مادامت الحكومة التي يقودها رئيس حزب العدالة والتنمية قد قطعت وعدا بأن تحاسب نفسها وتستجيب لمحاسبتها، وترى أن الأداء الحكومي لا يجب أن ينتظر نهاية الولاية بل إن تدارك الأخطاء يتطلب مراقبة التسيير اليومي استعجالا لتحقيق التنمية. وتبعا للضجة التي أثيرت حول بعض الآراء المعارضة من طرف بعض العناصر المشكلة للأغلبية الحكومية صار من اللازم طرح الإشكال التالي : هل هناك ثقافة خاصة للمعارضة وثقافة خاصة للحكومة؟ وهل هناك حد فاصل بينهما؟ لقد عرفت الأيام الأخيرة نقاشا سياسيا حادا حول أحقية الحزب المشارك في الحكومة في أن يفصح عن آرائه المعارِضة في التسيير الحكومي للرأي العام وأن يبدي ملاحظاته بشأن الجانب السلبي الذي يراه، وأنه عندما يقوم بذلك يكون متأثرا بثقافة المعارضة الشيء الذي يرى فيه البعض عدم انسجام الأغلبية المشكلة للحكومة ويرى في ذلك مشكلا أساسيا. والحقيقة أن التنبيه الإيجابي للتسيير الحكومي من طرف مشارك فيها سواء كان هذا المشارك من فريق يرأس الحكومة أو يساهم في تسييرها أو حتى من قبل أعضاء فاعلين داخل المؤسسات الحزبية المشكلة للأغلبية، هذا التنبية يدخل في إطار الثقافة الديمقراطية التي تهدف إلى التقويم عن طريق الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، السلوك الذي يجب أن يسود في مغربنا الجديد تماشيا مع توجه جديد مرجعيته دستور جديد، خصوصا وقد تعددت منابر التعبير وفتحت أبوابها بعيدا عن كل تحكم. إن ترسيخ السلوك الديمقراطي في التعبير لدى الأفراد ودمقرطة العلاقات داخل خلايا وجماعات وهيئات المجتمع يتوقف على مدى ترسيخ قيم الشفافية تبنى على أساس الحوار والإنصات للرأي الآخر واحترام الحق في الاختلاف وقبول النقد الإيجابي. والأكيد أن غياب هذه الثقافة هو المسبب الأساس لتخلف العالم الثالث بل لانهيار العديد من الحضارات ولنا نموذج يتمثل في انهيار دول أوربا الشرقية التي عملت على إغلاق الأبواب أمام التوجيهات التي تعارض إيديولوجيتها بل بنت جداراً حولها من أجل تحصين قيمها الأحادية، وكانت النتيجة تخلفا عاما وزلزالا أسقط الجدار وتبعاته.كما أن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ما هو إلا نتاج للتوجه الأحادي للحكومات العربية التي رفضت التعدد وفرضت أسلوب التحكم. هناك من يبرر المواقف التي تتخذها كل من المعارضة والحكومة بأسلوبها التقليدي الذي يقر ثقافتين سياسيتين متباينتين إحداهما خاص بالمعارضة يتبنى النقد والرفض، والثانية خاصة بالحكومة ومن يساندها تقوم على التمجيد وتلميع الصورة. ومن المعلوم أن الثقافة المشبعة بقيم الديمقراطية في التعبير لم تجد مكانها داخل معظم بلدان العالم الثالث، فرغم أن الخطاب الديمقراطي أصبح يستهوي الجميع في عصرنا الحاضر بل ويفرض نفسه حتى على خصومه بالأمس القريب، فإن الممارسات لدى بعض الديمقراطيين الجدد ظلت تتأرجح بين الوفاء للاتجاه الأحادي في التعبير ومحاولة التكيف مع ثقافة سياسية جديدة منفتحة على الديمقراطية وحق الإنسان في الاختلاف. بل حتى بعض حاملي شعارات الحداثة تؤكد ممارستهم أنهم غير أوفياء لفكرهم الليبرالي الذي يدعو إلى التحرر من النظرة الضيقة التي تجعلهم يتخندقون في تصور أحادي رغم وجود حقائق تفرض المساندة والدعم. إن ديننا الحنيف يدعو الإنسان أن يتخذ من نفسه أحيانا صفة المعارض، ولعل الدعوة إلى محاسبة النفس والتَّدَبُّر هي فرصة لتقويم السلوك. فكيف نقرها في سلوك الفرد ولا نقرها في تدبير الشأن العام؟