تحاول "الممثلة" فاطيم العياشي (لا نعرف من أي معهد سينمائي تخرجت)، التي تعرت بشكل مفضوح وبورنوغرافي في كل من فيلم "فيلم" لمحمد اشاور وفيلم "موشومة" للحسن زينون، إطلاق سيل من الجدل الواسع، وبصوت عال وبكثير من الكلام الفارغ، حول سرقة المعنى الحقيقي لمفهوم "حرية الفن" بربطها بالسلوك اللاأخلاقي حتى ولو كان يقينها في غير محله، إن على المستوى الفني أو على مستوى الأفراد ووعيهم لهذا المفهوم. والغرض من هذه الضجة فرض "وجهة نظر" وإكراه الآخرين على تبنيها بالتصعيد الواضح من السخط والغضب بتأويلات رثة وتطبيقات معتوهة، فهي الوحيدة (إضافة الى لطيفة احرار وأمل عيوش) التي تتباهى بأفلام المسخ التي أدت فيها البطولة، وتسعى إلى إيجاد مبررات للدفاع عن سينما تحرك ذيلها لطرد الذباب من فوق قيحها، فارتمت على قمامات النفايات التي تشبه إلى حد كبير فلمي "فيلم" و "موشومة" لتوجه اتهاما مباشرا إلى الذين يختلفون معها في الرأي بأنهم يحاولون مصادرة "حقها"، الذي يشرع له قانون "حرية التعبير". الدعاية الرخيصة نعتبر الخطوة التي قامت بها فاطيم العياشي مادة نتنة تفوح رائحتها العفنة من بعيد. وتتزامن هذه الدعاية الرخيصة مع اقتراب خروج فيلم "موشومة" إلى القاعات السينمائية - أدت فيه البطولة عارية بالتمام منذ البداية إلى النهاية- والخوف عليه بالإخفاق في جلب المشاهدين تماما كما حصل مع فيلم "فيلم"-لعبت فيه عارية كذلك- الذي قاطعه الجمهور المغربي من كثرة فقاعته التي تبعث على القيء. ولا يساورنا أدنى شك أن بعض "مخرجينا المغاربة" يشاطروها الرأي ليس لأنهم يخافون على "تضييق حرية التعبير" بل فقط لأنهم يخافون على مصالحهم (نهب صندوق الدعم) لذلك تجدهم يتبنون "أفكارها" وينجرفون مثلها وراء موجة أفلام الشذوذ واللواط والعري ويقصفونا بأوساخها وسطحيتها وتكرارها وأسلوبها المترهل (نبيل عيوش) أو أفلام الكلام الساقط أو الدعارة أو السحاق (حسن بنجلون، ليلى المراكشي، نرجس النجار، عزير السالمي، نورالدين لخماري، فوزي بنسعيدي) وغيرهم، دون أن يفهموا مهمة توظيف الفن الراقي للجنس في السينما التي تقدم رسالة إنسانية، ومع ذلك يحاولون تقديم مبررات عن شللهم الفكري بمزاجية رنانة من صنف ضرورة كسر "الطابوهات" لتعزيز الخراب الاجتماعي بالإسهام في تغيير طابع العلاقات الإنسانية التقليدية لتتدنى معنويات المشاهد من خلال نشر أوجه الفساد والانحلال والآثام والشرور بكل الوسائل لاسيما السينما. وأفلام هؤلاء المخرجين، الذين يجلبون إليها أمثال فاطيم العياشي، شكل من أشكال البورنو تهدف إلى استغلال الإنسان وتحقيق الربح وإثارة الجدل على طريقة "خالف تعرف" لكنها تنحدر بسرعة البرق إلى مقالب الزبالة كما فعلت هذه "الممثلة" من تلقاء نفسها وعن طيب خاطر. نحن هنا لا نعترض على حق أي كان أن يصور ما يحلو له شرط أن لا يسقط ضحية السعار الجنسي الذي يقود حتما إلى الكبت والانحراف ويؤثر بطرق سلبية على نسيج المجتمع، لكننا مع الفن الهادف الذي يسعى إلى ضبط سلوكنا وتعميق فهمنا للنفس البشرية. يجب أن يوظف الجنس في السينما عن كفاءة وجرأة وليس وفق المخطط الذي يعمل على قتل القيم في المجتمع المغربي ودون تجاوز ما يمس حرمة المشاهد والحذر من الدعاية للشذوذ الجنسي والسحاق