بآسفي وحدها يتم استحداث مهرجانات كل سنة يطلق عليها لقب «الدورة الأولى»، فالمدينة، التي عادة ما توصف بالفقيرة، تصبح بمهرجاناتها كتلك المرأة الشهيرة في مثلنا الشعبي المغربي الذي يقول: «الطلاب يطلب ومراتو تصدق»، فآسفي التي يتذرع دوما من يقبعون فوق كراسي المسؤولية بها بعدم توفر الاعتمادات المالية الكافية لتشغيل المعطلين وتنظيف المدينة من أوساخها وباعتها المتجولين وجلب الاستثمارات، هي نفس المدينة التي ترمي أحزمة الأوراق المالية من النوافذ وتحت أرجل الشيخات فوق المنصات. مازال هناك بآسفي من يسير المدينة دونما حاجة به إلى ذاكرة، فيما أهالي المدينة ينازعون الفيلة في قوة ذاكرتهم، خاصة تلك التي تتعلق بالضحك على ذقون الساكنة والأجيال، فخلال مدة قصيرة لا تتعدى 10 سنوات جربت المدينة كل أشكال المهرجانات التي تنطلق بشعار الدورة الأولى وتنتهي في مزبلة النسيان، وحده إهدار المال العام بلا حسيب ولا رقيب وبلا افتحاص مالي طيلة كل هذه السنوات من يجدد جلده مع كل صيف كما تجدد الثعابين جلودها. من يسيرون مدينة آسفي أقرب، من حيث الخيال، إلى اليرقة التي لا يذهب خيالها إلى أبعد من أن تصبح فراشة بأجنحة لا تعمر سوى أيام ثم تموت، وتكون قنوعة بأن تحلق في السماء لأيام معدودات، ففي كل مرة يبتدعون «تخريجة» جمعية تسهر على المهرجان ويمررون لها مئات الملايين، حتى إنه جرى مرة أن جعلوا من المكتب الشخصي للوالي مقرا استثنائيا لعقد اجتماعاتها وصرف أجور المغنين به. وبعد انصرام زوبعة المهرجان، اكتشفت المدينة أن تلك الجمعية التي تكلفت بإهدار الملايين لم تكن جمعية قانونية وأنها كانت تؤدي أجور بعض الفنانين بالعملة الأوربية وأن شيكات مزورة تم ضبطها بأحد البنوك المقابلة لمقر ولاية آسفي. ساكنة آسفي لم تنس كيف ذهب خيال أحدهم ذات مرة ونظم، على هامش أحد المهرجانات التي تولد لتموت، عرض أزياء لكلاب السلوقي، وكيف اصطفت وجوه مسؤولي المدينة في الصفوف الأمامية لقاعة الأفراح تشاهد وجوه الكلاب وهي تتمشى أمامهم في زهو وحبور، وكيف أن أحدهم نصب على المدينة بأن أخذ 60 مليونا كاملة مقابل تأجير مكبرات صوت رديئة وحمل حقائبه وغادر أرض الوطن، وكيف أن آخر كان يأخذ نصيب 25 في المائة من كل عقود الفنانين، حتى اغتنى في ليلة واحدة من ليالي آسفي الصيفية. اليوم، يستحدثون مؤسسة أخرى ويعينون على رأس إدارتها مديرا له خبرة في صرف أموال الدعم السينمائي ويسمون المهرجان «أمواج»، لا علم للساكنة بما إن كانت أمواج جزر أم مد، كما لا علم لأحد بمصدر الأموال التي تم صرفها مجددا على منصات شيخات الكاباريهات؛ فالمدينة، التي تلفظ المعطلين كما يلفظ الموج بآسفي السردين والتي انفجرت شوارعها وأزقتها بالباعة المتجولين وعربات نقانق الكلاب وتحولت إلى سوق قروي، هي ذاتها المدينة التي يتفرج مسؤولوها من مكاتبهم على مأساتها كل يوم، ومع كل صيف يريدون أن يلبسوها قفطانا ملونا في مشهد تصدق عليه مقولة: «حمقاء وقالوا ليها زغردي».