن دون متاع هربا من السؤال والاستفسار ، ومن نظرات وعبارات الأهل والأقارب والجيران... منهن من تلتجىء إلى قريبة ، ومنهن من تختار صديقة، في حين أن بعضهن يولين الأدبار غير عابئات بما ينتظرهن من نوائب أو أزمات أو أخطار، المهم الهروب من الفضيحة، ومن «الخزي» الذي سيصاحبهن في وسطهن ليل نهار، بعدما عشن علاقات غرامية وعاطفية بدايتها عشق وهوى ونهايتها حزن وأسى، بعدما ينقلب الوعد بالزواج إلى تبرؤ وتنصل، فلا يملكن وسيلة لتقويم ما أصاب مستقبلهن من اعوجاج! فتيات في مقتبل العمر ، منهن القاصرات ومنهن الراشدات، كن يحلمن بفارس الأحلام وبالزوج والأبناء والأسرة، كما تخيلنهم من خلال القصص الرومانسية والأفلام، فإذا بهن يجدن أنفسهن ، رغما عنهن بعد جلسة تغرير مكسوة بالوعود المعسولة والأحلام الوردية، قد صرن أمهات! إنهن الأمهات العازبات اللائي لا يلقين حيلة لأنفسهن، فبالأحرى لما في بطونهن، فتتكاثر، تتناسل وتتعاظم الأسئلة في أذهانهن حول كيفية الخلاص.. فيخترن إما «وأده» أو «رميه» أو منحه، المهم أن يتخلين عنه في مرحلة أولى وتدبّر أمرهن في مرحلة العودة بعد ذلك!؟ حيرة وغموض وأفق مسدود هي الأحاسيس التي تنتابهن، وهي الدافع الذي معه تكونت إطارات جمعوية بهدف المصاحبة وإعادة إدماج هؤلاء الأمهات، مع التشديد على عدم تخليهن عن فلذات أكبادهن. هنا الجزء الثاني والاخير من الاطلالة على معاناة الأمهات العازبات. العلاقة مع مستشفى ابن رشد! الأمهات الثلاث ، السابق ذكرهن ، أكدن خلال شهاداتهن أن المعاملة التي لقينها من طرف بعض العاملات بمستشفى ابن رشد من طاقم الممرضين أو الأطباء، كانت في غالب الأحيان لا إنسانية، إذ بمجرد علمهم بالمصدر المكلف بهن، والذي يصحبهن إلى المستشفى، حتى يخاطب البعضُ البعضَ الآخر :«إنهن بنات إنصاف»! لتليها نظرات الازدراء والاحتقار والتعامل بغلظة وفظاظة لا علاقة لهما بسلوك «ملائكة الرحمة»! حيث أضفن أن هذه العبارات والنظرات تشعرهن بكونهن «خاطئات» ومنبوذات وغير مرغوب فيهن! إنصاف .. النشأة والأهداف "المؤسسة الوطنية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة"، مقرها الإداري ينتصب على امتداد 4 طوابق بمساحة تبلغ 800 متر مربع، مقر أمكن للجمعية الاستفادة منه وتوظيفه لصالح الأمهات العازبات وأبنائهن، بفضل مجهودات أحد المحسنين الذي مكن الجمعية منه، والذي يوجد بتجزئة خالد ما بين منطقة سيدي الخدير وحي الوفاق 3 بمقاطعة الحي الحسني. نبيلة التبر مديرة الجمعية، خلال لقاء الجريدة بها أخبرتنا أن الجمعية تأسست سنة 1999 بفضل دعم وتوجيه منظمة سويسرية تدعى «أرض الأطفال»، التي سلمتها المشعل لتنخرط في برنامج محاربة التخلي عن الأطفال، سيما أن التأسيس صادف صدور مقال في إحدى الجرائد الوطنية يتحدث عن العثور على 290 طفلا (رضيعا متوفى) بشوارع البيضاء آنذاك! لتأخذ الجمعية على عاتقها مهمة تحسيس الأمهات العازبات بأهمية الاحتفاظ ورعاية أطفالهن الناتجين عن علاقة غير شرعية، ومساعدتهم عبر إعادة إدماج هؤلاء الأمهات في الوسط العائلي والمهني، ولهذا الغرض، تم إحداث المأوى لاحتضانهن حتى لا يجدن أنفسهن عرضة للشارع بعد تخلي أسرهن أو مشغلهن عنهن، وحتى لا تنعدم