والدعارة والعري ومحاولة تقديم السند لهذه العلاقات والانحدار بالفن السابع إلى مرتع الرذيلة. إن تبني سينما جنسية صارخة ومقصودة ومهينة هدفها إشاعة ثقافة متردية وإباحتها سيؤثر حتما على مقومات الأنماط الاجتماعية والثقافية وحتى سلوك الرجل والمرأة من الأساس. إن الذين يقفون وراء فاطيم العياشي ويدافعون عن "حقها" في ركوب العري المريض على الشاشة السينمائية إنما يريدون استغلالها للربح المادي بتصويرها في قمة الانتشاء، ومن دون أي طعم، لتهبط بنا "أعمالهم الفنية" إلى عالم المسخ الحيواني في سرعة أكبر من سرعة الصوت والصورة بمشاهد صادمة ومخزية لا تعد ولا تحصى، حتى يقال إن "الممثلة" متحررة من "الطابو"، وعلى الشعب المغربي أن يقبل ذلك رغما عنه. وهذه السينما، في رأي فاطيم العياشي ومؤطريها، تسمى "السينما الجريئة" أو "السينما المتمردة" لإعطائها صبغة "فكرية مزيفة" والتي، حسب هذه الزمرة من المخرجين، تضع الأصبع على موضع الداء وتسعى إلى البحث عن بديل للقيود والأخلاقيات المجتمعية "المتخلفة". لكن هذه السينما في الحقيقة لا علاقة لها بالفن، لأنها لا تصور إلا جماليات القبح وحالات الهروب من الواقع لمداعبة عالم الخيال المتخلف ولا تحمل في جوفها إلا الروث والأوساخ، وتحولت فيما بعد إلى مرض جسدي وأخلاقي ونفسي من كثرة تفاهتها وسطحيتها وبذاءتها ومجونها بفعل فوضى الكحول والإدمان على المخدرات والكلام السافل وبنات الهوى وسيقان العاهرات المنتفخات والانحرافات المختلفة التي تتسبب للمشاهد في ارتفاع درجة الحرارة والغثيان. ونغتنم هنا الفرصة لنُصح "الممثلة" بإحالة نفسها على عناية طب التحليل النفسي للخروج من كره الذات وحالة الانهيار العصبي. ولا نحتاج هنا أن نشرح لأحدٍ أن الفن الراقي يؤسس لحرية الفكر الملتزم الذي ينهض بالمجتمع ويبقى جزءا من التاريخ الثقافي للسينما ويبقى مرجعا كفن وكوسيلة اتصال وكظاهرة اجتماعية ويحفر لنفسه مكانا فيه؛ أما الأفلام الهابطة فهي دعوة خبيثة إلى إفساد العقول وصرفها عما هو أهم، ولن تدخل أبد الدهر إلى التاريخ الثقافي للسينما لأنه لا قيمة فكرية لها تذكر وسرعان ما يطويها النسيان. "السينما الجريئة" في مواجهة "السينما النظيفة" مهمة "السينما الجريئة" - أو على الأصح ما يمكن تسميته ب"السينما القذرة"، المتخفية داخل منظومة سينمائية مستوردة، والتي يروج لها هدامون وينساق وراءها مغفلون- توليد العفن السينمائي المدبج بغطاء "الحرية"، ومنها "حرية الإبداع" و"حرية التعبير"، من أجل تثبيت "الإكراه الفكري" الذي يزداد خطورة كل يوم. ولا اعتراض لدينا على توفير حرية التعبير وحق الاختلاف في الأفكار والآراء والأعمال الفنية دون رقابة أو قيود حكومية لكل فرد داخل المجتمع، شرط عدم مخالفة القوانين وأعراف الدولة ودون أن تتسبب حرية التعبير في أذى جسدي أو نفسي لأي كان، لأن "الحرية هي الخضوع للقوانين" (جون جاك روسو). ومن البداهة القول إن أساس سن القوانين هو تحقيق "المصلحة العامة"، بما فيها الحرية. وتستوجب "المصلحة العامة" أن تراعي الحرية ما يخدم "المصلحة العامة" وليس المصالح الشخصية أو العائلية أو الطائفية أو الحزبية أو العرقية أو الفئوية أو حتى الدينية. إذن، "المصلحة العامة" تُقدم على المصلحة الخاصة، وهي