المغاربة يحتفلون في فاس ب 12 قرنا من تاريخ بلدهم بالصوت والصورة يرجع تاريخ تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789م، إذ بنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين. وفي سنة 808م أسس إدريس الثاني مدينة جديدة على الضفة اليسرى لوادي فاس بحي القيروانيين نسبة إلى أصل ساكنته المنحدرة من القيروان بإفريقية. وكانت عدوة الأندلسيين محاطة بالأسوار، تخترقها ستة أبواب ولها مسجد جامع. وفي المدينة القديمة المقابلة قام إدريس الثاني كذلك ببناء سور ومسجد، بالإضافة إلى قصر وسوق. "" وعرفت فاس، التي يطلق عليها المغاربة العاصمة الروحية، في هذا العهد انتعاشا اقتصاديا وعمرانيا منقطع النظير لوجودها في منطقة سهل سايس الخصبة، ولتوفرها على موارد متعددة ومتنوعة ضرورية للبناء كمادتي الخشب والأحجار المتوفرة بغابات ومقالع الأطلس المتوسط القريب، بالإضافة إلى وفرة الملح والطين المستعمل في صناعة الخزف. ودفع هذا الزخم التاريخي والثراتي الذي تختزله الأحياء القديمة لهذه المدينة، المغرب إلى الاحتفال بالذكرى ال 1200 لتأسيس العاصمة العلمية، والتي من المنتظر أن تنطلق، في الخامس من أبريل، من خلال تنظيم حفل موسيقي ضخم بساحة أبي الجنود بحضور مدعويين وطنيين وأجانب. وقال سعد الكتاني، المندوب السامي لجمعية الذكرى 1200 لتأسيس فاس، خلال ندوة صحافية نظمت الإثنين الماضي بالمدينة، إن "إشارة انطلاق الاحتفالات المخلدة لمرور "12 قرنا في حياة مملكة" ستكون يوم خامس أبريل انيسان من خلال تنظيم عرض موسيقي ضخم، "صوت وصورة"، يرسم مسار 12 قرنا من تاريخ المغرب" وأشار الكتاني، بعد تقديمه للخطوط العريضة لبرنامج الجمعية، التي يقدر غلافها المالي ب 350 مليون درهم، إلى أن هذا التخليد يعد ثمرة عدة أشهر من العمل قامت به مجموعة متعددة الاختصاصات عبر إعداد أنشطة غنية ومتنوعة. وأضاف أن 12 حدثا قويا، مطعما بتظاهرات متميزة وطلبات مشاريع، تشكل أساس احتفال بلد يعتز بماضيه ويبني مستقبله بثقة ويرسخ أقدامه في الحداثة. وأوضح أن عمل الجمعية يروم "المحافظة على الذاكرة التاريخية الوطنية وتأهيل تراثنا وترسيخ قيمنا وإغناء هويتنا الوطنية". وأوضح الكتاني أن سنة 2008 تسجل مرور 12 عشر قرنا على تأسيس المدينة من طرف المولى إدريس الثاني الذي اختارها عاصمة للمملكة، مبرزا أن "هذه اللحظة المتميزة في تاريخنا الوطني تكرس بداية تمازج متناغم بين الأصل الأمازيغي والإسهام العربي الإسلامي الذي سيغدو طوال التاريخ اللاحق للمغرب أساسا للهوية الوطنية". وقال إن "الاحتفاء بهذا الحدث الفريد الذي يمثل الذكرى الألف ومائتين لتأسيس مدينة فاس، والذي يمتاز بحمولته التاريخية والرمزية، يعد احتفاء بتاريخ المغرب بكل غناه وتنوعه". وحول تأسيس فاس، التي تشكل منعطفا في تاريخ المغرب، ذكر الكتاني أنه سيجري تنظيم ندوات موضوعاتية حول موضوع ""1 قرنا في حياة مملكة" منها، "فاس أول عاصمة لمغرب الجهات"، و"إسلام روحاني ومتسامح"، و"القرويين والعلوم الدينية"، و"تاريخ بصيغة المؤنث"، و"التقائية إثنية"، و"ملتقى المعارف العلمية والمهارات الشعبية". وأكد الكتاني أن المضامين التاريخية لهذا الحدث ترتكز على التعريف بالقيم الأساسية للتسامح والانفتاح والإبداع والحداثة. وأوضح أن الجمعية أعدت برنامجا يضم 12 حدثا هاما سينظم في فاس وفي المدن التاريخية الثلاث (مراكش، مكناس والرباط)، والتي تتمحور على الخصوص حول مساهمة المرأة في تاريخ المغرب، وقوافل التاريخ، وحفلات خاصة بموسيقى المغرب ومحاضرات حول الروحانية. ويرتكز تصور التظاهرات المقترحة من طرف الجمعية على أربعة مبادئ تهم تخليد الذاكرة والتاريخ بشكل جماعي، وتقاسم رؤية التاريخ بكل تنوعها الثقافي وغناها الإبداعي والتي توجه المغرب نحو طريق الانفتاح على المستقبل. وتحظى فاس بموقع استراتيجي مهم باعتبارها ملتقى للطرق التجارية بين الشرق والغرب، خاصة تلك التي كانت تربط سجلماسة بشمال المغرب. كما شكلت ساكنة المدينة خليطا من أمازيغ الأطلس المتوسط والقيروانيين والأندلسيين واليهود الذين ساهموا في تطورها العمراني والاقتصادي والثقافي. وفي سنة 857 م، قامت فاطمة الفهرية بتشييد جامع القرويين بالضفة اليسرى لوادي فاس، الذي جرى توسيعه فيما بعد من طرف يوسف بن تاشفين المرابطي (1061-1060م)، بعد استيلائه على المدينة سنة 1069م، كما عمل على توحيد الضفتين داخل سور واحد وساهم في إنعاش الحياة الاقتصادية ببناء الفنادق والحمامات والمطاحن. وبعد حصار دام تسعة أشهر، استولى الموحدون على المدينة سنة 1143م. وتحت حكم الدولة المرينية، عرفت المدينة عصرها الذهبي، إذ قام أبو يوسف يعقوب (1286-1258م) ببناء فاس الجديد في سنة 1276م، إذ حصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق. وخلال القرن السابع عشر، عرفت فاس بناء حي خاص باليهود يعتبر أول ملاح بالمغرب. وبعد فترة طويلة من التدهور والتراجع بسبب القلاقل التي عرفتها البلاد، احتل السعديون المدينة سنة 1554م. وبالرغم من انتقال عاصمة الحكم إلى مراكش، خص السعديون مدينة فاس ببعض المنجزات الضخمة كتشييدهم لأروقة جامع القرويين وعدد من القصور وترميم أسوار المدينة وبناء برجين كبيرين في الجهتين الشمالية والجنوبية للمدينة. ونتيجة للاضطرابات التي عرفتها الدولة السعدية، انقسمت فاس إلى مدينتين: فاس الجديد وفاس البالي. وفي سنة 1667م، تمكن العلويون من الاستيلاء عليها. وبصفة عامة عرفت هذه الحاضرة تحت حكم العلويين إنجاز عدة معالم نذكر منها على الخصوص فندق النجارين، ومدرسة الشراطين، وقصبة الشراردة الواقعة خارج فاس الجديد، وقصر البطحاء.