الآفاق وتوصد الأبواب في وجوههن. وتضيف بأن المأوى عامل استقرار مادي ومعنوي للأم، كما أن منحها سقفا رفقة رضيعها لإيوائهما هو جزء من حقوقهما، تحصينا للأم من كل الممارسات التي ستدفعها إلى الإحساس بتأنيب الضمير في كل مرة، وذلك بهدف مساعدتها للخروج من الأزمة وتقوية الرابط بينها وبين رضيعها عبر إرضاعه والاعتناء به، حتى تستطيع تغيير فكرة التخلي عنه بالاعتماد على النفس والعمل من أجل تربيته، بعد خروجها من وضعية التهميش والإرهاق النفسي والجسدي بعد الولادة. مديرة الجمعية أكدت على أن الورشات التي توفرها الجمعية للأمهات تمكنهن من التكوين والتلقين في مجالات الخياطة، المعلوميات، الطبخ، الحلاقة، حتى يستطعن الاندماج في سوق الشغل، سيما أن أكثرهن بدون مستوى تعليمي، وتقوم الجمعية ، عبر شراكات مع مجموعة من المؤسسات، بإيجاد شغل لهن، وبالموازاة مع ذلك، توفر الجمعية المساعدة الطبية والنفسية وتحمل مصاريفهن وأبنائهن خاصة لمن لا مأوى قار لهن، واللائي لا يستطعن الحصول على شهادة الاحتياج. وفي سياق آخر، تقوم بعدة مساع من أجل تحقيق المصالحة العائلية، لأن الرابط العائلي رابط مقدس ويكون له بالغ الأثر في نفس الأم العازبة، وهو ما يتأتى أحيانا، لكن أحيانا أخرى هناك بعض الأسر التي تضع شرط التخلي عن الرضيع كأساس للعودة الى حضن العائلة، وهو ما لا تستطيع غالبية الأمهات الامتثال له، سيما أنهن خلقن تواصلا وارتباطا بوليدهن خلال الأيام التي قضيناها بالجمعية مما يجعل الأمر صعبا ومستحيلاً. وارتباطا بذات الموضوع، اعتبرت المسؤولة أن الجمعية تقوم باستقبال النساء في الستة أشهر الأولى من الحمل، لينطلق عمل الطاقم الاجتماعي معهن بهدف تحصينهن من السقوط في الدعارة، ومواكبة مرحلة الولادة وما بعدها إلى أن يبلغ الطفل 6 سنوات، حتى يتسنى للجمعية التأكد من مدى اندماجهما ( الأم والطفل ) في المجتمع، وتوفير المصاحبة النفسية لهما، وهي الحالات ، التي رغم مجهودات الجمعية، فإن بعضها يسقط في المحظور! الجمعية التي يشتغل بها 25 إطارا و 30 عنصرا متطوعا إضافة إلى 54 طبيبة وطبيب هم الآخرون متطوعون لخدمة الأمهات وأبنائهم، قامت خلال سنة 2007 ومن خلال 550 حالة التي وردت عليها ، بإيواء 88 حالة، وتقوم ، إضافة الى ذلك، بالمساعدة على تسجيل الأطفال بسجلات الحالة المدنية. وتبقى الحالات الواردة أغلب نسائها نازحات من البوادي، ومن خادمات البيوت، وعدد من القاصرات يصعب التعامل معهن لعامل المراهقة ، ولكون سوق الشغل لا تلجه إلا الراشدات. الجمعية افتتحت لها فرعا بإمينتانوت بمنطقة شيشاوة لكونها منطقة معروفة بتشغيل بناتها، وستنظم خلال 9 من الشهر الجاري يوما تحسيسيا لكون تشغيل البنات كخادمات للبيوت هي إشكالية متشعبة مرتبطة بالجانب المادي والاقتصادي وبعقليات ترسخت لديها هذه القناعة، زيادة على التهميش والعزلة التي يعاني منها العالم القروي والخصاص المهول في البنيات التحتية والحاجيات الأساسية للمواطن..