في آسفي التي عاصرت خلال سنة كاملة أعاصير الحراك الشعبي و أخرجت غسيل أزماتها للشارع و قدمت أرواح أبناءها في سبيل نهضة مدينة يداوون أعطابها منذ منتصف الثمانينات بالحقن المهدئة,...هي ذاتها المدينة التي يريدون اليوم خلع ثوب الحداد عنها بتنصيب المنصات العمومية و ربط مكبرات الصوت بالكهرباء حتى يصل إلى أبعد بيت في ليالي هذا الصيف,... الذي أرادوه مفتوحا على أصوات تشبه ما يصفه المغاربة في عاميتهم ب "جيب يا فم أو قول". الذين يبرمجون للمهرجانات في آسفي تنطبق عليهم مقولة : "كينفخو في الجمر و هو طافي",...فقط لأن صناع القرار في مدينة الخزف و السردين فضلوا منذ سنوات ألا يكون للمدينة مهرجان,حتى يكون بمقدورهم تعلم "الحسانة في رؤوس اليتامى",...فمع كل سنة يخترعون مهرجانا و يستوردون وجوها من منصات "الكاباريهات" و يصرفون ملايين كان بإمكانها بناء مستشفيات و ترحيل بؤساء المدينة القديمة و ربط الأحياء المهمشة بشبكة الصرف الصحي و الكهرباء و الماء الصالح للشرب و بناء مراكز إيواء للحمقى و المشردين,...و تنظيف المدينة و إخلاء شوارعها من الباعة المتجولين,...إذاك ستكون المدينة مؤهلة لأن يكون لها مهرجان ب "وجه احمر". في آسفي لا يفهم الناس كيف تعلو همة البعض في وضع المنصات مع مكبرات الصوت هنا و هناك,وكيف تصبح فجأة أموال المهرجانات موجودة,..في حين الشوارع كلها حفر و أوراش و مجاري الصرف الصحي الضخمة الموضوعة على قارعة الطريق شاهدة على فشل تدبير مدينة لم تجد بضع "بونات" من القمح و الزيت و التمر و الحليب لفقرائها أياما قليلة قبل شهر الصيام...,لكنها تجد الأموال و الملايين من المال العام لتعلقها على صدور الشيخات. الناس هنا في آسفي يتذكرون زمن كان فيه صوت الهرم الشعري العربي محمود درويش يصدح من وسط النادي البحري,...زمن كتب فيه العملاق الطيب الصديقي مسرحيته "القوق في الصندوق" في مقهى البريد بساحة الاستقلال في آسفي,...زمن كانت فرقة المعمورة تحي لياليها المسرحية الخالدة,...زمن تناوبت فيه أسماء على خشبة مسارح آسفي زمن الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة برئاسة الفنان امحمد مضمون,... كبوسرحان الزيتوني و كنزة فريدو و رشدي فكار و فاطمة الركراكي,..زمن مهرجان 1983 الذي حمل مشعله الراحل محمد بوحميد مع عمالقة الموسيقى كالدكالي و بلخياط و نعيمة سميح,...وغيرهم,...حتى أحيا الله مدينة آسفي و أهلها و عاشوا يوما أصبح فيه للرداءة مهرجان و إدارة و منصة و شؤكة للتواصل و مكبر للصوت و ميزانية ليست سوى ما يسميه المغاربة ب"الغرامة" في ليالي "القصارة". ما يقع لآسفي اليوم من تيه في الاختيارات الفنية ليست سوى خلاصة لما توصل إليه آبائنا و أجدادنا لما قالوا ذات زمان "تلف الرأي عند أهل الرأي و بقا الرأي للتالفين...النعاج كايتغامزو و السبوعا خايفين",...فقط لأن الناس في آسفي تيقنوا أن المدينة التي أنجبت الحاج باجدوب و إدمون عمران المليح و أبو بكر البوخصيبي و محمد عصفور و ابن ابراهيم الفخاري و سامي المغربي و فاطمة وشاي و محمد الوديع الآسفي و طه و ياسين عدنان و ربيعة ريحان و كمال الزبدي و محمد الركاب,...وغيرهم كثير في مجالات أخرى, و لا تحمل أصغر زنقة في المدينة اسم أحدهم,...تيقنوا أن آسفي تعيش زمن "الزهايمر",...زمن يعيش على التناسي,...زمن يحتفي بالنكرات و يدفن ماضيه من الأعلام. "القوق في الصندوق" عنوان المسرحية التي كتبها العملاق الطيب الصديقي في مقهى البريد في آسفي, تصلح لأن تعرض اليوم,...فقط لأن الزمن الذي تنبأ له الصديقي وصل أخيرا و على عربات "القوق الفني" الذي يعرض اليوم على منصات,... بجانب "الواد الحار" في آسفي.