عندما عين السيد نبيل بنعبد الله وزيرا للسكنى و التعمير و سياسة المدينة، انتقدت في أعماقي هذا الاختيار و تساءلت ما علاقته بقطاع حساس كالتعمير. و لكن شاءت الصدف أن حضرت منتدى الجهة لسياسة المدينة الذي ضم منتخبون و فعاليات من المجتمع المدني من مختلف الأقطاب و التوجهات لتناول قضايا التعمير و الذي أصر فيه الوزير نبيل بنعبد الله أن يشارك فيه حتى النهاية . و في ذلك الملتقى، اكتشفت فيه رجلا دينامكيا و تواصليا و منفتحا يجيد فن الإصغاء و الاستماع، و اقتنعت أنه من الغباء و التبلد أن أحكم على أشخاص أو مسئولين لا أعرف إلا أسماءهم و بعضا من ماضيهم المنقول هنا و هناك على صفحات الجرائد و المجلات. و اعترفت أنه ليس عادلا ألا نأخذ محمل الجد مبادرات الآخرين و أن نشكك في نواياهم أو أن نلصقهم بأحكام جاهزة و " نتنبر" كل من سولت له نفسه أن يكشف على أفكاره أو توجهاته أو مواقفه أمام الآخرين. في الانتخابات التشريعية الأخيرة، نبيل بنعبد الله هو السياسي المغربي الوحيد الذي اعتمد على الفايسبوك ليقود حملته الانتخابية، كان يتعرض في صفحته لانتقادات لاذعة و لهجوم قوي من طرف الشباب الذي فقد الثقة في كل شئ و ربما من طرف خصومه السياسيين أيضا. و لكن لا التعليقات السلبية و لا الانتقادات الكثيرة كانت تخيفه أو تثنيه حيث كان بين الفينة و الأخرى يطل على زائري صفحته بفيديو يشرح فيه وجهة نظره و يجيب على مختلف التساؤلات المطروحة في موقعه بثقة و وضوح. عندما أصبح وزيرا، لم يغير أسلوبه ، حيث أنشأ صفحة تواصلية في الفايسبوك للحديث عن سياسة المدينة مع مختلف المواطنين، كما أنه حاول التواصل شخصيا في العالم الافتراضي عبر فيديو يتفاعل فيه مع كل من شاركه الحوار والنقاش في الفايسبوك. السيد نبيل بنعبد الله سياسي جريئ لا يخاف من المواجهة و الصراحة و مؤمنا بضرورة الانفتاح على الجميع. و ربما الجرأة و القدرة على المواجهة و الصدق في الحوار هو بالضبط ما نحتاج إليه للنهوض بملف حساس و متشعب كالتعمير. فالوزير أبدى استعدادا حقيقيا للتواصل مع مختلف جهات المملكة لإيجاد مفهوم جديد لسياسة المدينة. المبادرة تستحق التنويه و إن كانت تذكرني بمدونة التعمير و بالمناظرات و الأوراش الجهوية و الإقليمية التي خاضها الوزير الاستقلالي السابق السيد أحمد توفيق احجيرة بدون كلل أو تعب لإخراج قانون تعمير مغربي/مغربي يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي و البيئي و الاقتصادي و العقاري لكل منطقة على حدى. بيد أن مدونة التعمير و منذ 2004 لم تخرج حيز الوجود و ظلت حبيسة غرفة من غرف البرلمان. عيون المشاركين في الملتقى الجهوي و كذا كلامهم في بعض الأحيان يظهر مدى شكهم و عدم ثقتهم بجدوى هذه المنتديات حول سياسة المدينة و بأنها فقط موجة عابرة كأمواج أخرى عبرت وولت. بيد أنه و كيفما كانت نتيجة هذه اللقاءات فإنها تكون فرصة مناسبة لتقريب الرؤى و للتفاعل الإيجابي بين المسؤول الحكومي و مختلف الفعاليات المحلية. فالمسؤول المركزي لا يمكن أن يقتصر دوره في تنفيذ البرامج الحكومية فقط و لكن لديه مهمة أخرى لا تقل أهمية و هي تأطير مختلف فعاليات المجتمع عبر التواصل الإيجابي والصادق و ذلك قصد إشراكه متعة بناء مغرب قوي و متماسك قادر على احتضان و إسعاد كل مواطنيه. و ربما سياسة المدينة تبدأ من هنا. فخلال المنتدى تحدث الجميع عن إشكاليات التعمير المختلفة من بناء عشوائي و بطء في التراخيص و ندرة في العقار و عدم قدرة الدولة التحكم فيه و مشكل الاستيلاء على الأراضي السلالية و عدم مطابقة القوانين للواقع و بطء و تعقيد مساطر الإنجاز و المصادقة على وثائق التعمير و مشكل الاستثاء في التعمير و... ولكن حوهر و أصل الداء لا يكمن في الإشكاليات المطروحة لأنها فقط ظواهر جزئية. فالسؤال الذي يجب أن نطرحه إذا أردنا أن نبحث عن مفهوم جديد و منسجم لسياسة المدينة هو : " كيف نتعايش الآن مع بعضنا و كيف نريد أن نحيا في المستقبل؟". و هو سؤال سياسي بالدرجة الأولى و علينا أن نملك الجرأة الكاملة و الصراحة الكافية لنجيب عليه. فمن أجل بناء طريقة حياة جديدة علينا أن نكسر طابوهات كثيرة نتفادى الحديث عنها و أن نبتعد على تبني المفاهيم الجاهزة و الأحكام المسبقة لأنها أصل الشقاء و الشقاق.