وهو المشروع الذي تسعى الجمعية إلى تعميمه على مناطق أخرى، إضافة إلى محاولة توسيع القدرة على الإيواء، ورفع سقف الحضانة من 8 أشهر الى عامين، مع تنظيم دراسة عن ظاهرة الأمهات العازبات وتطورها ، و تنظيم يوم تحسيسي حول إشكالية الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج. ولم يفت المديرة الإشارة إلى مشكل أداء الجمعية واجبات الضرائب عن كل مقتنياتها التي لا تُعفى منها، مما يشكل عائقا أمام اشتغالها! من أم عازبة إلى أم كاملة الحقوق سعيدة باجو ، المساعدة الاجتماعية، تحدثت عن الدراسة التي أعدتها الجمعية خلال 2005 حول 330 أُما عازبة، جاء فيها أن 36 في المائة من الأمهات العازبات في الدارالبيضاء يعشن الوضعية بسبب علاقة غرامية بدون هدف ارتباط، بينما وقعت 41 في المائة من الفتيات ضحية الظاهرة بسبب علاقة غرامية مع وعد بالزواج، ويشكل الاغتصاب نسبة 11 في المائة، في حين تمثل الدعارة سببا ل 12 في المائة من الأمهات العازبات. وعن العراقيل التي تواجهها ، أكدت أنها متعددة ، ومن جملتها الصيغة/ الإشكال الذي يتضمنه التصريح بالأمومة، والذي يدعو الى اعتماد عبارة «الأب المجهول»، في حين أن الأمر يتعلق بأب معلوم ومعروف لكنه تنكر لطفله! كما أن الوساطة لا تكون ذات تأثير ولا تتوخى أحيانا ، وفي أحسن الأحوال، إلا الاعتراف بالطفل في حين تلقى أمه الإهمال؟ وأضافت أن هناك فراغا قانونيا في هذا المجال، إذ أن المدونة تحدثت عن إثبات النسب بالخبرة الطبية وعند تطبيقها على أرض الواقع، نجد أن المشرع ربطها في مادة أخرى بحالة الخطبة، وهو ما ينتفي في حالاتنا التي نعيشها ،إذ يغيب هذا الشرط . كما أن الأم العازبة عند تقدمها بشكاية قضائية في الموضوع تصبح هي نفسها موضوع متابعة بالفساد! مما يطرح صعوبات عديدة من أجل تحقيق ثبوت الزوجية وثبوت النسب. باجو ترى أنه ، من أجل الانتقال من الأم العازبة إلى الأم الكاملة الحقوق، وجب إرغام الأب على الاعتراف بالزوجة والطفل، وهو ما من شأنه وضع حد للتسيب القائم في هذا المجال، مع تفعيل الخبرة الطبية (الحامض النووي) واعتماد إجراءات زجرية لكلا الطرفين، سواء الأم أو الأب في حالة التلاعب. وتطالب، إضافة إلى ذلك، بالسماح بالإجهاض قانونيا للأمهات في حالة الاغتصاب وزنا المحارم لمحاربة الإجهاض السري مع عدم السماح بتزويج المُغتصبة من مغتصبها. إكراهات متعددة الأوجه استطاعت الجمعية التي حصلت على صبغة المنفعة العامة في 28 غشت 2002، والحاصلة على جائزة في ميدان حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية سنة 2003، العضو الاستشاري في هيئة الأممالمتحدة في يوليوز2005: إيواء 550 أُما عازبة وطفلها. تقديم العلاج ل 1100 رضيع وتوفير الحليب لمدة سنتين لفائدة 672. تسجيل 800 طفلة وطفل في دفاتر الحالة المدنية. إدماج 200 أم وطفلها بعائلتها الأصلية. إدماج 200 أم في ميدان الشغل. إبرام عقد النكاح بين 40 أم عازبة ووالد طفلها / طفلتها. ورغم كل هذه المجهودات السالف ذكرها، إلا أن هناك حالات، رُغم منحها العمل القار، إلا أن عدم الثقة في النفس ونظرا لصرامة المجتمع ولانعدام الاعتراف من طرف الشريك في حالات، فإنها عوامل تدفع ، خاصة القاصرات، الى السقوط في حضن الدعارة، ويبقى مشكل العقليات عائقا كبيرا أمام تطبيق القانون ، وأمام تحصين المجتمع من هاته الآفة حتى لا تحتضن شوارع العاصمة الاقتصادية أطفالا متخلى عنهم عند هذه الزاوية أو ذاك الملتقى ""