القانون الأسمى الذي تتحدد بموجبه "حرية الفرد التي تتوقف عند حدود حرية الآخرين" (مونتيسكيو)؛ والمراد من كلام هذا الفيلسوف ألا تتصادم ضوابط حرية الفرد في التعبير مع حق الآخرين. من هنا، يمكن القول إن الحرية حق من الحقوق الطبيعية للإنسان، لكنها مرهونة بضوابط عامة وقوانين صارمة وخاضعة لشروط أساسية، ولا يصح لأحد أن يعتقد أن تصرفاته داخل المجتمع بلا حدود أو قيود وبلا حسيب أو رقيب، وإلا تعرض لإكراهات تحد من حريته وحقوقه عندما تتعارض مصالحه مع ما يوجب العقد الاجتماعي. ولنقس الآن مسرحية كلام فاطيم العياشي القائل بوجود فن واحد وكفى، بالمقاييس أعلاه ولندقق أولا في موقف القانون الجنائي المغربي من "حرية الإبداع" أو "حرية التعبير"، لنتبين ما إن كان حقا قد ضيق الخناق عليها؛ فمادة الفصل 483 تحدد الأفعال المجرمة والجزاءات المقررة لها وتنص، بكل وضوح وبلا لبس، على أن "كل من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم"، ولا يستثني هذا الفصل من القانون الجنائي المغربي السينما أو أي فن من الفنون. وما قدمته "الممثلة" فاطيم العياشي في فلمي "فيلم" و"موشومة" إخلالٌ بالحياء والسلوك المضاد للثقافة وحرية التعبير، وتعرية شاملة لعمق الفساد الأخلاقي وغياب المنطق، ومع ذلك تتستر ب"حرية التعبير والإبداع" وتطلق العنان لعقدها النفسية حتى يتسنى لها قصف الجميع بالعري والمشاهد الجنسية المزعجة المسيئة إلى القيم والأخلاق والمداعبة لخيال الشباب المغربي الذي يعاني البطالة والكبت الجنسي. والمصيبة الأكبر هي أن فكرة الفيلمين معا شيء تافه وفارغ من المعنى ولا أهمية لهما تذكر، سواء على المستوى الفني أو الفكري، لأن جوهرهما هو الرذيلة والبغاء السينمائي مع توظيف لغة عامية مستفزة تلوث طبلات الأذن، ورغم ذلك يدافع عنهما البعض وعن "حق" فاطيم العياشي بالتعري على الملأ باسم "حرية الفن". وهذا الموقف ليس إلا خطوة إلى الأمام لا همّ لها سوى ترسيخ "سينما الاستمناء" وليس "السينما الجريئة"، من طرف "ممثلة" مبتدئة تحاول صنع اسمها بقبح في داخلها؛ وهذا هو الاستغلال الخاطئ لمعنى الحرية للإساءة إلى الفن ومحاولة استفزاز مشاعر الآخرين وإهانتهم. ويتلاشى معنى الكلمة أمام الصورة، لتصبح الرسالة المعلَنة هي نوع لبث الإثارة الجنسية من خلال الجسد المعروض بشكل مفضوح وصريح. إذن، الذي نحن بصدده ليس فنا، وإنما بكل بساطة جهل بأدنى مكونات ووظائف الفن لإرضاء الضمير المعدوم المرتشي الذي لا ذات له والذي أهلكته المصالح الشخصية دون احترام حق الآخر في الحفاظ على إنسانيته. ولنتساءل بحكمة وموضوعية: لمن هذا الحبو وهذا الزحف وممن نريد كسب الثناء والمدح وعلى حساب من؟ لماذا تسعى فئة من "المستغربين" إلى فرض مفهوم خاص متطرف للفن لتعميق اتجاه معين لحرية الإبداع؟ لماذا لا يحاول المخرج المغربي ومعه الممثل، إذا كان لدينا ممثلون أو مخرجون، المساهمة في تصوير الواقع الاجتماعي البائس والكف عن تزوير الوعي؟ ما الذي جعل فاطيم العياشي تحصل على الدعم المادي والمعنوي والعرض السريع للفلمين اللذين تقمصت فيهما البطولة؟ من المسؤول عن هذا النشاط لهذا النوع الجديد من "الدعارة السينمائية"، التي تتناسل كالفطر، في زمن الجمود الفكري وانهيار الإبداع الفني؟