ذات سنوات مضت كانت تخترق أسماعنا الطفلة حكايات الكبار عن جثث يعثر عليها صباحًا في الأزقة الخلفية لأحياء موغلة في الفقر والتهميش، أو في مناطق نائية خارج العمران. كانت ترعبنا قليلا تلك الحكايات ثم ننسى كل شيء سريعًا، إلا نصائح الآباء بالحذر من الغرباء وعدم الابتعاد عن باب المنزل. "" الآن لم تعد هذه النصائح تجدي. ليس لأننا كبرنا، بل لأننا صرنا نفتقد الأمان حتى في بيوتنا. دع طفلك يلهو وحده خارج البيت، وثق أنك لن تراه بعد ذلك. أوقف دراجتك في أي مكان مأهول أو غير مأهول ثم أغمض عينيك لمدة دقيقة.. دقيقة واحدة لا غير. استدر الآن وأخبرني ما شعورك (إن لم يكن قلبك قد توقف طبعًا). لو استقبلت مكالمة هاتفية وأنت في الطريق، وأخرجت هاتفك المحمول لا تلم المتصل إن وجدت أن الهاتف قد اختفى من بين أصابعك. ربما أضحت هذه الجرائم إعتيادية ويمكن التعايش معها بغير قليل من الخوف والحذر: لا تخرج معك مالا أكثر مما تحتاج، لا تلبس ملابس فاخرة، لا تستخدم الهاتف في الشارع... إلخ. لكن ماذا ستفعل أمام القتل حين يصبح طقسا نهاريا يمارس في الشارع العام؟ لا تخف بعد الآن من التسكع ليلا في الأزقة الخلفية والأحياء المهمشة. فما سيحدث لك آنذاك يمكن أن يحدث لك نهارا وأنت في سيارتك أو في مكتبك. لا فارق على الإطلاق. قبل أقل من أسبوع هجم شخصان مسلحان بالسلاح الأبيض على شخص داخل سيارته قرب محطة المسافرين (الحافلات) في شارع لا يمكن بالقطع إتهامه بالهدوء. أطبقا عليه بسهولة وطفقا يغرسان السكاكين في جسمه حتى قال للحياة وداعا، فأخذا ما معه من مال متحصل عليه من بيع قطعة أرضية كبيرة وذهبا إلى حال سبيلهما. كل هذا وسط الشارع العام بعد غروب الشمس بقليل! لا أحد حرك ساكنًا. يقولون أنها حالة تصفية حسابات بين عصابات، ويقولون أنه إنتقام عائلي، ويقولون ويقولون... لكن كل هذا غير مهم. الأهم هو هذه الجريمة التي أمامنا. هل تستطيع أن تشعر بالأمان بعد الآن؟ أنا لا. منذ سنوات والوضع الأمني في مدينة طنجة يزداد هشاشة، وليس هناك من يحرك ساكنًا. المواطن يقبع في بيته ليس أمامه سوى الاحتماء بجدران لن تحميه حقًا. رجال الشرطة لا يستطيعون حماية حتى أنفسهم لقلة عددهم وضعف تجهيزاتهم، فضلا عن غياب روح المسؤولية بسبب وضعيتهم الاجتماعية المزرية. أما وزارة الداخلية فخارج التغطية. الأمر يحتاج إلى تدخل سريع وإلا فإن أسس الدولة في طريقها إلى التقوض وسنعود إلى العيش في غابةٍ البقاء فيها فقط للأقوى. يجب الرفع من عدد رجال الأمن، توزيعهم بشكل سليم، تحسين وضعيتهم المادية واللوجيستيكية، الرفع من حملات التفتيش للأماكن المشبوهة، إصلاح السجون التي تحولت من مؤسسات إصلاحية إلى معاقل الفساد ومصانع لتفريخ الإجرام. نحتاج إلى الكثير، لكن ليس هناك من يقدم لنا ولو القليل. عن مدونة محمد سعيد احيجوج