بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال، أتقدم بهذه الرسالة إلى كل الاستقلاليات والاستقلاليين المشاركين فيه راجيا منهم أن يأخذوا بمضمونها بما يخدم مصلحة البلاد ويضعها فوق كل الاعتبارات، وأنا كلي إيمان أن جل الاستقلاليين واعون بأهمية هذه المحطة المصيرية بالنسبة لحياة الحزب ومستقبله السياسي. أدعو الاستقلاليين في المؤتمر القادم باعتباره أعلى سلطة تقريرية في الحزب أن يدركوا أنهم مطالبون اليوم باختيار واحدة من بين طريقين لا ثالثة بينهما. فإما أن نختار طريق النزاهة والإصلاح فنكون قد شاركنا بالفعل في مؤتمر للتميّز. وهو تميّز عن فسيفساء الأحزاب التي تؤثث المشهد الحزبي المغربي من يمين ويسار، وإما اختيار طريق الفساد السياسي بما تحمله كلمة الفساد من معنى. وسنكون عبر تلك الطريق الثانية قد أكدنا أننا حزب يعمل بهاجس انتخابي محض. حزب لا يعير أي اهتمام لمستقبل المواطن المغربي وحاجاته وانشغالاته بقدر ما يهتمّ بأطماع من يسمون أنفسهم مناضلين باسم الحزب، لكنهم في الحقيقة، مستعدون للتخلي عنه في كل مناسبة تمسّ فيها مصالحهم الآنية أو مصالح أبنائهم وذويهم. إذا اخترنا الطريق الثانية فسوف نذوب في بحر الفسيفساء المشكلة من الأحزاب التي تخلّت عن مشروعها المجتمعي وانضمّت إلى تلك الأحزاب الإدارية التي لا تتوفر على أي مشروع يجعل المجتمع المغربي في قلب اهتماماته. تلك الأحزاب التي ربطت وجودها بتزكية الكائنات الانتخابية التي تمارس السياسة من أجل التواجد في مؤسسات الدولة فقط. مؤتمر التميّز نريده أن يعطي لسياسة الحزب معنى نبيل من خلال اعتبار المنافسة السياسية وسيلة لتحقيق المصلحة العامة وليس غاية لتحقيق المصالح الخاصة. لقد كنّا ننتقد فيما سبق سياسة الحزب خلال مراحله الأخيرة ومازلنا نؤكد على أن الحزب ارتكب خلالها أخطاء بالجملة حتى أصبح يتحول من صورة ذلك الحزب الوطني العتيد الذي يستحق أن نصفه بضمير الأمة إلى صورة حزب إداري يستوطن فيه اللصوص والغوغاء فيهجره المناضلون الأقحاح الفاعلون الحقيقيون وأصحاب الضمير الذين يحملون همّ الوطن وغاية المصلحة العامة. مؤتمر التميّز الذي نريد يجب أن يجعل من أهم أولوياته التعبئة لإرجاع المناضلين الحقيقيين الذين غادروا الحزب وفي أنفسهم حسرة على مستقبل الحزب والوطن. لذلك أقول إن الوقت قد حان لنلتفت إلى ذلك السيل العارم من المغادرين الذين أرادوا أن يكون لهم كيانهم المستقل داخل الحزب فلم يجدوا إلا الجفاء والرفض مقابلا لأدوارهم الإيجابية. فنحن في حزب الاستقلال نتوفر على أكبر نسبة من الأغلبية الصامتة. ومع ذلك لا نضع لذلك حسابا وكأن مغادرة الحزب هي مرحلة طبيعية من مراحل صيرورة النضال في دواليبه. لقد أصبح المناضلون اليوم مثل السلعة التي يمتلكها هذا التاجر أو ذاك. ففقدنا ذاتيتنا وفقدنا موضعنا الاعتباري وأصبحنا أضحوكة لدى العادي والبادي. وبالتالي فإن أولوية الأولويات بالنسبة لمؤتمر التميّز هي إنقاذ صورة الحزب أولا وأخيرا وإعادة الاعتبار لذلك المناضل الذي يريد أن يكون فعّالا بمواقفه وآرائه دون أن يطلب مقعدا أو حقيبة أو ديوانا. مؤتمر التميّز يجب أن يكون معملا لإنتاج الكفاءات الغيورة على هذا الوطن ومدرسة للسياسيين القادرين على بعث روح الأمل عند المغاربة بدلا من اليأس من كل ما يرتبط بالسياسة والأحزاب السياسية. إنه لمن الواجب على الاستقلاليين والاستقلاليات أن يدركوا أن ذهنية الناس في الشارع المغربي، في ظل ما يعرف بالربيع العربي قد بدأت تتغير تدريجيا. وأن الاهتمام بما يقع داخل الأحزاب بدأ يعود وأن كل ما نفعله داخل مقراتنا يخرج إلى العلن. لذلك أدعوهم جميعا إلى القيام بنقد ذاتي وموضوعي يرسم الطريق أمامنا لتفادي أخطائنا الماضية والسير بخطى صحيحة وثابثة نحو الهدف النبيل المرجو من السياسة ألا وهو تحقيق الخير الجماعي المشترك. وختاما أقول إن مؤتمر التميّز يجب أن يفرز قيادة نزيهة ومسؤولة عن أقوالها وأفعالها. قيادة لا تتوفر على سوابق في المحاكم أو سيرة عدلية متسّخة. قيادة قادرة على إنتاج أفكار جديدة ومواقف جيّدة في مستوى تطلعات كل الأحرار الذين يتمنون الخير لهذه البلاد. وما على الرسول إلا البلاغ.